1. طوال الأسبوع الماضي، تسابقت الكنائس المصرية على إصدار البيانات المؤيدة والداعمة للقضية الفلسطينية. بعد الهجمات التي شنتها قوات الاحتلال على مواقع متعددة بالضفة الغربية وقطاع غزة.

الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أصدرت بيانًا تثمن فيه موقف الدولة المصرية التي قررت التبرع بـ500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة. بينما أصدرت بقية الطوائف بيانات مماثلة غير أن الكنيسة الأسقفية كانت صاحبة السبق. إذ أدانت قبل أسبوعين الاجتياح الإسرائيلي لحي الشيخ جراح وقبل أن يتضح موقف الدولة المصرية من التصعيد الإسرائيلي.

يرتبط موقف الكنيسة القبطية بالقضية الفلسطينية بموقف الكنيسة من الدولة المصرية. فإذا كان بابا الكنيسة على وفاق مع رأس الدولة تماهت الكنيسة مع الموقف الرسمي. أما إذا كانت الكنيسة في حالة عدم وفاق مع الدولة اتخذت موقفًا مغايرًا للموقف الرسمي وهكذا لسنوات.

البابا كيرلس السادس والقضية الفلسطينية

كان البابا كيرلس السادس البطريرك 116 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية يرتبط بعلاقة صداقة وطيدة بالرئيس جمال عبدالناصر. كما أن فترة حبريته (حكمه للكنيسة) تزامنت مع نكسة 1967.

كان البابا كيرلس السادس أول من رفض زيارة القدس، حيث أعلن ذلك فى أعقاب هزيمة 1967 وبعد وقوع القدس فى يد الصهايننة. بعدما لاحظ عمليات تهويد واسعة بمنطقة القدس.

أما البابا شنودة الثالث ارتبط بعلاقة متوترة مع الرئيس السادات انتهت بعزله وتحديد إقامته في الدير. قبل أن يستصدر قرارًا مجمعيًا يمنع الأقباط من زيارة القدس عام 1980 بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد.

رهبان مصريون يوثقون اعتداء الاحتلال عليهم

ونص قرار المجمع المقدس (في جلسة الأربعاء 26/ 3/ 1980) “على عدم التصريح لرعايا الكنيسة الأرثوذكسية بالسفر إلى القدس هذا العام. في موسم الزيارة أثناء “البصخة المقدسة” وعيد القيامة. لحين استعادة الكنيسة رسميًا لدير السلطان. ويسري هذا القرار تلقائيًا ما دام الدير لم يتم استعادته، أو لم يصدر قرار من المجمع بخلاف ذلك”.

استمر العمل بقرار المجمع المقدس طوال عهد البابا شنودة الثالث الذى قال مقولته الشهيرة: “لن ندخل القدس إلا مع اخوتنا المسلمين”. حتى أن البابا الراحل كان يعاقب الأقباط الذين يزورون القدس بالحرمان الكنسي. أي الحرمان من سر التناول، وهو أحد الأسرار المقدسة السبعة للكنيسة الأرثوذكسية.

عام 1991 رسم البابا شنودة الأنبا إبراهام مطرانًا على القدس وكرسي أورشليم والخليج. لكنه رفض زيارة القدس لتجليسه على كرسيها. بينما أرسل وفدًا من كبار المطارنة والأساقفة رأسه الأنبا بيشوي مطران دمياط وكفرالشيخ والبراري آنذاك. لتجليس المطران الراحل نيابة عنه، والتزامًا بالتقاليد الكنسية التي لا تسمح لأسقف وهو رتبة أقل بتجليس المطران وهو رتبة أعلى منه. خاصة وأن إيبراشية القدس لا يتولاها إلا مطران ويحل ثانيًا في ترتيب أساقفة المجمع المقدس بعد البابا مباشرة.

البابا تواضروس يسمح لكبار السن بزيارة القدس بشكل استثنائي

في نوفمبر 2012 جلس البابا تواضروس الثاني على سدة كرسي مارمرقس، وجدد تأكيده التزام الكنيسة بمنع زيارة الأقباط للقدس المحتلة. خاصة وأن العقيدة المسيحية لا تعرف طقس الحج الذي يعتبر ركنًا من أركان العقيدة الإسلامية. حتى مع مراعاة الشرط “من استطاع إليه سبيلًا”. إذ أن زيارة القدس في العقيدة المسيحية مجرد زيارة روحية لنيل البركة والسير في المناطق المقدسة التي ولد فيها المسيح.

بينما شهدت انكسارًا في موقف الكنيسة تجاه زيارة القدس، فهي من ناحية تعلن رسميًا التزامها بقرار البابا شنودة. لكنها في الوقت نفسه لا تتخذ أية عقوبات تجاه من يخالفون القرار وهو ما جعل بضعة آلاف من الأقباط يترددون على القدس في السنوات الأخيرة. كذلك فإن البابا تواضروس أعلن سماحه لكبار السن بزيارة القدس ممن تزيد أعمارهم عن 40 عامًا استثنائيًا.

دير السلطان

في التاسع من نوفمبر 2015، زار الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن الكاتدرائية المرقسية بالعباسية. ودعا البابا تواضروس لزيارة القدس كسرًا لحصار الشعب الفلسطيني. إذ اعتبر أن الزيارة للسجين وليست للسجان. فما كان من البابا إلا أن كرر رد سلفه البابا شنودة. وقال “سندخل القدس مع أخوتنا المسلمين”، واستمر البابا في موقفه الرافض لزيارة القدس حتى أعلن في عظته الأسبوعية العام الماضي إنه سيرسل وفدًا من كبار الأساقفة لقيادة صلاة الجنازة على مطران القدس المتوفى الأنبا آبراهام. الذي قال إنه تعلم منه كثيرًا أثناء رهبنتهما في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون. إلا أن تغيرًا طرأ على موقف البابا في منتصف الليل من اليوم نفسه وأعلنت الكنيسة أنه سيسافر بنفسه ليقود صلوات الجنازة بناء على وصية المطران الذي طلب أن يدفن في القدس.

الكنيسة تطالب بـ”دير السلطان” بالقدس

منذ وفاة الأنبا آبراهام، استمر توافد رجال الكنيسة على إيبراشية القدس للصلاة والخدمة هناك باعتبارها تابعة للكاتدرائية. مع استمرار مطالبة الكنيسة بحقها التاريخي في دير السلطان. الذي تتواصل بشأنه مع وزارة الخارجية حيث كان ضمن بنود مشاورات “شكري / نتنياهو” العام الماضي. وجدد البابا مطالبته به في لقائه بسفير مصر لدى إسرائيل بالكاتدرائية منذ شهور.

عادت الكنيسة مرة أخرى لتصطف خلف الدولة المصرية في موقفها من القضية الفلسطينية بعد الأحداث الأخيرة. في ظل العلاقة القوية التي تجمع الرئيس عبدالفتاح السيسي بالبابا تواضروس. الأمر الذي يؤكد أن موقف الكنيسة القبطية من القضية الفلسطينية يرتبط بشكل وثيق بموقفها من الدولة المصرية. أو بمعنى أدق بالعلاقة بين البابا والرئيس.