في أحدث محاولة لمحو القضية الفلسطينية شعبيًا، قررت الشركة المنتجة للمسلسل الكويتي “سما عالية” حذف مشاهد توثّق الصراع العربي الصهيوني. تلك الخطوة لم تخل بالسياق أو تظهر العمل في صورة غير مكتملة فقط، ولكنها استدعت غضبًا فنيًا وشعبيًا.

المسلسل الذي عرض بموسم رمضان المنقضي، دارت أحداثه خلال أربعينيات القرن الماضي، ورصد حياة رجل كويتي تعود أصوله للقصيم بالسعودية. ويربط فيه الكاتب صالح النبهان بين الأحداث الاجتماعية والسياسية والأفراد وبين الماضي والحاضر، وركّز على العادات والسلوك ولغة الحوار. ويعرض لأسرة كويتية تعلم بعض أفرادها بمصر، وأثر ذلك عليهم وعلى تطور عاداتهم.

كتاب العمل أصدروا بيانًا دانوا فيه إقدام مؤسسة “دبي للإعلام” (كمنتج) على حذف المشاهد. وأشاروا إلى أن الحذف الانتقائي أخلَّ بالسياقات التاريخية لبعض الأفكار التي يتضمنها المسلسل.

المسلسل الكويتي "سما عالية" - مصر 360
المسلسل الكويتي “سما عالية”

وجاء في نص البيان: “نود توضيح أن الحذف الانتقائي للكثير من المشاهد في مسلسل (سما عالية) الذي قامت به مؤسسة دبي للإعلام بعد استلام العمل من المنتج المنفذ، والذي تفاجأنا به عند عرض المسلسل قد غيّب وجهًا مهمًا من أوجه الحقائق التاريخية للصراع العربي الصهيوني. تلك الحقائق التي لا يمكن طمسها بمجرد اقتطاعها من سياقات مسلسل درامي. مما ترك أثرًا سلبيًا على بعض البُنى الدرامية في المسلسل وأخلَّ بالسياقات التاريخية لبعض الأفكار التي يتضمنها المسلسل. كما أخل هذا الحذف بالنهايات المشوقة للحلقات حسب ما كان مقررًا في السيناريو المكتوب”.

خرائط جوجل

هذا الموقف، استعدى للذكراة مواقف مشابهة في الإنتاج الفني والمناهج التعليمية في محاولة لوأد التفاعل مع القضية الفلسطينية. إذ قام موقع البحث الشهير”جوجل” في عام 2020 بإخفاء فلسطين من خرائط “جوجل”.

وبعد الجدل الذي رافق خطوتها، أوضحت “جوجل” أنها تسعى لعرض “المناطق المتنازع عليها بموضوعية باستخدام خط حدودي رمادي منقط”.

وتابعت الشركة: “لم يتغير نهجنا في تصوير المناطق على الخرائط. حيث تحصل الشركة على المعلومات من المنظمات ومصادر رسم الخرائط عند تحديد كيفية تصوير الحدود المتنازع عليها. وما زلنا محايدين فيما يتعلق بالخلافات الجيوسياسية وبذل كل جهد لعرض موضوعي لتلك المناطق”.

جوجل تحذف فلسطين من خرائطها - مصر 360
جوجل تحذف فلسطين من خرائطها

وذكر موقع  “AS-Source News / MILITARY، في تغريدة، أن محركي البحث “جوجل” و”آبل” حذفا اسم “دولة فلسطين” من خرائطهما المعتمدة.

سوء نية الشركة واضح منذ قامت بالأمر نفسه عام 2016. بعدما أجرت تحديثاتها بحذف فلسطين من خرائطها، ووضع اسم إسرائيل المحتلة على الخريطة بشكل كامل. ذلك أثار حفيظة الفلسطينيين وكافة النشطاء على مواقع التواصل الداعمين للقضية الفلسطينية، دون رد واضح من الشركة.

سياسات الاحتلال

في 2019 حاول الاحتلال الإسرائيلي منع تدريس المنهج الفلسطيني في القدس. ما يعد تعديًا صريحًا على حقوق الشعب وانتهاكا للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، خاصة معاهدة جنيف الرابعة.

كما يواصل الاحتلال تشويه المناهج الفلسطينية، حيث تقوم بحذف كل النصوص التي تحمل معاني الدفاع عن عدالة القضية الفلسطينية. فضلاً عن القصائد والرموز الوطنية ودروس التاريخ الفلسطينية، وكل ما له علاقة بالهوية الفلسطينية.

فلسطين في المقررات الدراسية العربية

مرّت فلسطين في المقررات المدرسية الرسمية العربية، منذ النكبة في عام 1948 وحتى اليوم، بمراحل ومستويات عدة. وصلت إلى طمس وتبديل مفاهيم وتزييف معلوماتي أو معرفي. إذ تتولى وزارات التربية والتعليم صياغتها وفق الخط السياسي للدولة.

ورصد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تناول فلسطين في مناهج الدول العربية تحت عنوان “سبعون عامًا على نكبة فلسطين.. الذاكرة والتاريخ”. وقال إن المنهج الأكاديمي الأردني حافظ على تدريس القضية الفلسطينية والقدس، إلا أنه بعد عام 1994 شهدت القضية غيابًا.

محاولات فاشلة لمحو القضية الفلسطينية من الوجدان العربي - مصر 360
محاولات فاشلة لمحو القضية الفلسطينية من الوجدان العربي

وفي لبنان التي تشهد توزيع الوزارات على أساس طائفي، انعكس على المناهج بشكل كبير. بجانب حذف غالبية مواد القضية الفلسطينية في الكتب السورية الحالية، خاصة في صفوف التعليم الأساسي.

بينما شهدت القضية الفلسطينية في المناهج العراقية تجسيدا في كتب التاريخ المنهجية في المقام الأول. حيث برزت التوصيفات الحماسية العاطفية ولهجة التخوين لبعض الدول العربية المرتبطة عضويًا بالقضية الفلسطينية مع بعض التنقيحات. بحسب أستاذ التاريخ في الجامعة المستنصرية في بغداد، نهار نوري.

أما الإمارات فقلّصت حضور القضية الفلسطينية بشكل كبير، وتراجع في المنهاج بصورته الأخيرة في العام الدراسي 2017 /2018. وأصبحت الإشارة إليها عابرة وفي سياق الحديث عن الاستعمار الأوروبي للوطن العربي. ويظل ذلك متسقا مع التطبيع الأخير مع المحتل الإسرائيلي.

الحضور الفلسطيني في المناهج المصرية

دراسة للباحث عبد الفتاح ماضي، أكدت أن الحضور الفلسطيني في المناهج المصرية بدأ بنهاية أربعينيات القرن الماضي. وتكثف حضوره في منتصف الخمسينيات ليصل ذروته في السبعينيات. إذ يتضمن كتاب “تاريخ العالم العربي في العصر الحديث” – الصادر عام 1974 نحو 42 صفحة عن الموضوع الفلسطيني.

وبعد اتفاقية كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978، وإنشاء مركز تطوير المناهج، لم يستخدم كتاب “تاريخ مصر والعرب الحديث” الصادر عام 1991 – 1992 للمرحلة الثانوية مصطلحات مثل “الاستعمار الصهيوني”، أو “الإرهاب الصهيوني”، أو “الإرهاب اليهودي”، لكن وردت كلمة “إرهابيين” وعبارة “الإرهابيين الصهيونيين” عند الحديث عن نسف فندق الملك داود في القدس عام 1946. وبدلاً من استخدام كلمة “العصابات اليهودية المسلحة”، ظهرت عبارة “العناصر العسكرية اليهودية” عند الحديث عن حرب 1948.

أطفال يشاهدون مظاهرة في القدس الشرقية - مصر 360
أطفال يشاهدون مظاهرة في القدس الشرقية

ومنذ كتاب “التاريخ” للثانوية العامة في عام 2002، وحتى آخر كتاب صادر في عام 2017 – 2018، يؤكد ماضي أن حجم التناول تقلص مع التوسع في الحروب العربية الإسرائيلية، والتركيز على الدور المصري تحديدًا.

القضية في الوجدان العربي

الكاتب والباحث الفلسطيني تيسير الخطيب يقول إن القضية الفلسطينية استمرت حيَّة في نفوس الفلسطينيين والعرب وفشلت كافة محاولات طمسها. بل على العكس ظلت القضية وبقيت السردية الفلسطينية حاضرة في الثقافة والإعلام والفن وحارسة لذاكرة الأجيال على مر السنوات والعقود.

واصفًا ذلك بـ”تكسير كل الأكاذيب الصهيونية بمعاونة أقلام عربية كان من المفترض أن تكون في صف الحقيقة والعدالة والتاريخ”. وتابع: “باءت كل محاولات فرض التطبيع على الشعوب العربية بالفشل؛ لأن القضية الفلسطينية حفرت عميقا في الثقافة العامة، وفي مناهج التعليم وفي الفن والأدب”.

وتابع: “كان لا بد للكيان الصهيوني وداعميه  ممن حرصوا دوما على تحويل هذا الكيان إلى دولة طبيعية في الشرق أن يركزوا في السنوات الأخيرة على الأدوات الثقافية والفنية وخصوصا الأدوات الأكثر جماهيرية وتأثيرا لتبهيت وجه فلسطين وصورتها، وهي خطة تقوم على التدرج والاستدامة والشمول”.

وأردف: “بجانب المقاومة الشعبية للفلسطينيين، فمن الضروري أن تنشأ جبهة عربية ثقافية عريضة تشكل سياجا يحمي القضية من محاولات التزييف”. واختتم: “في العالم العربي الكثير من الإمكانيات لتشكيل هذه الجبهة التي لا تقل أهميتها عن العمل الميداني المقاوم في فلسطين”.