كنا مجموعة من الفتيات بعضنا لم تتزوجن بعدُ، وآخريات تزوجَّن بخبرات زمنية مختلفة. حين بدأ الحديث عن الزواج، كانت الفتيات اللواتي لم يتزوجن تتحدثن برومانسية مفرطة، طموحات عن السعادة والمشاركة، أحلام عن تحقيق كل الصور الذهنية المكتسبة من الأفلام الرومانسية. وبينما الأحاديث بلغت لغة الشعر كانت المتزوجات يضحكن ويسخرن من تلك الأحلام، دون أن تشرحن أسباب السخرية، وهو ما عرفن أسبابه فيما بعد بالتجربة.
لا أدري لماذا ظهرت بغتة تلك الجلسة في ذهني وأنا أقرأ مشكلة على إحدى الجروبات على موقع “فيسبوك”، زوج يتحدث عن زوجته يقول إنها على خُلق، وطيبة لكن حول عينيها هالات سوداء، وهذا الأمر يزعجه، ويفكر في الزواج مرة ثانية؛ لأنه يرى أن زوجته “لا تملى عينه”، على حد تعبيره.
النساء في بلادنا عليهن سداد فواتير عِدة، والكثيرات لا يمكن أن نلومهن، وكذلك هن شريكات فيما وصلن إليه
الزوج المنزعج من الهالات السوداء حول عيون الزوجة، هل سيوافق على أن تذهب إلى جرّاح تجميل لعلاج مثل الهالات؟ هل سيتكفل ماديًا بذلك؟ أم أنَّ تكلفة الزواج أيسر عليه؟ النساء في بلادنا عليهن سداد فواتير عِدة، والكثيرات لا يمكن أن نلومهن، وكذلك هن شريكات فيما وصلن إليه.
ما بين المبالغة والتطوَّع
نحن أبناء المبالغات، كبرنا وتربينا على المبالغة، نقول ألف شكر، سعداء جدًا، نبكي حد الانهيار، لا تتوقف مبالغاتنا عند المشاعر والكلمات، ولكنها تمتد بقوة نحو الفعل. ترتبط الفتاة فتهتم كل الاهتمام بزينتها ومظهرها، مكياج كامل، ملابس متأنقة. وفى بداية الزواج تستمر المبالغات المتبادلة من الطرفين؛ ولأن المبالغة هي لحظة وليست حالاً دائمًا، تسقط بعد فترة. ربما يُصيبنا التعب، وقد يكون الملل، أو الإحساس باللاجدوى، بعد أن وصل الطرفان للهدف وهو الزواج.
مع كل المسئوليات قد لا تجد بعض النساء وقتًا للاهتمام بنفسها، مظهرها، وجمالها واكتشاف أو تنمية أنوثتها، ثم تجد بعض النساء يندبن حظهن
وكما كانت المبالغة في التأنُّق والاعتناء بالنفس وبالشريك، يأتي الإهمال متتابعًا. تبدأ المرأة في التطوع للقيام بأدوار عديدة، ليست ثمة اتفاقات خاصة بتنظيم الحياة الزوجية. تأخذ بعض النساء على عاتقها إيجاد المبررات لشريكها، أصله تعبان، معندوش وقت، الرجالة ما تروحش السوق، أنا أنجز؛ تلك التبريرات تخلع المسئوليات عن الزوج، والتي تتراكم مع الوقت على عاتق المرأة/الزوجة؛ فتصبح مسئولة عن تدبير البيت، ومتابعة أغلب إن لم يكن كل ما يخص الأبناء (تعليم – صحة – طعام)، بالإضافة إلى عملها، وبالطبع مع كل المسئوليات قد لا تجد بعض النساء وقتًا للاهتمام بنفسها، مظهرها، وجمالها واكتشاف أو تنمية أنوثتها، ثم تجد بعض النساء يندبن حظهن، وأن الواحدة شايلة جوزها في كل حاجة وبعدين راح عرف واحدة أو اتجوز عليها.
العلاقات بكافة أشكالها هي شركة، لو أننا فكرنا في شركة مسئول عنها اثنان، أحدهما يقوم بأغلب المسئوليات والآخر لا؛ سنجد أن هذا النموذج من الشركات لا يستمر لفترة طويلة، فلابد أن يكون هناك تحديد واضح للمسئوليات والأدوار، وهو ما لا يفعله الكثيرون في الزواج.
كثير من النساء مهووسات بالمبالغة، تبالغ في الفعل ورد الفعل، ولأننا كنساء لا تحمينا مظلة قانونية واجتماعية تضمن لنا حقوقًا واضحة، فينتهي الأمر بالكثيرات إلى منطقة الطلاق التي باتت تحصد أعدادًا وفيرة.
النساء يتحملنا فواتير المجتمع طيلة الوقت، وحين تتحرك بعضهن للدفاع عن حقٍ، أو مكتسب لصالح النساء، تجد بعضهن يخرجن ليُشككن في النوايا، وينكرن ما تفعله الأخريات
للأسف إن النساء يتحملنا فواتير المجتمع طيلة الوقت، وحين تتحرك بعضهن للدفاع عن حقٍ، أو مكتسب لصالح النساء، تجد بعضهن يخرجن ليُشككن في النوايا، وينكرن ما تفعله الأخريات. نحن فقط لا نتحمل فواتير الرجال، نحن نتحمل أيضًا فواتير النساء اللواتي قررن الدفاع عن الرجل في المطلق.
الزوج الذي يشكو وجود هالات سوداء حول عيون زوجته، ويجد في ذلك مبررًا للتفكير بالزواج بأخرى، قد يكون أكثر شجاعة من غيره أن يعبر عن مشكلته ويحددها، تلك المشكلة التي يراها بعضنا تفاهة وسطحية، وبدون أحكام على الزوج أو الزوجة، لكن ربما تكون تلك الواقعة ناقوس يدق لتنتبه السيدات أن التطوع بأعمال والإفراط في القيام بواجبات ومسئوليات على حساب النفس والمساحة الشخصية، هي أمور في أغلب الوقت لا يتم تقديرها، فاعتياد العطاء يُفقده قيمته.
اعلمي يا عزيزتي أن المبالغة في أي شيء ستأتي بنتائج سيئة، كما أن التطوع في المطلق سيحملك أعباء لن تجدي تقديرًا لها مما يُشعرك بالحزن والإحباط، حتى تنجح علاقتك عليك ان تحبي نفسك، تخصصى لنفسك وقتًا تعتني فيه بروحك ومظهرك وعقلك، لا تنتظري أن يمنحكي الشريك مساحة لشخصك، فإن لم تعتني أنت بنفسكِ لن تجدى ذلك من شخص آخر، بل أنك ستدفعين الثمن، الحياة ليست عادلة فلا تُشاركي في دفع فواتير إضافية.