“مزيد من الوقت يعني مزيدًا من القتلى والجرحى” يصيح مسؤول فلسطيني على شاشة التلفزيون. لامست تلك الكلمات وجدان شعبان طه الطبيب المصري، أثناء استراحته من فترة عمله بمستشفى أسيوط الجامعي.

تصفح “طه” هاتفه لمتابعة آخر الأحداث بالأراضي الفلسطينية، أخد يُحرِّك صفحته لأعلى، تارة يشاهد فيديوهات لتهجير أهالي حي الشيخ جرّاح، وتارة مشاهد أخرى عن مقاومة الفلسطينين للاحتلال بمسجد الأقصى، ومشاهد ثالثة دموية جراء قصف غزة.

عقب عدد من التدوينات، وقع أمام طه وزملاؤه من الأطباء تدوينة: “لكل أطباء مصر الآن يمكنكم تسجيل بياناتكم للتطوع لمساندة مصابي الأحداث الجارية بفلسطين الشقيقة حال توفر فرصة لذلك”. دونت تلك العبارة على الصفحة الرسمية للنقابة العامة لأطباء مصر عبر “فيسبوك” وسرعان ما بدأ الأطباء في التسجيل.

أكثر من 1200 طبيب قرروا التطوع خلال 24 ساعة، وسجلوا على الموقع رغبتهم في مساعدة الضحايا والمصابين الفلسطينين بقطاع غزة.

التطوُّع الذي سارع إليه أطباء مصريون، بمثابة إعلان لرغبات دفينة لدى مصريين طالبوا خلال السنوات المنقضية بفرصة لدعم القضية الفلسطينية، حين سُمعوا وهم يهتفون في وقفات احتجاجية غاضبة: “افتحوا الحدود.. افتحوا الحدود”.

“أفعال لا أقوال”.. هو الشعار الذي رفعته نقابة الأطباء بشأن القضية الفلسطينية وما يجري على الساحة مؤخرًا من عدوان الاحتلال. حيث بدأت بالتواصل والتنسيق مع وزارة الخارجية والهلال الأحمر؛ للتعرف على الاحتياجات والمستلزمات الطبية التي يحتاجها الأشقاء.

أطباء مصر: واجب شرفي

“كان رد فعل تلقائي”.. يقول الدكتور شعبان طه، الذي سرعان ما بادر بالتسجيل للتطوع، والذي يرى أنه بحكم طبيعة عمله قام بما يتوجب عليه فعله.

وأضاف طه، طبيب أطفال وحديثي الولادة وعناية المبتسرين، لـ”مصر 360″، إنه حال رؤيته لطلب التطوع من نقابته تصرف بإنسانية مطلقة. “رَدّ فعل إنساني طبيعي جدًا تجاه الإصابات الشديده نتيجة العدوان الإسرائيلي على مدنيين عُزَل”.

تابع طه الأحداث الدامية المستمرة على الشعب الفلسطيني ومحاولات تهجيرهم، ورغم علمه بالتخصصات الأكثر احتياجًا. تلك التي ذكرتها النقابة في بيانها “هناك احتياج لبعض الأطباء من التخصصات الجراحية مثل جراحة الصدر والمخ والإعصاب والأوعية الدموية والعناية المركزة”. إلا إنه قام بالتسجيل.

يتمنى الطبيب ذو الـ29 عامًا تقديم واجبه الطبي تجاه الشعب الفلسطيني عاجلًا، فهو يتلهف لتقديم المساعدة. كذلك أشاد بموقف نقابة الأطباء. “حقيقي كنت مبسوط جدًا بموقف النقابة اللي يعتبر ده أداء واجب شرفي”.

وعن رد فعل أهل الطبيب: “الأهل قلقانين شوية بس مرحبين، هذا أقل واجب يعمله الأطباء. طالما الموضوع تحت إطار وبتنسيق وترتيب من النقابة ووزارة الصحة فذلك مسهل الموضوع شوية”.

220 شهيدًا و6000 مصاب

أعداد الأطفال الضحايا والمصابين دفعوا طه للتقدم والتطوع دون تردد لمحاولة إنقاذ الأطفال الذين يتم استهدافهم من جانب قوات الاحتلال.

وكان مسؤولون فلسطينيون في غزة كشفوا لـ”بي بي سي” أن أمس الأحد كان اليوم “الأكثر دموية” منذ اندلاع موجة القتال الحالية مع إسرائيل. فقد قُتل 42 شخصًا في غارات إسرائيلية على قطاع غزة الأحد فقط بينهم 16 امرأة و10 أطفال.

وفي وقت مبكر من صباح اليوم الاثنين، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية 80 غارة جوية على مناطق عدة في مدينة غزة. بعد وقت قصير من إطلاق حماس دفعة من الصواريخ على جنوب إسرائيل.

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية العدد الإجمالي للشهداء والإصابات منذ بدء الاشتباكات في 7 مايو الماضي وحتى اليوم 220 شهيدًا و6039 جريحًا. بلغ منهم ‎قطاع غزة حوالي 198 شهيدًا بينهم 58 طفلًا و35 سيدة و1300 جريح.

واختتم طه حديثه: “طبعًا اللي عارف فَضْل الشهادة فأكيد يتمناها، ولا يخشاها”.

مستشفيات القطاع تعاني ضغطًا هائلًا

من جبهة كورونا إلى جبهة غزة

أثناء عمله وقع عين الطبيب محمد محمود، بالصدفة على منشور التطوع الذي نشرته نقابة الأطباء، وبدون تردد وجد نفسه يسجل بياناته بالفعل.

“الموضوع بصراحة مكانش محتاج تفكير. زيي زي أي حد شاف الوضع وحب يساعد”، يقول أخصائي جراحات الكلى والمسالك.

يعلم الدكتور محمد التخصصات المطلوبة والتي تحتاجها المستشفيات بسيناء وغزة، فهو يحد نفسه يتمتع بتخصص نادر ومهم. “تخصصي نادر ومن التخصصات الطارئة وإصابتها ممكن لاقدر الله يودي بحياة الإنسان في وقت قصير. وبيبقى محتاج تدخل سريع ومش هيلحق يتنقل لأماكن بعيدة لازم يتم التدخل العاجل في أقرب وقت ومكان”.

يرغب محمد في الانتقال من مواجهة فيروس كورونا والتعامل مع الوباء في أحد مستشفيات العزل. يرى أن عليه واجب آخر يتمنى القيام به إذا سنحت الفرصة. “أنا شغال في العزل وقايم بواجبي في هذا الاتجاه. ولا يوجد ما يعيق إني أقوم بواجبي في جبهة ثانية”.

رغبة دفينة في نفس محمد صاحب الـ36 عامًا، للخدمة في فلسطين لمساعدة الأشقاء والتي تظهر على السطح مع كل حدث جديد. يضبط نفسه متلهفًا للسفر وللمساعدة ولحاولة إنقاذ المصابين والضحايا. أما عن أسرته يقول: “الأسرة تدعم موقفي”.

“لا أخشى الشهادة”. يقول الطبيب محمد الذي تسائل كثيرًا حول تأخر تواصل النقابة مع الأطباء الذين قاموا بالتسجيل. مضيفًا: “الأمر فعلًا مش مستحمل تأخير. وهذا أكثر وقت مناسب لتقديم المساعدة ونتواجد مع الأطباء الفلسطينين جنبًا إلى جنب”.

وعلى صفحة النقابة الرسمية دوَّن عدد من الأطباء مجموعة من التغريدات ردًا على منشور التطوع. فقال الدكتور عصام: “بادرة طيبة وموقف مشرف ومحترم من نقابتنا ونتمنى التنفيذ العملي بإذن الله”. وقال الطبيب سعد: “عايز اتطوع كطبيب للذهاب لتضميد جراح إخواتنا في غزة. أنا استشاري أطفال وعندي خبرة للتعامل مع الجروح”.

قوافل طبية

من ناحية أخرى، قال إبراهيم الزيات مقرر اللجنة النقابية الوزارية وعضو مجلس النقابة، إن المبادرة كانت عفوية بدأت بعشرات الأطباء وصلت للمئات. كذلك وصلت الآن إلى 1200 وبالطبع العدد يزداد حاليًا.

وأضاف الزيات في تصريحات صحفية أن النقابة عضو في المجتمع المدني واتساقًا مع الموقف الفلسطيني أصدرت بيانًا بالتأييد تحول لأفعال. من خلال مبادرات جمع التبرعات على حسابات لجنة مصر العطاء، بجانب تدشين رابط لتطوع الأطباء.

وأشار الزيات إلى أن العمل النقابي سيتم من خلال التعامل على الأرض. حيث تم فتح باب التسجيل للتطوع لفلسلطين أو حتى لسيناء لاستقبال الجرحى. أكثر من 1200 دكتور سجلوا في كل التخصصات ويجري التواصل مع النقابة العامة ووزارة الخارجية لتحديد التخصصات والأعداد المطلوبة. بالإضافة إلى تأمين وصولهم إلى سيناء أو إلى قطاع غزة إذا لزم الأمر.

كما سيتم إعداد قوافل طبية بما يحتاجونه من مستلزمات طبية تم تحدديها مع وزارة الصحة الفلسطينية والهلال الأحمر. حتى الحصول على موافقة وزارة الخارجية لنقل الأطباء، بحسب مقرر اللجنة النقابية الوزارية.

معبر رفح

توزيع الأطباء بين غزة وسيناء

وفيما يتعلق بتطوع الأطباء أوضح الدكتور رشوان شعبان عضو نقابة الأطباء، أن هناك اختيارين. الأول توزيع الأطباء في غزة أو تواجدهم بمستشفيات العريش والشيخ زويد وبير العبد. سيتم ذلك حسب احتياج وزارة الصحة الفلسطينية والهلال الأحمر الفلسطيني.

كما أشار رشوان لـ”مصر 360″، إلى أن ذلك سيتم وفقًا للظروف والاحتياجات والحالة الأمنية. فقد يكون من الأفضل العلاج خارج قطاع غزة ليكون المرضى والمصابين في أمان أكثر.