“الحياة خلف الجدران قاسية، لكنها تكون أقسى عند فقد عزيز أو قريب”.. هكذا قال أحد السجناء الذي قضى عامين ونصف العام داخل سجن طرة، على ذمة واحدة من القضايا السياسية، ولم يستطع خلالها حضور جنازة والده الذي توفي في عامه الأول داخل السجن.

محمد على* قال إنه تلقى نبأ وفاة والدة بعد اكتمال عامه الأول في حبسه الاحتياطي على ذمة قضية وجهت له خلالها اتهامات نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة محظورة، وحاولت أسرته من خلال محاميه تقديم طلب للنيابة للسماح له بحضور الجنازة، ولكن لم يتم الاستجابة للطلب.

بنبرة حزينة، تابع محمد: “لم أر والدي قبل وفاته، ولم أستطع التواجد معه في فترة مرضه، وبعد موته لم أستطع الوقوف لتلقي العزاء، أنا الولد الوحيد لأبي مع 3 شقيقات، كنت أتمني أنا أكون بجواره في موته وعزاءه”.

إحساس مستمر بالمرارة

بعد إخلاء سبيل محمد، استمر إحساس المرارة يلازمه، لعدم مقدرته التواجد مع أبيه في الأمتار الأخيرة من حياته: “مرت السنة والنصف التي عشتها في السجن بعد نبأ وفاة والدي كأنها سجن مضاعف، مرارة لا تمحي بأي شكل، زيارات أشقائي كنت تزيد تلك المرارة، فأصبحوا دون عائل، ودون سند، وبعد خروجي من السجن بعد الحصول على إخلاء سبيل لم تزل تلك المرارة التي أعيش بهلا حتى الأن، أرى صورة والدي في كل مكان، أعلم أنه كان يريدني بجواره في أيامه الأخيرة، لم يستطع زيارتي ولم أستطع الاستماع لوصيته”.

ما عاشه محمد يعيشه سجناء آخرون، حرموا من توديع ذويهم والتواجد معهم قبل الوفاة، ومنهم المحامي محمد رمضان، التي قالت أسماء نعيم واحدة من فريق الدفاع الخاص به، أنه “كسر”، عقب وفاة والدته التي لم يستطع الخروج لتلقي عزائها.

في يوليو 2019، تقدم محامي رمضان بطلبات للسماح له برؤية والدته التي اشتد عليها المرض حينها، ولم يتم الاستجابة لتلك المطالب، حتى توفت وقدمت هيئة الدفاع مطالب جديدة للسماح له بحضور العزاء الخاص بها، ولم يتم الاستجابة لتلك الطلبات أيضا.

المحامي محمد رمضان

وألقي القبض على المحامي محمد رمضان، من أحد شوارع اﻷسكندرية، في 10 ديسمبر2018، وتم احتجازه بمقر الأمن الوطني، قبل أن يظهر بعدها على ذمة القضية رقم 16576 لسنة 2018، ويواجه فيها اتهامات أبرزها “حيازة وإحراز 5 سترات صفراء للدعوة للمشاركة في تظاهرات ضد القائمين على الحكم على غرار التظاهرات التي شهدتها فرنسا في وقت سابق، وبعد إخلاء سبيله وضع على ذمة قضية جديدة، بواجه بها اتهامات مشابهة.

سلطة تقديرية

لا يوجد نص صريح يسمح للسجناء بالخروج لتلقي عزاء ذويهم أو رؤيتهم عند المرض، ويرجع الأمر وفقا للمحامين للسلطة التقديرية للنيابة، وتنص المادة 387 من تعليمات النيابة العامة المصرية على أنه على أعضاء النيابة مراعاة ظروف ما يعرض عليهم من القضايا وإمعان النظر في تقدير مدى لزوم حبس المتهم احتياطيًا، وعليهم على وجه الخصوص مراعاة ظروف المتهم الاجتماعية والارتباطات العائلية والمالية وخطورة الجريمة والأمر في ذلك متروك لفطنتهم وحسن تقديرهم.

المحامي حسام الجعفري، يقول إن الأمر يخضع لسلطة النيابة التقديرية، ويبدأ الأمر بتقديم طلب للنيابة من قبل المحامي للسماح للسجين بزيارة ذويه من الدرجة الأولي عند المرض أو القيام بأخذ واجب العزاء، ويشترط أن يكون الأقارب من الدرجة الأولى، كأب أو أم أو ابن، وبعد ذلك ترد النيابة على الطلب بالقبول أو الرفض.

وتابع الجعفري لـ”مصر 360″، أنه يمكن أيضا تقديم الطلب لوزارة الداخلية، ومعها يقدم صورة من شهادة الوفاة، أو المستندات التي تدل على تدهور الحالة الصحية، وعند الموافقة على الطلب تتخذ النيابة ومصلحة السجون ما يؤمن نقل السجن للمكان وعودته، وضمان عدم هروبه. ويمكن أن يتم رفض الطلب لدواع أمنية، مؤكد أن الأمر في النهاية يخضع للسلطة التقديرية للنيابة أو وزارة الداخلية، التي تتلقى الطلب.

وضع علي السيد*يختلف عن وضع محمد علي الذي حبس لمدة عام وشهرين على ذمة واحدة من القضايا السياسية بالتهم المعتادة، نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة محظورة، توفيت والدته بعد 7 أشهر من حبسه، وقدم محاميه طلبا للنيابة يسمح له بحضور الجنازة، وبالفعل تمت الموافقة على طلبه.

خرج على من السجن ساعات محدودة في حراسة مشددة، لحضور جنازة والدته: “لحظات لا تنسى ولا تمحى من الذاكرة، لكنها أهون من عدم رؤية جثمانها قبل تشيعه، كنت أتمنى أن أكون بجوارها قبل وفاتها، ولكن لم أستطع، تمكنت فقك من التواجد لحضور جنازتها، هون عليا الأمر كثيرا، شعرت أنني ما زالت بجوارها، وهون عليا هذا اللقاء الشهور التي قضيتها فيما بعد بالسجن، حتى صدور قرار بإخلاء سبيلي”.

 

“خالد وإسماعيل” جمعها القضاء العسكري والحزن

قبل يومين، طالب حقوقيون ونشطاء، عبر مواقع التواصل، سلطات الأمن بالسماح لللناشر خالد لطفي بالخروج لدفن والده، الذي وفاته المنية، ودوّن أصدقاء خالد تحت هاشتاج “#خرجوا_خالد_لطفي_يدفن_والده”، بهدف الضغط على السلطات للسماح بخروجه لتشييع والده.

وقبل وفاة والد لطفي بيوم، توفيت والدة الصحفي والباحث إسماعيل الإسكندراني، الذي يقضي عقوبة 10 سنوات، وطالب نشطاء بخروجه لدفن والدته، لكن إدارة السجن لم تستجب.

خالد لطفي وإسماعيل الإسكندراني حرما من حضور جنازة أسرتهما

 

يجمع لطفي والإسكندراني القضاء العسكري، فألقى القبض على خالد لطفي في أبريل 2018، وجرى وضعه على ذمة قضية عسكرية؛ بسبب نشر كتاب “الملاك”، الذي يقدّم الرواية الإسرائيلية عن أشرف مروان بوصفه جاسوس لإسرائيل.

 

وفى 29 نوفمبر 2015، ألقي القبض على الإسكندراني من مطار الغردقة أثناء عودته من العاصمة الألمانية برلين، وعرض على نيابة أمن الدولة العليا، والتى قررت احتجازه على ذمة التحقيقات لاتهامه بنشر أخبار كاذبة بسجن مزرعة طرة، وبعد انتهاء التحقيقات أحيل الإسكندرانى للقضاء العسكرى فى القضية رقم 569 لسنة 2015 حصر أمن دولة عليا.

 

يرى الجعفري أن النيابة توافق في أوقات كثيرة لسجناء سياسيين وجنائيين لحضور جنازات ذويهم، مثل ما حدث مع شادي أبو زيد مراسل برنامج “أبلة فاهيتا”، والتي سمحت له النيابة بحضور جنازة والده والعودة لمحبسه، وأيضا المحامي الحقوقي محمد الباقر سمح له بحضور جنازة والده والعودة مجددا لسجن طرة، وفي المقابل، قال اللواء هشام البرادعى مساعد وزير الداخلية للسجون، إنه تم إجراء 472 جراحية للسجناء في عام 2020، كنوع من التدليل على توفير الرعاية الصحية للسجناء.

 

*أسماء مستعار بناء على طلب المصادر