“قراءة في الدلالات الاستراتيجية لانتفاضة الأقصى” هو العنوان الذي اختاره موقعنا “مصر 360” لمناقشة تطورات الأوضاع في فلسطين، على خلفية انتفاضة أحياء القدس وما تلاها من أحداث دموية في قطاع غزة والضفة الغربية، من خلال ندوة أون لاين بحضور مجموعة من الكتاب والسياسيين المعروفين.
عقدت الندوة بحضور كل من الدكتور حسن نافعة أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، والكاتب الصحفي هشام جعفر،، إلى جانب الصحفي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية سعيد عكاشة، ومن فلسطيني الداخل المحامي يامن زيدان، فيما أدار الحوار الصحفي والسياسي المصري خالد داوود.
وكانت أحداث القدس الأخيرة قد انتهت بوقف إطلاق النار والاعتداء الصهيوني على قطاع غزة بعد 11 يوما من العدوان، وسقوط أكثر من 280 شهيدا فلسطينيا، وكذلك خسائر مادية لم تحص بدقة حتى الآن، وفي المقابل قدرت خسائر جيش الاحتلال بالملايين.
ومنذ بداية شهر رمضان، يحتج الشبان الفلسطينيون على منعهم من الجلوس على مدرج “باب العامود”، ما فجّر مواجهات عنيفة مع شرطة الاحتلال، كما شهد حيّ “الشيخ جراح” من قبلها، مواجهات بين قوات الاحتلال وسكان الحي الفلسطينيين.
ويحتج الفلسطينيون في الحي على قرارات صدرت عن محاكم الاحتلال بإجلاء عائلات فلسطينية من المنازل التي يقيمون بها منذ عام 1956، لصالح جمعيات استيطانية تزعم أن المنازل أقيمت على أرض كانت مملوكة ليهود قبل عام 1948.
وامتدت الانتفاضة إلى قطاع غزة حيث أطلقت الفصائل الفلسطينية نحو 3500 صاروخ من قطاع غزة تجاه قوات الاحتلال، بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، كما ذكرت الصحيفة أن أكثر من 4 آلاف صهيوني تقدموا حتى الآن ببلاغات عن أضرار كبيرة لحقت بالمنازل والشقق والسيارات والأثاث المنزلي وغيرها من الممتلكات جراء إطلاق الصواريخ، كما أسفرت الضربات عن مقتل 12 شخصا تابعا للاحتلال وإصابة العشرات بجروح.
ملامح جديدة فرضتها انتفاضة الأقصى
الانتفاضة ليست الأولى بطبيعة الحال ولكنها تميزت بتوحد كافة الفصائل داخل وخارج الخط، وفي أراضي 48، وهو التغير الذي يرى فيه دكتور الاقتصاد والعلوم السياسية حسن نافعة عاملا مهما يجب استغلاله مستقبلا، قائلا “أثبتت الأحداث أننا أمام مواجهة مختلفة تماما عن كل الجولات السابقة، أدخلت بدورها متغيرات جديدة من شأنها تغيير المعادلة برمتها، والتي يأتي على رأسها مقاومة مسلحة على الرغم من تواضع إمكانياتها أظهرت صمودا غير مسبوق”.
وأشار إلى أن وحدة الشعب الفلسطيني داخل الخط وخارجه التي تجاوزت كافة الخلافات السياسية، وعزفت معزوفة سياسية حقيقية أثبتت فيها أننا أمام شعب لا ينكسر رغم كل الضغوط، فالجميع يتحدث لغة واحدة.
وقال نافعة “نحن أمام شعب مُصر على تحقيق أهدافه المتمثلة في إنهاء الاحتلال والمطالب التقليدية القديمة بما فيها عودة اللاجئين، وكذلك المطلب الملح والمتمثل في كسر الأبارتهيد داخل الخط”.
واعتبر نافعة أن أي تسوية قادمة تشترط إنهاء عنصرية الاحتلال بالنسبة لفلسطيني الداخل كمطلب أساسي.
سقوط صفقة القرن وثنائية المقاومة
ومرورا على واقع ما قبل الانتفاضة، أكد نافعة أن المعطيات الجديدة أسقطت ماسمي بصفقة القرن، فلم يعد هناك أي إمكانية لتحقيق أهدافها التي تتجاهل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني بشكل واضح، مشيرا في الوقت نفسه إلى أهمية المقاومة المسلحة التي ساهمت في طي صفحة مثل هذه الاتفاقيات الظالمة.
وحول ثنائية المقاومة السلمية والمسلحة، اعتبر هشام جعفر أن ملامح الانتفاضة الأخيرة نجحت في تجاوز تلك الثنائيات، كما هو حال سردية الربيع منذ البدء في الجمع بين الصياغات القديم، والجديد أصبح السمة الغالبة.
ولفت جعفر إلى تجاوز الأحداث الإغراق في التنظير الذي اعتاد عليه المحللون العرب، فالواقع على الأرض سبق أي نوع من التنظير، فلم يعد هناك تعارض بين السلمي والمسلح، في حين أصبح الجمع بينهما نوعا من التكامل، والتعاضد وعندها غابت الثنائيات.
الصحفي بالأهرام سعيد عكاشة من جانبه تبنى رأيا مخالفا حيث اعتبر أن هذه الجولة من الانتفاضة لا تختلف عن سابقيها، وأن مشاركة فلسطيني الداخل ليست الأولى من نوعها، وأن النصر كان يمكن أن يكون قريبا لولا تدخل المقاومة المسلحة المتمثلة في حماس.
حسابات النصر والخسارة خلال الانتفاضة الأخيرة
وحول حسابات النصر والخسارة، اعتبر عكاشة أن الهزيمة كانت من نصيب الفلسطينيين نظرا لعدم تحقيق حماس أهدافها في إنقاذ أراض وسكان الداخل، كما عدد الخسائر المادية والبشرية، معتبرا أن خطاب النصر مجرد دعاية من جانب حماس.
عكاشة اعتبر أيضا أن تدخل “حماس” يخدم اليمين الاسرائيلي أكثر من أي هدف آخر حيث منحها حق الدفاع عن نفسها وكذلك مزيد من التأييد الشعبي الداخلي لسياستها، ومع ذلك فهو ضد صفقة القرن باعتبار أنها لم تمنح السيادة للفلسطينيين”، مؤكدا أن حل الدولتين هو الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق.
اقرأ أيضا:
ما جرى في فلسطين.. نظرية المؤامرة أم استقلال القرار وتصارع الإرادات؟
وحول المقاومة أيضا يفضل زيدان الفصل بين “حماس” ذات الأهداف السياسية وحماس المقاومة المشروعة التي يحق لها تماما الدفاع عن الأرض، قائلا: “شعبنا تواق للنصر يرحب دائما بأي مظاهر للمقاومة”.
واعتبر زيدان أن ماحدث في غزة نصرا حتى في حسابات الربح والخسارة، والتي لا تقاس بحجم الهدم والقتل رغم وجعها، إذ لا يجب تجاهل خسائر المؤسسة الإسرائيلية الاقتصادية والمعنوية، والتي تشكل أضعاف مضاعفة نسبة للخسائر الفلسطينية، فضلا عن حصارها جوًا وبحرًا وإغلاق مطارها، وهرولة قيادتها للملاجئ خوفًا من صواريخ المقاومة واستنجاد شرطتها بالحركات اليهودية الاستيطانية الإرهابية.
في الوقت نفسه، أكد نافعة مسؤولية الجانب الفلسطيني في استدراك الدروس المستقاة من تلك الانتفاضة، والاستفادة منها، والتي اعتبر أن أهمها عدم الشروع في أي مفاوضات مع الكيان إلا في حال نيل الاعتراف الواضح بالحق في إقامة دولة فلسطينية على أراضي 67، وكذلك ضمان عودة اللاجئين، من قبل كيان الاحتلال، اعتمادا على مكاسب هذه المواجهة.
ولكن نافعة أيضا لفت إلى أهمية الشروع في بدء الانتخابات الفلسطينية، والالتفاف حول سلطة موحدة منتخبة تمثله في تلك المفاوضات، تعبر بدورها عن طموحات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وحل قضاياه العادلة.
الانتفاضة الأخيرة كجزء من سردية الربيع العربي
من جانبه، اعتبر هشام جعفر أن أحداث انتفاضة القدس جزءا من الموجة الثالثة للربيع العربي والتي تقوم على سردية ضرورة تدشين عقد اجتماعي جديد يخالف طبيعة موجات التحرر والاستقلال التي ترجع إلى حقبة الستينات .
وفي رأي هشام تقوم سردية الربيع على مرتكزات ثلاث هم الديمقراطية العدالة الاجتماعية والحرية بما فيها مسألة الاستقلال الوطني، كما ان هذه الموجة سبقها تأييد شعبي كبير من العام 2000 إلى عام 2010 ، إذ تميزت المرحلة بالدعم الشعبي للقضية، والدعم غير المسبوق.
اقرأ أيضا:
“سردية الربيع العربي”.. هشام جعفر يروي واقع ما بعد الانتفاضات
ولكن في العقد الأخير من العام 2011 إلى العام 2020 تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، نتيجة الإنهاك الذي مرت به شعوب الربيع العربي، ومحاولات التآمر عليه، ولكن الأحداث الاخيرة ساهمت في استرداد الاهتمام الجماهيري مرة أخرى.
وكانت أهم النتائج المترتبة على الانتفاضة إلغاء واقع حاول الاحتلال فرضه خلال السنوات الأخيرة اعتمادا على تراجع الاهتمام الجماهيري بالقضية، ساهم في ذلك صيغة مبدعة فرضتها عناصر شابة جديدة، ظهرت في القدس أخيرا وكافة الأراضي الفلسطينية، وبالتوازي عبر شعوب عربية حدودية مثل الأردن، ولبنان، إلى جانب حضور نسائي طاغ داعم.
أشار جعفر أيضا إلى فكرة الجمع بين المادي وغير المادي في تلك الانتفاضة، عبر البحث عن الكرامة، والقيم الوطنية التحررية، مع وجوب عدم فصل الأحداث عن حركة تحررية عالمية ظهرت في أغلب ميادين العالم من نيويورك إلى القاهرة، وكانت حركات مثل حياة السود مهمة، أو الغضب الذي صاحب مقتل الأمريكي الأسود جورج فلويد دليلا على ذلك.
في المقابل أشار جعفر إلى نقاط ضعف تخللت الحراك العربي بشكل عام، أهمها غياب التمأسس في أشكال وصيغ جديدة رغم قدرته على تجاوز القديم، و بالتطبيق على القضية الفلسطينية أكد جعفر أن الأحداث تجاوزت حتى حل الدولتين بما فيها اتفاقية أوسلو، ولكن لازلنا في حاجة إلى ضربة البدء لإيجاد صيغ بديلة.
سياق عولمي و حل الدولة الواحدة
أما بالنسبة للرأي العام العالمي فيرى جعفر أن التعامل معه يجب أيضا أن يكون من المنطلق نفسه، أي في سياق عولمي، وقيم إنسانية مشتركة، بعيدا عن المنابر الرسمية التي تخضع في توجهاتها لفلسفة المصالح.
وفيما يتعلق بالمجتمع الدولي وموقفه، أكد زيدان أن الرهان على التحركات الفلسطينية، ومقاومتها هو الأهم دائما، مضيفا “فمهما كان حجم التأييد العالمي سنواجه دائما بالفيتو الأمريكي فالرهان ع وحدة الشعب والمشروع الموحد هو الفيصل”.
أما سعيد عكاشة عاد ليبين أن حل الدولة الواحدة الذي طالما تم طرحه حل غير عملي، مشيرا إلى ان الموقف الدولي لم يتلحلح كثيرا في تأييده المطلق لسياسات الاحتلال الاسرائيلي، وهو الرأي الذي خالفه فيه الدكتور حسن نافعة.
حيث يرى نافعة أن حل الدولتين حل ينكره الاحتلال أصلا، وأن المقاومة المسلحة كانت سببا في العودة للحديث عنه، كذلك المحامي يامن زيدان الذي أكد أن المقاومة كانت سببا في رفع معنويات الشعب الفلسطيني، ووحدة خطابه، وإن كان الأمر تضامني أكثر منه وحدوي.
في الوقت نفسه أكد زيدان فشل حل الدولتين، واعتبره حلا يخدم المشروع الصهيوني الذي يقوم على فكرة الأفضلية اليهودية التي تحاول دولة الاحتلال عبر الهجرات المتزايدة كل عام، مشيرا إلى أن فلسطين الحقيقية تبدأ من أراضي 48.
وحدة الشعب الفلسطيني داخل وخارج الخط
لفت زيدان أيضا إلى اختلاف الخطاب الفلسطيني من الداخل عنه في الخارج، ومن الضفة وقطاع غزة، حيث فرضت الأوضاع لوقت طويل تطلعات مطلبية حياتية بالنسبة لشعب الداخل، بينما اقتصرت على حلم إقامة دولة على أراضي 1967 بالنسبة للضفة الغربية، وكذلك مرارة الحصار المفروض على قطاع غزة والذي يفرض بدوره تطلعات مختلفة.
اقرأ أيضا:
ليسوا “عرب إسرائيل”.. فلسطينيو 48 وقود الانتفاضات ضد الاحتلال
ومع ذلك يؤكد زيدان أن الثورة مستمرة قد تنقطع أو تتصاعد ولكنها مستمرة، “ولكن نتطلع لمشروع واحد موحد” على حد قوله، مشيرا إلى أن حق تحقيق المصير لن يأتي إلا بتوحد كشعب داخل وخارج الخط.
ولكن وبعد هذه الجولة آن أوان لملمة فتاة المشاريع الفلسطينية وجمعها في مشروع واحد موحد واضح المعالم والأهداف، يجمع بين الشتات والداخل والضفة وغزة بحسب زيدان.
وحول مستقبل فلسطينيي الداخل وموقفهم خلال الانتخابات المقبلة في ظل المستجدات الأخيرة توقع زيدان اللجوء إلى سلاح المقاطعة المؤدلجة والتوسع فيه، خاصة أن الانتخابات الاخيرة حظيت بإقبال ضعيف في نسبة التصويت، إلى جانب الانقسام الحاصل داخل القوائم العربية.