لعبت السياسة ألاعبيها وتسللت إلى ملاعب كرة القدم، وتمكنت من أن تجد لنفسها موضع قدم داخل الملاعب الأوروبية، بالتحديد الدوري الإنجليزي، حيث المنافسة في أوجها بين النجم الجزائري رياض محرز لاعب فريق مانشستر سيتي الحائز على بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز، والفرعون المصري محمد صلاح نجم فريق ليفربول الإنجليزي. 

خلال الأيام القليلة الماضية، طغى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على الساحة الدولية، واكتسبت القضية الفلسطينية داعمين جدد، وزخما كبيرا، ظهر خلالها رياض محرز في مظهر الفارس الذي امتطى جواده للدفاع عن القدس، بعد تدوينه وحمله العلم الفلسطيني خلال احتفالية التتويج. 

فور اندلاع الاشتباكات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال دخل العديد من اللاعبين على خط المواجهة من خلال إعلانهم دعمهم المتواصل للفلسطينيين من خلال نشر تغريدات وتدوينات تؤكد دعمهم للقضية، كان على رأسهم اللاعب المصري محمد النني والذي حظى بدعم غير مسبوق خاصة بعدما تم إرسال شكاوى من ناشط يهودي إلى النادي لإعلانه دعم فلسطين وهو ما دفع إلى تضامن عربي واسع. 

خلال ذلك الوقت، غاب محمد صلاح عن الأزمة الفلطسينية وسط تساؤلات من متابعيه “أين فخر العرب من القضية الفلسطينية؟

حتى دخل صلاح على خط القضية الفلسطينية متأخرا، حيث عمد إلى نشر صورة له أثناء تواجده بالمسجد الأقصى، ولاحقا نشر تدوينة يطالب فيها قادة العالم بضرورة التكاتف من أجل إلى وقف سفك الدماء والإعتداء على الفلسطينيين. 

اعتبر البعض ما فعله صلاح ليس إلا محاولة لحفظ ماء الوجه دون وجود تضامن حقيقي مع القضية الفلسطينية، في الوقت الذي سارع شخصيات عامة ورياضية غير عربية إلى إعلان تضامنهم على الملأ. 

كيف قدم صلاح نفسه؟

منذ ظهور محمد صلاح واستحق عن جدارة لقب “فخر العرب”، بدايته البسيطة في إحد قرى مدينة طنطا وصعوده إلى سلم العالمية وتحقيق إنجازات متتالية لم يسبقه غيره إليها زاد من حقيقة نجاح “صلاح”. 

عوامل أخرى كانت سببا في ذيوع صيت “صلاح” تمثلت في إحساس البعض أنه واحد منهم، يحمل أحلامهم وأمانيهم نحو مستقبل أفضل، ونجاح كبير وضخم يمكن أن يحققوه هم أو أبناؤهم من بعدهم.

شاب هادئ، خجول، متدين، يظهر في العديد من مقاطع الفيديو والصور قابضا على المصحف أو يقرأ بعض الآيات، وعندما يحرز هدفا يسجد شكرا لله، يحقق إنجازات متتالية، ورغم كل النجاحات ما زال متمسكا بعروبته وأصوله الفقيرة، كل تلك العوامل ساقت لأن يصبح “صلاح” فخر العرب الحقيقي.  

عندما كان لاعبا في صفوف فريق بازل السويسري، لعب ضد فريق مكابي تل أبيب في الدور التمهيدي الثالث ببطولة دوري أبطال أوروبا، كانت تلك المباراة بداية تعرف الجمهور على صلاح.

آنذاك، فضل صلاح الظهور في دور المقاومة إذ أعلن أنه سوف يذهب إلى القدس وليس إسرائيل، ومع بداية المباراة رفض مصافحة لاعبي الفريق الإسرائيلي وأكتفى بالتلويح بقبضته وخلال أحداث المباراة وضح جليا رفض الجمهور لتواجده وزاد من حدة الأمر عندما أحرز هدفا ومن ثم سجد شكرا لله. 

انفصاله عن الواقع العربي

خلال السنوات التي تواجد فيها محمد صلاح في فريق ليفربول، حظى بشعبية طاغية، فهو المصري صاحب النشأة البسيطة الذي استطاع أن يغزو ملاعب أوروبا ويعيد تعريف اللاعب المصري من جديد، فهو ليس العالمي صاحب الإطلالة والأسلوب الأوروبي، وليس محمد زيدان الذي اكتشف نجومتيه في ألمانيا. لم ينسلخ عن مصريته وبساطة ابن القرية بل ظل على العهد. 

وظل الجمهور العربي على العهد معه، داعما له في أحلك فتراته وانخفاض مستواه، دعمه داخل الملعب وخارجه، إلا أن شيئا ما حدث غير كل ذلك. 

رويدا رويدا، بدا صلاح متجها في الطريق إلى الانسلاخ من عروبته، وأن يعيش حياة كبار اللاعبين المترفة، كان أول الأمر متمثلا في جلسة تصوير لإحدى العلامات التجارية برفقة عارضة أزياء، وإلقاء “صلاح” ثوب الشاب البسيط القادم من القرية على حساب ثوب النجم العالمي. 

خلال السنوات الماضية كانت تعاني مصر من الإرهاب الذي يضرب المؤسسات والمرافق الحيوية، وكانت حادثة معهد الأورام أحد أقسى الحوادث الإرهابية، ودخل العديد على خط الأزمة مقدمين يد العون للمتضررين من المرضى وأهاليهم، إلا أن صلاح غاب عن الحادثة، وجرى نفي تبرعه بمبلغ 3 ملايين دولار، تلتها عدة حوادث فيما اكتفى صلاح بالصمت. 

صلاح ومحرز

ابتزاز متواصل!

وصف البعض ما يتعرض له “صلاح” بأنه ليس إلا حالة من حالات الإبتزاز العاطفي من قبل الجمهور، ومحاولة استدعائه في كافة الأزمات اليومية التي تتعرض لها الشعوب العربية. 

أخرج الجمهور “صلاح” من رداء لاعب كرة القدم الأسطوري إلى رداء القائد العروبي الذي يسارع من أجل نجدة الثكالي ودعم الفقراء والمساهمة الفعالة في كافة القضايا العربية، وهو الخطأ الذي ارتكبه الجمهور ويتحمل تبعاته “صلاح”.

 ينتزع الجمهور صلاح من عالمه والتحدي اليومي الذي يعيشه إلى واقع أكثر تأزما وأكثر تشتيتا، يجبره على أن تكون أحلامهم واحدة وقضاياهم واحدة وأن ينصهر في دوامة الاشتباكات اليومية التي يخوضها الوطن العربي، ونسى أو تناسى عن قصد كونه لاعبا.

ربما تسببت العلاقة القوية التي تجمع صلاح بمحمد أبوتريكة في هذا الربط، فالأخير اعتاد الجمهور اقتحامه ملفات السياسة والدفاع عن القضية الفلسطينية بطرق مختلفة منذ أما كان يداعب الكرة بشكل محترف، وانتقاله بهذا الدعم من الأستديويهات القطرية وصفحاته على السوشيال ميديا. علاقة الثنائي جعلت المصريين ينتظرون أن يسير صلاح على خطى رفيقه تريكة في هذه القضايا.

الصراع على لقب “فخر العرب”

على مدار 4 سنوات قضاهم “صلاح” في ليفربول حصد العديد من الإنجازات، أبرزها التتويج مرتين بلقب هداف الدوري الإنجليزي الممتاز وأفضل لاعب في البريمير ليج، وقيادة فريقه للفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز في 2020 لأول مرة منذ 30 عاماً، وكذا إحراز دوري أبطال أوروبا، ليلقب بفخر العرب.

محزر يسعى إلى اللقب

في المقابل قدم “محرز” موسما رائعا بصحبة السيتي، سجل الأهداف وصنعها بعد غياب طويل عن التشكيلة الأساسية للفريق السماوي، إلا أن تطور مستواه خلال الأسبوع الماضي ومساهمته الواضحة مع السيتي في الوصول إلى نهائي دوري الأبطال زاد من تسليط الضوء عليه.

 يبدو أن أمام محمد صلاح صراع جديد يضاف إلى قائمة طويلة من المنافسات اليومية، فبجانب حربه على تسجيل الأهداف وحصد جائزة الحذاء الذهبي فهنا صراع آخر من صنع الجمهور العربي، وهو المنافسة مع النجم الجزائري رياض محرز على لقب فخر العرب

هل يمكن انتزاع اللقب؟

هل تخيلت يوما أن يستحوذ عمرو السولية لاعب الاهلي على لقب البلدوزر الخاص بعمرو زكي، أو أن تطلق الجماهير لقب الأباتشي على رمضان صبحي لاعب بيراميدز بدلا من صاحب اللقب محمود عبدالرازق شيكابالا. جرت العادة أن الألقاب التي يطلقها الجماهير أو النقاد على لاعبي كرة القدم لا تنتزع منهم مع مر السنين، فمازال أحمد حسام ميدو صاحب لقب العالمي رغم وصول محمد النني ومحمد صلاح إلى مراتب أعلى منه!

https://twitter.com/momosalah_zoe/status/1352382189749596163

رغم المكايدة ذات الصبغة السياسية التي تطغى على المنافسة بين محمد صلاح، محرز إلا أن تلك المنافسة لن تستطيع انتزاع لقب “فخر العرب” من الفرعون المصري، او هكذا يبدو لنا.