يواجه عدد كبير من السجناء السياسيين خطر البقاء لسنوات طويلة في الحبس نظرًا لإعادة اتهامهم في قضايا جديدة. ما دفع المنظمات الحقوقية المختلفة لإطلاق مصطلح “التدوير” في إشارة إلى إعادة توجيه الاتهامات نفسها لكن في قضايا جديدة. فيظل السجناء يتنقلون من قضية إلى أخرى لسنوات طويلة.
في التقرير التالي نرصد أبرز المحبوسين السياسيين الذين تم تدويرهم على ذمة قضايا دون إخلاء سبيلهم في القضايا القديمة.
أحمد سمير سنطاوي
أعلن فريق دفاع الباحث أحمد سمير سنطاوي، مباشرة نيابة أمن الدولة العليا، التحقيق مع الباحث في قضية جديدة. تحمل الرقم 877 لسنة 2021 حصر أمن الدولة العليا. ووجهت له اتهامات الانضمام إلى جماعة إرهابية مع علمه بأغراضها. كذلك نشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها الإضرار بالأمن والنظام العام.
وواجهت نيابة أمن الدولة سمير أثناء التحقيقات بالاتهام في القضية الجديدة، بتقارير فنية تتحدث عن حساب منسوب له على مواقع التواصل. وأنكر سنطاوي صلته بذلك الحساب. بينما طلب دفاع سمير عرضه على الطب الشرعي، لإثبات واقعة التعدي عليه. كذلك التحقيق فيها بحسب مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
تدوير الباحث جاء بعد أيام من تقدم فريق دفاع سنطاوي، طلبًا إلى نيابة أمن الدولة العليا لإخلاء سبيله. حتى يتمكن من مواصلة دراسته في الجامعة الأوروبية المركزية (CEU) في النمسا. بينما لم يتلق ردًا على هذا الطلب.
قائمة اتهامات ثابتة لا تتغير
ويُذكر أن سنطاوي مازال محبوسًا على ذمة القضية 65 لسنة 2021 حصر أمن الدولة العُليا. ويواجه تُهم الانضمام إلى جماعة إرهابية مع علمه بأغراضها. وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها الإضرار بالأمن والنظام العام. واستخدام حساب على شبكات التواصل الاجتماعي بغرض نشر الأخبار الكاذبة.
وتم التحفظ على “سمير” في قسم شرطة التجمع الخامس من يوم 1 فبراير الماضي. بعد استدعائه من قِبل الأمن الوطني. بينما ظل محتجزًا بإذن صادر من نيابة أمن الدولة العليا.
لم يكن سنطاوي هو أول من تعرض لعملية تدوير على ذمة قضية جديدة وهو محبوس من الداخل على ذمة قضية أخرى. لم يحصل فيها على إخلاء سبيل. كذلك اتهمت منظمات حقوقية مصرية السلطات بـ”إعادة تدوير” قضايا ضد معارضين لإطالة فترات احتجازهم.
الحبس الاحتياطي دون أجل.. أو التدوير
وأطلق محامون وحقوقيون مصطلح التدوير وهو إحدى آليات إطالة فترات الحبس الاحتياطي للمعتقلين لأجل غير مسمى. وفي معظم الأحيان بعد فترة من الإخفاء القسري قد تطول لأيام أو أسابيع أو شهور وفي بعض الحالات لسنوات. يظهر أمام نيابة أمن الدولة العليا، والتي لها حق الأمر بحبسه احتياطيًا على ذمة التحقيق. لمدة أقصاها 15 يومًا. لها الحق في تجديد هذا الحبس مرات عدة، بإجمالي أقصاه 150 يومًا.
بعد ذلك يصبح تجديد الحبس الاحتياطي من اختصاص قاضي التجديد، والذي له الحق في تجديد الحبس بحد أقصى 45 يومًا في كل مرة. ولا يجوز وفق القانون أن يتجاوز إجمالي مدد الحبس الاحتياطي سنتين.
سبق سنطاوي تدوير العشرات من المعتقلين الذين تعرضوا للتدوير بين قضيتين أو أكثر. خاصة أنه لا يوجد حتى الآن إحصاء موثق لأعداد المحبوسين السياسيين في مصر. سواء من كان منهم محبوسًا احتياطيًا للتحقيق في قضية أو أخرى. أو من كان يمضي فترة عقوبة بعد حكم بإدانته.
ماهينور المصري
المحامية ماهينور المصري المحبوسة احتياطيًا منذ سبتمبر 2019 بتهمة الانضمام لـ”جماعة إرهابية” على ذمة القضية 488 لسنة 2019. فؤجى المحامون بوجودها في نيابة أمن الدولة للتحقيق معهما في قضية جديدة رقمها 855 لسنة 2020.
ليفاجئ الجميع أنه بعد حبسها لأكثر من 11 شهرًا على ذمة هذه القضية تم تدويرها في قضية جديدة. إذ تم اتهامها بنفس الاتهامات المنسوبة إليها في القضية السابقة. وفي نهاية جلسة التحقيق تم إزالة تهم نشر وإذاعة أخبار كاذبة وسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. كذلك اقتصرت التهم الموجهة إليها على الانضمام لجماعة إرهابية.
وألقي القبض على ماهينور -محامية حقوقية- في 25 سبتمبر 2019 من أمام نيابة أمن الدولة. بعد تأدية عملها كمحامية حقوقية بالحضور مع أشخاص متهمين بالتظاهر في أحداث 20 سبتمبر. كما تم التحقيق معها وضمها للقضية 488 لسنة 2019 أمن دولة.
إسراء عبدالفتاح
الصحفية والمدافعة عن حقوق الإنسان إسراء عبدالفتاح كانت مثال آخر للتدوير. إذ ظهرت يوم 31 أغسطس 2020 في نيابة أمن الدولة بعد اختفائها للتحقيق معها على ذمة القضية 855 لسنة 2020 أمن دولة. رغم استمرار حبسها على ذمة القضية 488 لسنة 2019 أمن دولة. والمحبوسة على ذمتها منذ 13 أكتوبر 2019 منذ إلقاء القبض عليها. إذ ظهرت أمام النيابة في اليوم التالي 14 أكتوبر.
نيابة أمن الدولة وجهت لإسراء في القضية الجديدة اتهامات بـ”الانضمام لجماعة إرهابية. والاشتراك في اتفاق جنائي بغرض ارتكاب جريمة من جرائم الإرهاب”. ذلك أثناء فترة حبسها على ذمة القضية الأولى. وهو ما أشارت إليه إسراء في دفاعها عن نفسها أمام النيابة. إذ قالت إنها كانت محبوسة في تلك الفترة التي يشير إليها محضر التحريات المحرر. كما أنها كانت ممنوعة من الزيارة منذ شهر مارس 2020 منذ الإجراءات الحكومية المصاحبة لانتشار فيروس الكورونا. كما أنها كانت غير مسموح لها من قبل إدارة السجن بالتريض. ما يتنافى مع اتهامها بمثل تلك الاتهامات.
محمد الباقر
في الوقت نفسه تم التحقيق مع مدير مركز “عدالة للحقوق والحريات” محمد الباقر، في مقر نيابة أمن الدولة العليا، في قضية جديدة. وهو لا يزال محبوس منذ سبتمبر على ذمة القضية 1356 لسنة 2019، ليتم إدراجه على ذمة القضية رقم 855 لسنة 2020.
في السياق ذاته رصدت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان” -منظمة مجتمع مدني مصرية- في تقرير لها يوم 19 مايو. أن نيابة أمن الدولة حققت مع ثلاثة متهمين وهم مروان إبراهيم، محمد أحمد عبدالقوي، وحسين أحمد محفوظ. على ذمة قضيتين جديدتين. ذلك بعد تعرض بعضهم للتدوير عدة مرات والإخفاء القسري لمدد وصلت إلى 3 أشهر. إذ تم اتهامهم باتهامات من بينها “الانضمام لجماعة إرهابية”. بينما قررت النيابة حبسهم لمدة 15 يومًا على ذمة القضية 620 لسنة 2021 حصر أمن دولة عليا.
ووجدت المؤسسة أن نيابة أمن الدولة خلال أسبوع واحد دورت 4 متهمين على الأقل على ذمة القضية 488 لسنة 2019 أمن دولة. ثلاثة منهم ما يزالون محبوسين، هم: (المحامي عمرو إمام، رضوي محمد، أمل كيلاني، الصحفي محمد صلاح). كما وضعتهم على ذمة قضية جديدة رقمها 855 لسنة 2020 أمن دولة. بناءً على محضر تحريات من جهاز الأمن الوطني. موجّه لهم في اتهامات مماثلة للقضية الأولى. وهي الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة. كذلك أضيفت عليها اتهامات بالتمويل وقيام بعضهم بالتواصل مع قوى ومجموعات يسارية من داخل السجون.
عمرو إمام
تم إحضار المحامي الحقوقي عمرو إمام من محبسه 26 أغسطس 2020 في نيابة أمن الدولة العليا للتحقيق معه. على ذمة القضية 855 لسنة 2020 أمن دولة. وهي القضية نفسها التي ظهر فيها 25 أغسطس كل من (رضوى محمد وأمل كيلاني) المحبوستين منذ شهر نوفمبر 2019. في نفس قضية عمرو 488 لسنة 2019 للتحقيق معهم في هذه القضية الجديدة.
عبدالمنعم أبو الفتوح
وضعت نيابة أمن الدولة 2 فبراير 2019 الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية على ذمة قضية جديدة 1781 لسنة 2019. كذلك اتهمته بتولي قيادة جماعة إرهابية وارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب. ذلك قبل أقل من 14 يومًا من إتمامه الحد الأقصى من حبسه احتياطيًا المقدرة بعامين. منذ بداية حبسه في فبراير 2018 على ذمة القضية 440 لسنة 2018 أمن دولة.
الانتقام من المعارضين
في ورقة بحثية قدمتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تحت عنوان “حكمت النيابة”. تمت الإشارة إلى توجه النيابة العامة لاستخدام نصوص قانون الإرهاب للنيل من معارضي السلطة السياسية وسياساته. كما أن كثير من القضايا لم تتضمن أي إشارة لحصول عنف أو تحريض عليه. وأن معظم هؤلاء المتهمين ينتمون إلى وظائف وأعمال لا علاقة لها بالإرهاب.
وأضافت الورقة أن القبض عليهم تم نتيجة لعدم رضاء اﻷجهزة اﻷمنية عما يعبر ويصرح به هؤلاء من آراء. تخالف توجهات السلطة السياسية سواء اتخذ شكل التعبير عن رأيهم التصريح العلني في لقاءات عامة أو حوار. ﻷحد القنوات على التلفاز أو النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
التدوير من قبل ثورة يناير 2011
وتبدل الحبس الاحتياطي من تدبير استثنائي يلجأ إليه حين الضرورة إلى آداة ووسيلة للتنكيل بحرية الرأي والتعبير. كذلك عقاب على إبداء الاهتمام بالشأن العام والدفاع عن حقوق الناس. صار الحبس الاحتياطي عقوبة جسيمة دون حكم من قضاء.
ويرى المحامي الحقوقي بالشبكة العربية طارق خاطر أن أصل الأمر يعود إلى ما قبل ثورة يناير 2011. كانت هناك حكومة وأجهزة أمنية تعتمد على الاعتقال الإداري المباح بموجب قانون الطوارئ. كما أن هذا الاعتقال لا يتطلب من الناحية القانونية أسبابًا. فبمجرد مرور 30 يومًا على بدء الاعتقال يكون للمعتقل حق تقديم تظلم يعرض على القضاء. وفي معظم الأحيان كان القضاء يصدر أحكامه لصالح المعتقلين ويلغي قرار الاعتقال. بينما في أحيان أخرى أصدر أحكامًا بتعويض المعتقلين عن فترات اعتقالهم. حتى هنا كانت المعادلة هي مواطن وشرطي وجهاز أمن وطني، لا علاقة للنيابة أو القضاء بالأمر.
التدوير حالة استثنائية.. “المنطق ينتحر”
يضيف خاطر لكن مع صدور حكم المحكمة الدستورية العليا في 2013 بعدم دستورية الاعتقال دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية. ما دفع الآلة التشريعية المستفيدة بالتفكير سريعًا وصياغة مجموعة من التشريعات الاستثنائية كمبرر قانوني. أهمها قانون الإرهاب الذي صُمم على أساسه محاكم استثنائية خاصة بالإرهاب. وبالتالي وضعت النيابة يدها في الأمر ومنذ هذه اللحظة أصبحنا نجد حبس للمتهمين بالاتهامات ذاتها.
ويؤكد خاطر أنه ومنذ ذلك الحين توسعت النيابة في إصدار قرارات الحبس الاحتياطي. كذلك بات آلاف اﻷشخاص على اختلاف انتمائهم وأفكارهم وطرق تعبيرهم عن آرائهم رهن الحبس الاحتياطي. كما لم يسلم منه أعضاء اﻷحزاب السياسية الشرعية أو أساتذة الجامعات أو المدافعين عن حقوق الإنسان أو الصحفيين أو العمال. بل والمواطنين العاديين الذين مارسوا حقهم في النقد أو في التجمع السلمي.
ويشرح خاطر طريقة التدوير وهي أن الضابط الأمن الوطني وقبل انتهاء مدة الحبس الاحتياطي. بتحرير محضر للمتهم بأنه انضم لجماعات إرهابية أثناء ذهابه لجلسات تجديد الحبس داخل القفص. مضيفًا انه وقتها ينتحر المنطق والعقل. فالتدوير حالة استثنائية تمارس مع المتهمين الذين هناك من يرغب في عزلهم عن الحياة بالخارج.