مرر مجلس الشيوخ الأمريكي قرارًا يدعو القوات الإرتيرية إلى مغادرة إقليم تيجراي، وإجراء تحقيقات مستقلة عن الفظائع التي ارتكبت هناك. جاء ذلك بعدما أصبح الوجود الإريتري ليس سرًا في الإقليم الإثيوبي. وفي ظل تقارير متواترة عن انتهاكات حقوقية واسعة ترتكبها أسمرة وأديس أبابا.
القرار رقم 97 يمكن اعتباره رسمًا واضحًا لخطوط سياسة واشنطن الجديدة تجاه إثيوبيا وإريتريا، في أعقاب موقف متغيِّر تجاه تحالف الدولتين بشكل عام في القرن الأفريقي. والتعاون القائم في إقليم تيجراي بشكل خاص، في ظل عهد الإدارة الجديدة بقيادة جو بايدن.
تقرير “سي إن إن”
وطالب القرار الأمريكي بمحاسبة المتورطين في فظائع إنسانية كشفتها شبكة “سي إن إن”، بأن جنودًا إريتريين عبروا الحدود إلى تيجراي. وهناك ارتكبوا عمليات قتل خارج القانون، إلى جانب عنف جنسي وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان.
وشاهد فريق الشبكة، الذي سافر عبر تيغراي في أواخر أبريل الماضي، جنودًا إريتريين، بعضهم متنكر في زيٍّ عسكري إثيوبي قديم. ويمنع الجنود المساعدات للسكان الذين يتضورون جوعاً بعد أكثر من شهر من تعهد رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد للمجتمع الدولي بمغادرة قوات أسمرة الإقليم.
وأطلق آبي أحمد حملة عسكرية في نوفمبر من العام الماضي، على خلفية الصراع مع الجبهة الشعبية الحاكمة في إقليم تيغراي. وأفضت الأزمة إلى عدم اعتراف كل منهما بشرعية الآخر، وأدَّت ضربة عسكرية وجَّهتها الجبهة إلى القيادة العسكرية الشمالية إلى انطلاق العمليات العسكرية، بحسب الرواية الرسمية.
وطالما نفى آبي أحمد الوجود الإريتري في تيجراي، ولكن لاحقًا أقرَّ بوجودها مع تعهد بإخراجها من البلاد. وهو ما لم يحدث حتى الآن، بحسب تقارير مختلفة.
ملامح التغير الأمريكي
ومع قدوم جو بايدن إلى السلطة، بدت مواقف الإدارة الأمريكية متغيّرة عن عهد سابقه دونالد ترامب بشأن القرن الأفريقي. وتتمثل في انفتاح واهتمام متزايد بمنطقة القرن الأفريقي، وأمنها لاعتبارات تأثيرها المناطقي عالميًا.
في عهد ترامب، أثنى وزير خارجيته مايك بومبيو، على عدم رد أسمرة على هجمات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الصاروخية. بيد أن الموقف تحوَّل مع طول أمد الحرب إلى مطالبة فاترة بسحب القوات الإريترية من إثيوبيا.
بيان الخارجية
يظهر هذا التغيُّر من البيان الأول للخارجية الأمريكية، في يناير الماضي، وطالب بانسحاب فوري للقوات الإريترية من تيغراي الإثيوبية. ولفت إلى الانتهاكات التي شملت العنف الجنسي وأعمال النهب.
اتضح الموقف الأمريكي الجديد بالمطالبة بانسحاب قوات أمهرة الإقليمية من تيغراي، وكذلك محاسبة المسؤولين عن خروقات حقوق الإنسان.
صعَّدت واشنطن مطالباتها عبر الدفع لإقامة تحقيق دولي في جلسة مغلقة بمجلس الأمن، ولكن المحور الصيني، الروسي أفشل المسعى .
كما أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن اعتبر أن ما يحدث في تيجراي “تطهيرًا عرقيًا”. وطالب بتحقيق مستقل وإجراء عملية مصالحة تُمكِّن البلاد من المضي قدمًا سياسيًّا.
تقرير سري
ورغم الدعم الأمريكي لدكتاتور إريتريا سابقًا، نشرت واشنطن تقريرًا سريًا، فبراير الماضي، يكشف انتهاكات ضخمة ترتكبها أسمرة بحق سكان الإقليم.
وبشكل يعكس القلق الأمريكي من التحالف الإثيوبي الإرتيري، كشف تقرير حكومي أمريكي عن تطهير عرقي تمارسه حكومة آبي أحمد الاتحادية في إقليم تيجراي. وأشار التقرير إلى عديد من الانتهاكات والجرائم التي يتعرض لها سكان الإقليم من المدنيين.
وأكد التقرير، الذي حصلت عليه صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن المسؤولين الإثيوبيين ومقاتلي المليشيات المتحالفة معها تقود حملة لتطهير عرقي منهجي في تيجراي.
اقرأ أيضًا:
العلاقات الإثيوبية الإريترية.. مطامع مُغلَّفة بالمصالح
وأشار إلى أن المقاتلين والمسؤولين من إقليم أمهرة الإثيوبي، دخلوا “تيجراي” بدعم آبي أحمد. ويقومون “عمدًا بتغيير الإقليم المتجانس عرقيًا عبر الاستخدام (الممنهج) للقوة والترهيب”، وأن قرى بأكلمها تعرضت لدمار أو مُحيت تمامًا .
ووثق التقرير الأمريكي الأوضاع في غرب تيجراي، وهي منطقة تخضع إلى حد كبير لسيطرة مليشيات الأمهرة. وأشار إلى ما يصفه بـ”حملة واضحة” لطرد سكان تيجراي العرقيين تحت غطاء الحرب. وهم يشكلون ما يعادل 6% من سكان إثيوبيا، كما كانوا حكام البلاد لأكثر من ثلاث عقود .
كما كشف التقرير عن تعرض عدة مدن تيجرانية للهجوم ونهب وحرق منازلها. وأكد أن البعض هرب إلى الأدغال، وآخرون عبروا الحدود مع السودان بشكل غير شرعي. في حين ظل البعض محاصرًا ومرغمًا على النزوح إلى مناطق أخرى من إقليم التيجراي
تقرير العفو الدولية
وذكر تقرير آخر نشرته منظمة العفو الدولية أن جنودًا من إريتريا قاموا- على نحو منهجي- بقتل مئات المدنيين التيجراي في مدينة أكسوم القديمة. وذلك على مدار 10 أيام في شهر نوفمبر، حيث قاموا بقتل بعضهم في الشوراع رميًا بالرصاص.
في المقابل، طالما صرح آبي أحمد بأنه على استعداد للتعاون في تحقيق دولي بشأن “الفظائع” في إقليم تيجراي. وقال :”الحكومة تكرر تعهدها بتمكين إقليم يعمه السلام والاستقرار”، كما كرر تعهد بمغادرة المقاتلين الارتريين للإقليم.
ويمثل الاستقرار في التيجراي هدفًا أمريكيًا، في محاولة للسيطرة على المنطقة. في ظل تنافس متزايد لأقطاب دولية أخرى تهدف إلى مقاسمة واشنطن غنائم القرن الأفريقي، خاصة الجانبين الصيني، والروسي.
آبي أحمد في أحضان أريتريا
وتمثل المشاركة الإرترية في حرب الإقليم سياسة الأخذ بالثأر، بالنظر إلى العداوات القديمة للجبهة الشعبية مع أساسي. كما أنها تمثل خطوة تاريخية في اختراق السياسة الإثيوبية، التي طالما اعتبرت أسمرة الحلم في وجود منفذ بحري، وإعادة المجد الامبريالي للبلاد.
ويمثل تصفية الجبهة الشعبية لإقليم التيجراي هدفًا قديمًا لإريتريا؛ حيث دارت الحرب بين أفورقي والتيجراي بسبب إقليم بادمي. ورفض الجانب الإثيوبي تنفيذ قرار المحكمة الدولية بإعادة المنطقة إلى السيطرة الإريترية عقب حرب 1998-2000 بين الطرفين.
صفقة مجانية
قدّم آبي أحمد الذي يعاني أزمات داخلية معقدة، الصفقة لأسمرة على طبق من ذهب. وتنوع أصله العرقي بين الأمهرية والأورموية لم يساعد رئيس الحكومة الإثيوبية على استيعاب الأزمات. وذلك نتيجة مخالفة تعهداته للقبائل الأورمية التي ساندته في بداية حكمه، وكانت تعرضت للتهميش لوقت طويل خلال حكم التيجراي.
اقرأ أيضًا:
“تقسيم تيجراي” و”ديكتاتور إريتريا”.. ورقة آبي أحمد لاستمالة السلطة في إثيوبيا
زاد الأمر تفاقمًا بمغادرة التيغراي الحكم في أعقاب وفاة ميليس زيناوي، وانقلابهم على آبي أحمد، واشتعال الأزمة بأكثر من جبهة.
ونتيجة الحصار الذي يتعرض الحاكم الشاب داخليًا هرول إلى جارته الإرترية، متجاوزًا تاريخ العلاقات الإثيوبية الإريترية الملئ بالصراعات المسلحة منها، والسياسية.
وكذلك، فقد مثَّل الاختلاف حول تبعية بعض المناطق، وكيفية إدارة الدولة بين المركزية التي يتبناها الأمهرة والفيدرالية الإثنية التي ابتدعتها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، عاملاً رئيسيًّا في العداوة بينهما، بجانب التنافس التاريخي بين العرقيتين على حكم إثيوبيا.