موسم اضطرابات جديدة تلوح في الأفق بين السعودية ولبنان على خلفية تصريحات وزير خارجية الأخيرة شربل وهبة التي وصف فيها دول الخليج برعاة الإرهاب، مما دفع  وزارة الخارجية السعودية، اليوم الثلاثاء، لاستدعاء السفير اللبناني في العاصمة الرياض.

انطلقت شرارة الأزمة الأولى من خلال شربل وهبة، وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، خلال مقابلة على قناة الحرة، جمعته بالمحلل السياسي السعودي، سلمان الأنصاري.

وقال وهبة ردا على سؤال عن مزاعم وقوف دول الخليج خلف تمويل الحركات الإسلامية قائلا: “من الذي مولهم إذا أخبروني.. هل أنا؟”.

وأضاف وزير الخارجية اللبناني: “دول المحبة والصداقة والأخوة، أوصلوا لنا تنظيم الدولة الإسلامية وزرعوه في سهول نينوى والأنبار وتدمر – في إشارة إلى الأحداث في سوريا والعراق من تدخلات – وأختتم حديثه بلغة عنصرية موجها كلماته للمحلل السعودي: “أنا بلبنان ويهينني واحد من أهل البدو”.

تصعيد سعودي.. وتهدئة لبنانية

فور انتشار مقطع الفيديو من لقاء وزير الخارجية، تلقفته وسائل التواصل الاجتماعي لتندلع التغريدات والتدوينات حول تصريحات شربل وهبة.

على المستوى الرسمي، سلمت الخارجية السعودية وزير خارجية لبنان في المملكة مذكرة للاحتجاج على ما وصفته بـ “التجاوزات” من وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، مؤكدة أن ما صرح به “وهبة” يتنافى مع أبسط الأعراف الدبلوماسية ولا تنسجم مع العلاقات التاريخية بين المملكة ولبنان.

وحمل بيان الخارجية السعودية إشارة واضحة إلى تداعيات تأزم العلاقة بين البلدين قائلا: “نظرًا لما قد يترتب على تلك التصريحات المشينة من تبعات على العلاقات بين البلدين فقد استدعت الوزارة سعادة السفير اللبناني لدى المملكة للإعراب عن رفض المملكة واستنكارها للإساءات الصادرة من قبل وزير الخارجية اللبناني، وتم تسليمه مذكرة احتجاج رسمية بهذا الخصوص”.

ودخل الرئيس اللبناني ميشال عون على خط الأزمة الدبلوماسية، معربا على رفضه للتجاوز بحق أي دولة عربية، محملا وزير الخارجية مسؤولية تصريحاته، مشددا أنها تعبر عن شخصه لا بصفته الرسمية.

وقال عون في بيان رسمي: “نؤكد على عمق العلاقات الأخوية بين لبنان ودول الخليج الشقيقة وفي مقدمها المملكة العربية السعودية وعلى حرصها على استمرار هذه العلاقات وتعزيزها في المجالات كافة.

وأضاف عون أن حديث “وهبة” يعبر عن صفته الشخصية ليس موقفا من لبنان حكومة وشعبا.

فيما هاجم رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، وزير خارجية لبنان قائلا: “إن حديث وزير الخارجية على قناة الحرة، كلام لا يمت للعمل الدبلوماسي بأي صلة، وهو يشكل جولة من جولات العبث والتهور بالسياسة الخارجية التي اعتمدها وزراء العهد، وتسببت بأوخم العواقب على لبنان ومصالح أبنائه في البلدان العربية”.

وأضاف الحريري في بيان له: “ما قاله شربل وهبة يعنيه هو فقط، ولا يعني معظم اللبنانيين الذين يتطلعون لتصحيح العلاقات مع الاشقاء في الخليج العربي ويرفضون الإفراط المشين في الإساءة لقواعد الأخوة والمصالح المشتركة، لافتا إلى الأزمات التي تغرق فيها البلاد والمقاطعة التي تعانيها، متساءلا: ألا تكفي للدلالة على السياسات العشوائية المعتمدة تجاه الأشقاء العرب؟

شربل وهبي استجاب لاعتذارات رموز السلطة اللبنانية وأصدر بيانا يوضح فيه ما قصده: “فوجئت بتفسيرات وتأويلات غير صحيحة لكلامي في مقابلة تلفزيونية مع قناة الحرة، فما قلته لم يتناول الأشقاء في دول الخليج العربي، ولم أتطرق إلى تسمية أي دولة”.

وجدد الوزير تأكيد حرصه على “أفضل العلاقات مع جميع الدول الشقيقة والصديقة للبنان”، داعيا المصطادين في المياه الراكدة إلى التوقف عن الاستثمار في الفتنة بين لبنان وأشقائه وأصدقائه.

مناوشات سعودية لبنانية

على الرغم من العلاقات الرسمية السعودية اللبنانية الممتدة على مدار عشرات السنين، إلا أن حالة من عدم الاستقرار تشوب العلاقة بين البلدين.

ففي وقت سابق، هاجم وزير الخارجية اللبناني السابق، جبران باسيل دول الخليج والسعودية في أحد اللقاءات، قائلا: “من الطبيعي أن ندافع عن اليد العاملة اللبنانية بوجه أي يد عاملة أخرى أكانت سورية فلسطينية فرنسية سعودية إيرانية أو أميركية فاللبناني قبل الكل”، وهو ما أثار أزمة مشابهة كتلك الدائرة بسبب سربل بين البلدين في ذلك الوقت.

كما أعرب باسيل خلال اجتماعات الجامعة العربية عن رفضه تصنيف حزب الله جماعة إرهابية، حيث بادر بالانسحاب من الجلسة وهو ما زاد من وتيرة الخلاف، هذا إلى جانب رفضه التضامن مع السعودية بعد الاعتداء على سفارتها في طهران.

عوقب “باسيل” من قبل الجامعة العربية والسعودية تحديدا، وخلال حضوره إحدي لقاءات الجامعة العربية  لم يخصص له أي لقاء على هامشها، ولم يجرِ أي لقاء سياسي أو غير سياسي، بجانب غيابه عن اللقاء الذي جمع  ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وسعد الحريري، بما يحمله اللقاء من طابع سياسي.

أزمة الحريري علامة على الطريق

سبق هذا خروج رئيس الوزراء سعد الدين الحريري في بيان متلفز يوم 4 نوفمبر عام 2017، من المملكة العربية السعودية يعلن استقالته من الحكومة اللبنانية على خلفية ما وصفه بالتدخل الإيراني في لبنان بالتحديد والمنطقة العربية.

الحريري وبن سلمان في حضرة ماكرون

مثلت استقالة الحريري من الحكومة حالة من الفوضى في الداخل اللبناني، وبدأت التكهنات حول دوافع الحريري من إذاعة استقالته من الرياض العاصمة السعودية.

ومن جانبه علق الأمين العام لـ” حزب الله ” حسن نصر الله، على صحة الاستقالة، موجها اتهام للحكومة السعودية باحتجاز الحريري وإجباره على الاستقالة.

محاولة لرأب الصدع

أدرك “وهبة” عواقب الهجوم على السعودية ودول الخليج لذا سارع بنشر “توضيح” لما جاء على لسانه في اللقاء: “يهمني التأكيد، مرة جديدة، أن بعض العبارات غير المناسبة التي صدرت عني في معرض الانفعال هي من النوع الذي لا أتردد في الاعتذار عنه. كما أن القصد لم يكن الإساءة إلى أي من الدول أو الشعوب العربية الشقيقة”.

وتابع: “جل من لا يخطىء في هذه الغابة من الأغصان المتشابكة”.