في تصعيد أمريكي جديد ضد أديس أبابا وممارسات رئيس وزراءها آبي أحمد، كشفت مجلة “فورين بوليسي” أن إدارة الرئيس جو بايدن تخطط لاستهداف المسئولين الإثيوبيين و الإريتريين بفرض قيود على التأشيرات على خلفية الحرب في إقليم تيجراي.

 واعتبرت الصحيفة أن خطوة واشنطن الجديدة هي جزء من حملة دبلوماسية ضد حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بسبب الفظائع التي ارتكبت في صراع إقليم تيجراى في البلاد، وفقًا لما صرح به مسئولون أمريكيون ومساعدون في الكونجرس مطلعون على الأمر لمجلة فورين بوليسي.

كما بينت المجلة أن قيود التأشيرات تمثل نقطة تحول محتملة في العلاقات الأمريكية الإثيوبية، التي تدهورت بشكل مطرد منذ اندلاع الصراع في منطقة تيجراي الشمالية من البلاد في نوفمبر الماضي.

 وأثار الصراع تقارير واسعة النطاق عن الفظائع والعنف الجماعي المحتمل على أسس عرقية، وجرائم الحرب التي ارتكبتها القوات في إثيوبيا وإريتريا المجاورة ضد السكان المدنيين، وفقا للمجلة.

وأطلق آبي أحمد حملة عسكرية في نوفمبر من العام الماضي، على خلفية الصراع مع الجبهة الشعبية الحاكمة في إقليم تيجراي. وأفضت الأزمة إلى عدم اعتراف كل منهما بشرعية الآخر، وأدَّت ضربة عسكرية وجَّهتها الجبهة إلى القيادة العسكرية الشمالية إلى انطلاق العمليات العسكرية، بحسب الرواية الرسمية.

كما أوضحت “فورين بوليسي” أن إدارة بايدن أصبحت محبطة بشكل متزايد من استجابة آبي احمد للأزمة بعد شهور من المحادثات الدبلوماسية رفيعة المستوى.

 واعتبرت أن قيود التأشيرات ينظر لها على أنها أشبه بالعقاب، مما يشير إلى تزايد إحباط الولايات المتحدة من آبي بسبب تعامله مع الصراع وفشله في معالجة المخاوف الدولية المتزايدة بشأن الأزمة الإنسانية التي تلت ذلك.

اقرأ أيضا:

العلاقات الإثيوبية الإريترية.. مطامع مُغلَّفة بالمصالح

 

زيادة الضغط الأمريكي على آبي أحمد

 ولا يقف الأمر عند ذلك، فوفقا لمسؤولين ومساعدين في الكونجرس مطلعون على الأمر، فإن إدارة بايدن تخطط لزيادة الضغط على آبي أحمد بطرق أخرى، بما في ذلك وقف تمويل المساعدة الأمنية الأمريكية لإثيوبيا واستهداف برامج البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في البلاد.

 وأضاف المسؤولون أن هناك مناقشات جارية حول احتمال فرض عقوبات على المسؤولين الإثيوبيين أو الإريتريين المتواطئين في فظائع تيجراي، لكن لم يتم اتخاذ قرارات نهائية.

ومنذ تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن لمنصبه، ووصول الديمقراطيين للحكم، تغيرت سياسات واشنطن تجاه إثيوبيا بشكل لافت، فلم تعد تبارك خطواتها كما كان الحال من قبل خاصة في عهد دونالد ترامب، وفي اليومين الماضيين مرر مجلس الشيوخ الأمريكي القرار رقم 97، الذي يدعو القوات الإرتيرية إلى مغادرة إقليم تيجراي، وإجراء تحقيقات مستقلة عن الفظائع التي ارتكبت هناك.

وفي عهد ترامب، أثنى وزير خارجيته مايك بومبيو، على عدم رد أسمرة على هجمات الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي الصاروخية. بيد أن الموقف تحوَّل مع طول أمد الحرب إلى مطالبة فاترة بسحب القوات الإريترية من إثيوبيا.

آبي أحمد

وفي مارس الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن قررت استمرار تعليق المساعدات لإثيوبيا في برامج قطاع الأمن، بعد وصف الوزير أنتوني بلينكن الأعمال في إقليم تيغراي بأنها “تطهير عرقي”.

وقال المتحدث باسم الوزارة نيد برايس إنه “في حين قررت الولايات المتحدة استئناف أنواع معينة من المساعدات، بما في ذلك المتعلقة بالصحة العالمية والأمن الغذائي، ستظل المساعدات للبرامج الأخرى ومعظم البرامج في قطاع الأمن متوقفة مؤقتا”.

كما سبق ودعا وزير الخارجية الأمريكي، الاتحاد الإفريقي وشركاء دوليين آخرين إلى المساعدة لمواجهة أزمة تيجراي شمالي إثيوبيا، مدينة الفظائع التي تشير التقارير إلى ارتكابها هناك، مشيرا في بيان عنه إلى “خيبة أمل متزايدة إزاء تعامل إثيوبيا وإريتريا المجاورة مع أزمة إنسانية آخذة في التفاقم”.

ويمثل الاستقرار في التيجراي هدفًا أمريكيًا، في محاولة للسيطرة على المنطقة. في ظل تنافس متزايد لأقطاب دولية أخرى تهدف إلى مقاسمة واشنطن غنائم القرن الأفريقي، خاصة الجانبين الصيني، والروسي.

تقارير حقوقية منددة بالممارسات الأثيوبية

ساعد الولايات المتحدة في نهجها الجديد مع الحليف الإثيوبي تقارير حقوقية صادرة عن عدد من الجهات الحقوقية الدولية تشير إلى حجم مخيف من الانتهاكات، إذ قالت منظمة العفو الدولية في تقرير سابق، إن القوات الإريترية قتلت مئات المدنيين العزل في مذبحة وقعت خلال الصراع في منطقة تيجراي، التي قد ترقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية.

فيما أكدت المنظمة أن العنف بدأ بعد أن استولت القوات الإريتيرية على مدينة أكسوم في “هجوم واسع النطاق، مما أسفر عن مقتل وتشريد المدنيين بقصف وإطلاق نار عشوائي” في 19 نوفمبر، وبالتزامن مع عيد ديني كبير.

العنف في تيجراي وراء تدخل أمريكا على خط الأزمة

وقال شهود عيان ولاجئون للمنظمة إنه كان هناك “مداهمات من منزل لمنزل” و”إعدامات خارج نطاق القضاء وقصف عشوائي ونهب واسع النطاق”، قائلين إنه بعد المذبحة المزعومة “أطلق جنود إريتريون النار على كل من حاول نقل جثث القتلى”.

في المقابل، تؤكد وزارة الخارجية الإثيوبية أن الحرب في تيجراي مسألة داخلية، كما أنها اعتادت انكار مشاركة القوات الإرتيرية حربها، حتى اضطرت للاعتراف بالأمر بعد عدد من التقارير والمشاهدات.

ويمثل تصفية الجبهة الشعبية لإقليم التيجراي هدفًا قديمًا لإريتريا؛ حيث دارت الحرب بين أفورقي والتيجراي بسبب إقليم بادمي، ورفض الجانب الإثيوبي تنفيذ قرار المحكمة الدولية بإعادة المنطقة إلى السيطرة الإريترية عقب حرب 1998-2000 بين الطرفين، وعقدين لاحقين من عدم الاستقرار بين البلدين حتى مجئ أبي أحمد.

أزمات آبي أحمد الداخلية والتحالف الإريتري

أما رئيس الوزراء الإثيوبي الشاب فيعاني من أزمات داخلية معقدة، اضطر معها للاستعانة بالعدو القديم لبلاده أسياس أفورقي، حيث يواجه أزمته مع التيجراي الحكام الأقدم للبلاد، إلى جانب أزماته مع عرقية الأورومو التي ينتمي لها جزئيا، بعد أن تخلى عن وعوده لهم بالدعم.

وينتمي آبي أحمد إلى قومية الأورومو المسلمة من ناحية الأب والتي تعاني التهميش منذ عهد التيجراي، والأمهرة من ناحية الأم والأخيرة، وإن كانت تعمل على دعمه عسكريا، إلا أنها تبدو أكثر قدرة على فرض سياساتها.

وتتشكل إثيوبيا من عدد من القوميات والأقاليم يتمتع كل منها بما يشبه الحكم الذاتي، تحت مظلة الحكومة الفيدرالية ومقرها أديس أبابا العاصمة، وهذه القوميات أو الأعراق تتوزع ما بين  قومية الأورومو وتمثل 34.4% من السكان، وقومية الأمهرية وتمثل 27% والقومية الصومالية وتمثل 6.2% وقومية التيغراي وتمثل 6.1% وقومية السيداما وتمثل 4% وقومية الجوراج وتمثل 2.5%.