أسبوع مضى على تنفيذ الإعدام بوائل سعد تواضروس “إشعياء المقاري” الراهب المشلوح المدان بقتل الأنبا أبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار. لم يختف خلال تلك الفترة التراشق الإلكتروني بين الأقباط على مواقع التواصل، ولم تكن الكنيسة بقياداتها العليا بعيدة عنه.

عقب تنفيذ حكم الإعدام، شرعت أسرة الراهب السابق إجراءات تلقي العزاء. بدأت بإلباس المحكوم عليه بالإعدام القلنسوة الرهبانية رغم قرار شلحه كنسيًا. ومن ثم الاحتفال كنسيًا داخل هيكل كنيسة بزفة كالشهداء، وذلك في إيبراشية أبوتيج بمحافظة أسيوط، حيث تنتمي أسرة الراهب السابق.

تسجيلات وتعازي 

ضجت مواقع التواصل بالجدل مرة أخرى، مع انتشار فيديو للجنازة الكنسية، بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية الذي يمنع تلقي العزاء في المحكومين بالإعدام.

بعدها دأبت أسرته على نشر فيديوهات التعزية وتسجيلات صوتية لعدد من الأساقفة والقيادات الكنسية. أبرز هؤلاء الأنبا أنطونيوس مطران القدس، وهو الذي ينتمي إلى نفس الكنيسة التي تربى فيها الراهب السابق إشعياء المقاري، في مركز أبوتيج أيضًا وكان والده أحد أشهر كهنة الإيبراشية.

https://www.youtube.com/watch?v=_rw4sBq0tBo

مطران القدس قدّم التعزية لأسرة الراهب السابق تليفونيًا، وانبرى في تفسير حلم قال إنه لأحد الصالحين. يتجسد الحلم في أنه “رأى (أبونا إشعياء) في السماء مع القديسين يرتدي إكليلا والسماء فرحة بحضوره”. وأكد أنه “من شهداء الكنيسة مثل شهداء البطرسية والأنبا صموئيل وغيرهم”. بينما كانت والدة الراهب السابق وأخيه على الهاتف يشكرون المطران على كلماته المعزية.

تدخُّل مطران القدس

الجدل يثار حول أن مطران القدس ارتكب عدة مخالفات كنسية؛ فهو من ناحية يصر على منح الراهب المشلوح لقب “أبونا”. ومن ناحية أخرى يشكك في إجراءات القضية، والأحكام النهائية، ويُساوي بين شهداء الحوادث الإرهابية وبين رجل أدين بالقتل.

https://www.youtube.com/watch?v=N_JzIshY69E

تلك كانت مخالفات رآها الطرف الرافض لحديث مطران القدس، وقالوا إنها تضع الكنيسة القبطية كمؤسسة في موقف محرج أمام الدولة. باعتبار أنها “تشكك في نزاهة مؤسساتها القضائية دون سبب واضح إلا مجاملة ما يمكن تسميته (شلة أبوتيج)”.

الوصف السابق، استند إلى اعتبار أن أسقف أبوتيج الأنبا أندراوس سمح بإقامة الجنازة في ايبراشيته. ومطران القدس الذي ينتمي لنفس الايبراشية ارتكب تلك الأخطاء في مكالمة هاتفية، لمجاملة راهب سابق من “بلدياتهم”.

جدل سابق وادعاءات

هذا الجدل مستمر منذ الادعاء بأن مقتل الأنبا أبيفانيوس كان بغرض سيطرة الدولة على أرض الدير. ومن قبلها الحديث عن تبني تنظيم “داعش” للحادث، وهي الأقاويل التي تتردد عبر صفحات مواقع التواصل وفي الأحاديث الخلوية. مفاد ذلك أن طرفًا من الأقباط يرفضون تصديق ارتكاب الراهب تلك الجريمة.

لكن التناقض كان حاضرًا أيضًا في القضية، حيث نشرت بعض الصفحات أيقونة للراهب السابق على طريقة القديسين. وكتب تحتها القديس “إشعياء المقاري أبو ماسورة” باللغة القبطية. بينما تأتي كلمة “أبو ماسورة” كدليل تأكيد على اتهامه؛ إذ كانت أداة الجريمة.

مطران البحيرة يتدخل للتوضيح

أمام هذا السيل من الأقاويل، تدخل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة وأصدر بيانًا حاد اللهجة ضد ما ارتكبته أسرة الراهب السابق. وقال إن السجن الذي كان محبوسًا فيه المتهم قبل تنفيذ حكم الإعدام، هو سجن دمنهور العام. وبالتالي فهو ضمن نطاق الخدمة بالمطرانية، حيث يقوم أحد الآباء الكهنة (واعظ السجن) بتقديم خدمة الوعظ والنصح والإرشاد؛ بهدف توبة المحكوم عليهم في السجن.

وأضاف الأنبا باخوميوس: “خلال فترة تواجده بالسجن، بناءً على طلب قداسة البابا تواضروس الثاني، التقى نيافة الأنبا دوماديوس أسقف 6 أكتوبر والمسئول عن خدمة السجون بالمجمع المقدس بالمتهم وائل سعد وأخذ اعترافه ومناولته. وبناءً على طلب أسرة المتهم التقى نيافة الأنبا باخوميوس بهم لتقديم الدعم الروحي والنفسي الواجب لهم”.

وتابع البيان: “ليلة تنفيذ حكم الإعدام (السبت 8 مايو 2021)، تم التواصل مع الأب القس باخوم إميل (واعظ السجن) لحضور تنفيذ حكم الاعدام في أحد المتهمين (دون ذكر هوية المتهم)، لكنه اعتذر عن عدم الحضور لتواجده خارج المحافظة. وبناءً عليه تم تكليف الأب القمص داود جرجس لحضور تنفيذ حكم الإعدام. وبحسب لوائح السجن التقى وائل سعد، وقام بدوره من حيث الإرشاد والنصح وقبول اعترافه والصلاة له قبل تنفيذ الحكم. وذكر القمص داود أنه كان يردد (اذكرني يارب متى جئت في ملكوتك)”.

وواصل: “بناءً على طلب الراهب باخوميوس الرزيقي (شقيق وائل سعد)، تم مساعدته في إنهاء كافة الإجراءات الخاصة بتجهيز الجثمان مع تدبير سيارة لنقل الجثمان. وهو ما يتم بشكل دائم في جميع الحالات المماثلة، بحسب تعليمات نيافة الأنبا باخوميوس. مع ملاحظة أن الراهب شقيق المتهم قام بتجهيزه وإلباسه بمعرفته داخل المستشفى”.

أزمة تسجيل التعزية

وأكد أنه بناءً على طلب الأسرة من القمص داود جرجس بتسجيل مقطع فيديو، بهدف تقديم العزاء لوالدة المتهم وائل سعد بصفته الشخصية، وتابع البيان: “لم يكن قدسه موفقًا في بعض الجمل والمعاني التي قالها، ربما تحت ضغط صعوبة موقف وجوده لحظة ما قبل تنفيذ حكم الإعدام. وقد حاول أن يقدم تعزية للأم المتألمة دون أن يعلم أن مقطع الفيديو سيتم تداوله واستغلاله بهذا الشكل.

https://www.youtube.com/watch?v=lXDk0CPd1TE

وأكدت المطرانية احترامها وخضوعها الكامل لكل قرارات اللجنة المجمعية لشئون الأديرة. وشددت على أن ما قدمته للمتهم وأسرته قبل أو بعد تنفيذ حكم الإعدام هو عمل مسيحي إنساني. وأنها تقدمه لكل الحالات المشابهة.

في السياق نفسه، استغلت الصفحات المحسوبة على التيار الكنسي المتشدد تلك المناسبة للهجوم على البابا تواضروس. ولم يصدر عن البطريرك أي تعقيب حتى الآن.