أثبتت أحداث فلسطين الأخيرة أن الشعوب تمتلك وعيًا لا يُستهان به في معركتها مع “فيسبوك” وشركات التكنولوجيا ومنصات التواصل. المنصات التي باتت مسرحًا لآراء وتعليقات مئات الملايين وجدت نفسها مُقيَّدة بوعي جماهيري عصيٍّ على أن يُقاد.

هذه النتيجة أثبتتها تجربة “فيسبوك” مع القضية الفلسطينية خلال الأيام الماضية. حين قررت الشركة تقييد المحتوى الخاص بدعم فلسطين. فواجهت أكبر حملة إلكترونية للاعتراض على سياستها، واضطرتها للاعتذار والتعهّد بمراجعة موقفها، بل وتقييد صفحات قادة الاحتلال.

“فيسبوك” تلاحق المحتوى الفلسطيني

مع بدء الأحداث الفلسطينية الأخيرة، فوجئ مشتركون في “فيسبوك” باختفاء منشوراتهم وتعلقاتهم التي تحتوي على مفردات من قبيل “القدس، فلسطين، انتهاكات إسرائيل، الاحتلال”. وهو ما رجّح الاعتقاد بأنها خوارزميات وضعتها الشركة لتتبع المنشورات الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني.

ورجَّح وليد جاد رئيس مجلس إدارة غرفة تكنولوجيا المعلومات أن تكون إدارة “فيسبوك” تسخدم خوارزميات تتعلق بالقضية الفلسطينية لحذف كل ما يتعلق بالكلمات المعبرة عن التضامن مع القضية مثل المقاومة وفلسطين والقصف.

وأشار جاد في تصريح لـ”مصر 360″ إلى أن السبب في عدم حذف الصفحات والأشخاص الداعمين للاحتلال، هو استخدام كلمات مفتاحية تعتمد على التفرقة بين الرفض والتأييد.

وعندما اكتشف المستخدمون سياسة الشركة لـ”ملاحقة المحتوى الفلسطيني“، بدأت حيل عديدة للهروب من الحظر أو تعليق الحسابات. ومنها كتابة الكلمات بأحرف متقطعة حتى تصعب عملية كشفها على غرار (غ ز ة)، أو الكتابة بدون نقاط على الحروف.

لدى تلك المرحلة المبكرة، كان لدى الجماهير العريضة سبل عديدة لتلقين الشركة الأمريكية درسًا إلكترونيًا عن حجم الوعي الجمعي. فأطلق مدونون على كافة المنصات حملة لإعادة تقييم تطبيق فيسبوك على “جوجل بلاي” و”آبل ستوري”، تفاعل معها 113 مليون مشترك.

كما تضمنت الحملة مقاطعة عمليات التمويل المالي على “فيسبوك”، واعتبار الجمعة المقبل “يوم مقاطعة موحد” لكافة المشتركين على الموقع، للتأثير على حجم استخدامه، وهو ما يؤدي إلى تراجع قيمه السوقية.

https://twitter.com/RBenkhalil/status/1394978656615903232?s=20

وعندما وجدت “فيسبوك” نفسها تحت ضغط الحملة الإلكترونية، أنشأت صفحة وأضافت عليها 76 مليون مشترك ومتابع من دون علمهم، تدعم الرواية الإسرائيلية. في المقبل دوّن الناشطون الفلسطينيون والعرب رسائل شديدة اللهجة بأن ما تفعله إدارة “فيسبوك” هو قمع هاشتاجات مثل GazzaUnderAttack #FacebookBlocksPalestine#، ووصل التفاعل مع الوسم الأخير إلى 4.7 مليون مشترك.

خسائر “فيسبوك”

المؤشرات الحالية تفيد بهبوط تقييم “فيسبوك” من 4.7 نجوم إلى نسب تتراوح بين 2.2 – 1.5 نجوم على متجري “جوجل وآبل”. هذا التراجع السحيق جاء في غضون أيام ولا يزال مستمرًا في التفاعل.

النتيجة السلبية لهذا التراجع جاءت سريعًا بهبوط قيمة أسهم الشركة الأمريكية بـ5.5 دولار، في آخر تحديث. كما أن التأثير المادي يمكن أن يطول عمليات البيع والشراء والإعانات التي تعتمد عليها الشركة.

https://twitter.com/fakharany90/status/1394922547892953088?s=20

وتحصل “فيسبوك” على 30% من عمليات البيع والشراء لمنتجاتها على متجري “جوجل” و”آبل”. تلك الحصيلة المالية مهددة هي الأخرى، جرّاء حملة المقاطعة الإلكترونية المرتبطة بفلسطين.

وفيما لم يجرى حساب تكلفة الخسارة على وجه التحديد حتى الآن، فإن الشركة خسرت 56 مليار دولار من قيمتها السوقية في يونيو الماضي، عندما تعرضت الشركة لحملة مقاطعة من شركات أخرى على وقع خلاف بشأن أرباح الإعلانات.

رسائل الحملة الإلكترونية ومدى تأثيرها

لكن يمكن لـ”جوجل” أن تنقذ شركة ‏رجل الأعمال الأمريكي مارك زوكربيرغ، من خلال حذف ما تعتبرها “تقييمات موجهة” وذلك في غضون أسبوعين فقط. كما أن احتمال تدني عدد تحميلات التطبيق يبدو غير واقعي، باعتبار أن حوالي 3 مليارات شخص يستخدمون الموقع حول العالم. وبالتالي لا يتأثر حجم الإقبال عليه بالنظر إلى تقييمه عبر المتاجر.

هذه النقطة تحديدًا رصدها مستخدمون على “تويتر” قالوا إن فكرة حذف التطبيق غير مجدية، خاصة أن “فيسبوك” يضم العديد من الناس الذين يصعب متابعتهم أو “الاطمئنان عليهم” ف مكان آخر، لذلك كانت الدعوة للتفكير في حلول أخرى للضغط على الشركة لتغيير سياستها في الشركة الأوسط.

لذلك تكون الحملة الحالية رسالة مهمة للشركة، بأنّ الجماهير فاعلة إنْ هي أرادت. وأنها مُطالبة بإعادة تقييم شامل لتعاملها مع المشتركين في المنطقة، ليس فقط فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ولكنّ بمجمل سياسياتها التي توصف بالعنصرية.

أبعاد سياسية

ملامح المواجهة الإلكترونية تعكس أبعادًا أخرى ذات طبيعة سياسية، إذا ما قورن موقف الشركة الأمريكية وأختها “جوجل” بموقف تطبيق “تيك توك” الصيني، الذي بدوره أتاح مساحة أكثر حرية لعرض الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.

كما استغلت أطراف أخرى التعثر الذي يواجهه فيس بوك، وبدأ الإعلان عن منصات أخرى للتواصل أو المحادثات، من بينها تطبيق “بيب” وهو تركي، استطاع جذب 6 ملايين مشترك خلال 3 أيام من طرحه.

تيك توك” والموقف الصيني

على عكس موقف “فيسبوك”، أتيحت الفرصة للتطبيق الصيني “تيك توك” لتسجيل هدفًا في مرمى خصمه الأمريكي، بأن أصبح بابًا للتنفيس عما يحدث في فلسطين. بل أصبح منصة رئيسية لمشاركة الأخبار والفيديوهات المتعاطفة مع الانتفاضة الفلسطينية بعد أن كان معروفا بكونه منصة ترفيه ورقص فقط.

هكذا بات يُتاح لحوالي 700 مليون مستخدم شهريًا للتطبيق من جميع أنحاء العالم، أن يشاهدوا كل ما يتعلق بالداخل الفلسطيني والانتهاكات الإسرائيلية. كما أن السياسة الصينية الرسمية جاءت متسقة مع التيار المعاكس دائما لسياسة واشنطن، وهو ما يمكنها من كسب جمهور عربي أو غربي عريض مناصر للقضضية الفلسطينية.

وزير الخارجية الصيني تحدث قبل يومين عن أن السبب الجذري لتدهور الوضع هو غياب حل عادل للقضية الفلسطينية منذ فترة طويلة. وأضاف “على مجلس أن يتكلم بصوت واحد من أجل وقف فوري لإطلاق النار في غزة”.

تواطؤ “جوجل”

والشركة الأمريكية “جوجل” غير بعيدة عن سياسة شقيقتها “فيسبوك”، حيث تظهر دولة فلسطين على الخريطة تحت اسم “إسرائيل”، فضلاً عن أن صور المدن الفلسطينية تظهر علىGoogle Earth  كصور منخفضة الدقة للأقمار الصناعية، رغم توافر صور عالية الجودة من شركات الأقمار الصناعية.

وعندما تتبع محللون ومختصون صور خاصية جوجل للخرائط لمعرفة آثار الدمار الذي خلفه الاحتلال الإسرائيلي على غزة، ظهرت صور ضبابية لا توضح المعالم، وبالكاد يمكن رؤية السيارات في الشارع.

قارن المتتبعون صورًا على الموقع لمدن أخرى حول العالم، ورأوا معالم دقيقة لكل شيء، بما فيها الأفراد داخل سياراتهم. لذلك اعتبر مهتمون هذا الإجراء من جوجل تواطئًا في التطهير العرقي الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.

إزاء ذلك، طالب مستخدمون أيضًا بحملة تقييمات لـ”جوجل مابس” على غرار “فيسبوك”، كما أن الأول يخضع لتقييم من 13 مليون مستخدم فقط، وهو ما يجعل مهمة تراجع التقييمات أسهل من معركة “فيسبوك”.

https://twitter.com/farah_emad21/status/1394929073395322882?s=20

 

“فيسبوك” تعتذر وتتعهد بالتصحيح

التفاعل آنف الذكر مع حملة مواجهة “فيسبوك” أسفر عن تقديم الشركة اعتذارًا رسميًا لدولة فلسطين، عن تقاعسها إزاء المسؤولية القانونية والأخلاقية لحق الشعب الفلسطيني في التعبير عن الاضطهاد الذي يتعرض له.

الاعتذار الرسمي تسلّمه سفير فلسطين لدى المملكة المتحدة، حسام زملط، موقعة من إدارة “فيسبوك”. وقالت الشركة إنها ستنظر في حملات التحريض على العنف ضد الفلسطينيين في إسرائيل.

هذا الرد جاء على خلفية رسالة احتجاج قدمها السفير زملط، يحذر فيها “فيسبوك” من استمرار تحيزهم الواضح لإسرائيل على حساب الفلسطينيين. كما طالبهم وطالبهم بـ”إصلاح التحيز الواضح وبشكل فوري”. ونشر السفير الفلسطيني عدة رسائل توضح سياسة التعتيم التي تمارسها “فيسبوك” على معاناة الشعب الفلسطيني تحت حجة “مواد مؤذية” harmful content.

الشركة قالت في رسالتها إنها تعتذر لما جاء في شكوى دولة فلسطين، حول موقفها من العدوان الإسرائيلي على غزة، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الفلسطينية (معا). وأوضحت “فيسبوك” أنها ستنظر في حملات التحريض على العنف ضد الفلسطينيين، من أعلى الهرم السياسي، خصوصاً رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، على منصاتها.

وأقرّت الشركة بأخطائها إزاء التعامل مع المستخدمي الفلسطينيين، وحذف منشورات وإغلاق حسابات بسبب استخدام كلمات مثل الأقصى المبارك. وقالت إنها ستتوقف عن مساعي إسكات الصوت الفلسطيني ومناصري القضية الفلسطينية، وحذف منشورات وإغلاق حسابات لساسة دولة الاحتلال، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وسياسة “فيسبوك” بشأن التحريض على العنف، تنص على عدم نشر أي تعليق يستهدف شخص أو مجموعة من الأشخاص باستثناء من تم ارتكب جرائم عنف أو جرائم جنسية. ويتم حظر أي خطاب عنيف أو كلام غير إنساني في شكل مقارنات أو تعميمات أو بيانات سلوكية غير مشروطة في شكل مكتوب أو مرئي.