“أنا مش عاوز فلوس.. أنا عايز حب الناس” كلمات عبر بها الكوميديان سمير غانم، 1937-2021، عن رغباته في حياة أرداها مليئة بالضحك، فالضحك عند غانم غاية ووسيلة، بل يمكن القول إنه صاحب فلسفة اللا فلسفة، الضحك للضحك، والرغبة في إمتاع الجمهور دون الغوص في أي شوائب أخرى، عاش للضحك ومات للضحك.

برحيل غانم، عصر اليوم، عن عمر يناهز 84 عاما، يفقد ثلاثي أضواء المسرح ضلعه الأخير بعد رحيل الضيف أحمد وجورج سيدهم، وتفقد الشاشة أحد صناع بهجتها.

كان الراحل سمير غانم صاحب مدرسة كوميدية مستقلة بذاتها لم تشبه أحد ولم يأت بعده من يستطع أن يقوم بتقليده، وليس الدخول لذات المدرسة، اعتمد على الضحك بطريقة السهل الممتنع والأفيه الذي يجبرك على أن تستلم له عن طيب خاطر.

ثلاث أضواء المسرح.. مع السلامة آنستونا

“أن تطوع الأدوات لرغبتك”

تاريخ طويل من الانتقال بين السينما والمسرح والإذاعة والتيلفزيون، ووسط كل هولاء منذ بدايته في فرقة ثلاثي أضواء المسرح وحتى وفاته، ذو خط منفرد في رسم الكوميديا وسحبها إلى جهته بحرفنه، مستخدمًا في ذلك التمثيل والغناء والرقص الذي تميز به وحركات جسده التي تناقلتها الأجيال عبر وسائل التواصل الحديثة، فلن ينسى أي منا مشاهده في الأفلام التي شارك بها أضواء المسرح وطريقة الرقص التي استخدمها جيدًا وتميز بها، أو رقصاته أمام سعاد حسني في “أميرة حبي أنا”، وغيرها من أعمال.

أما في جانب آخر، فكانت الملابس أحد الأدوات الهامة التي وضع سمير غانم نفسه بها في مكانة مختلفة، فهو صاحب “اللوك المتميز” المستحيل أن تراه مصاحبًا لشخص آخر، سواء كان ذلك في الحياة الشخصية الفنية، فكان دائمًا جاذبًا للنظر دون حتى أن يتحدث.

أما على مستوى الأعمال فكانت هذه الملابس التي جاء أغلبها خارج الإطار المتعارف عليه، فطوعها كأحد الأدوات الهامة التي تساعده في “فرش الأفيه”، وإضحاك الجمهور وهذا ما ظهر جليًا على المسرح وعلى سبيل المثال ما رآه الجمهور في “المتزوجون” و”جحا يحكم المدينة”.

رجل المسرح الأول.. الثاني في السينما

مع تقديم الراحل سمير غانم 310 عمل فني أغلبهم جاء بين السينما والمسرح، حقق معادلة غريبة نوعًا ما، خلال هذا التاريخ الطويل، وهي أنه قائد فرقة مسرحية، متحكم في زمام أمورها، وصاحب إيرادات قوية في شباك إيرادات المسرح، واستطاع أن ينصع تاريخا حافلا من الأعمال المسرحية الناجحة.

كان سمير غانم حالة منفردة جدًا على المسرح، فبالإضافة إلى استخدامه إلى كل الأدوات المتاحة للإضحاك، كما ذكرنا من قبل، إلى أنه استطاع أن يجعل الجمهور رفيقًا له على المسرح ومن أكبر الدلائل على ذلك أغنيته الشهيرة في مسرحية “المتزوجون”.

https://www.youtube.com/watch?v=L7efbtQ5KN0

ولكن على النقيض تمامًا في عالم السينما، التي لم يلق عليه أن يكون رجلها الأول، فمع قيامه بتقديم عددا من البطولات المطلقة مثل فيلم “حادي بادي” و”محطة الأنس”، و”إحنا بتوع الإسعاف” و”المشاغبون في الجيش وغيرها”، إلا أنها لم تحقق النجاح المرجو منها رغم الكوميديا التي قدمها بها سمير غانم.

يرجع عدم نجاح بعض الأفلام التي تصدر بطولتها إلى ضعفها وهو ما اعترف به الراحل، أن سبب موافقته على بعض الأفلام جاء لأسباب مادية بحتة، كونها “أفلام مقاولات”، بل بات سمير رغم كبر سنه ينتظر أن يقدم أدوارا مثالية في السينما.

أما في أدوار الرجل الثاني ستجد أن سمير غانم متفرد ومتألق وفي كثير من الأحيان قادرًا على خطف الشاشة من رب العمل بكل سهولة ويسر حتى بمجرد ظهوره على الشاشة وليس بأفيه من أفيهاته.

وفي هذا الصدد، قال الناقد عمرو شاهين، إن الراحل سمير غانم كان صاحب موهبة جامحة لا يمكن السيطرة عليها على المسرح، كما أنه استخدم كل ما هو متاح لديه من موهبة حتى يستطيع أن يكون الأول على المسرح، فطوع صوته في غناء الأفيه، بالإضافة إلى جسده الذي يطوعه لرغباته في الكوميديا أيضًا، فكان سمير غانم هو أداة سمير غانم للضحك، فكل ما سيتخدمه يسخره لإضحاك الجمهور.

وأضاف شاهين”في تصريح خاص، أما في جانب السينما فإن سمير غانم رغم عدم نجاحه في أن يكون البطل الأول سينمائيًا لأسباب متعددة منها اختياره للغرض المالي فقط، إلا أنه كان له حضور طاغ في أي عمل سينمائي يشارك به، وكان أيضًا قادرًا على تحويل الأبطال جواره إلى مساعدين مثل فيلم “يا رب ولد”، و”تجيبها كدا تجيلها كدا هي كدا”،و غيرهما.

شمولية سمير غانم

لم يترك الراحل سمير غانم بابًا فنيًا إلا وطرقه وكان من هذه الأبواب، الفوازير، وهي “حكايات فطوطة”، التي قادت المرح في رمضان الثمانينات بثلاث مواسم متتالية، والتي تداولتها الأجيال إما فيديو أو عرائس متحركة، لتكون النتيجة أنه لم يغفل جيل “سمورة وفطوطة”.

فطوطة

ومع هذا التركيبة الفنية، ومدرسة السهل الممتنع التي قدمها سمير غانم، يمكن القول إنه صاحب فلسفة اللا فلسفة، الضحك للضحك، والرغبة في إمتاع الجمهور دون الغوص في أي شوائب أخرى، فالمرح خلق للمرح.

“الراحل كان يقدم كوميديا بعيدة عن السياسة و أو القضايا الهامة، كانت كوميديا للكوميديا فقط، فكانت فلسفته الحقيقية فيما يقول ولكن كيف سيقول ذلك” يقول شاهين.

لم يبغ “سمورة” الفلوس بل حب الناس والتباهي به في جولاته، وهو ما حصده في نهاية رحلته المبهجة التي لم يبخل فيها علينا بأي شئ.