سارت أنباء كالنار في الهشيم حول أزمات تعصف بقلعة “المتحدة” التي بُنيت لاحتكار سوق الخدمات الإعلامية في مصر. باعتبار أن معاول الهدم داخلية، عبر صراعات البيت الواحد، ولا تعود لمنافسة خارجية قضت عليها حيتان الصنعة لحساب الدولة.
“المتحدة” تنفي “الشائعات” وتتحدث عن “خطة تطوير”
تلك الأنباء دفعت الشركة -التي تراوح مكانها منذ أشهر- لإصدار بيان نفي لما وصفتها بـ”الشائعات”، وأنها تسير في نهجها التوسعي.
وفي بيان مقتضب، أعلنت “المتحدة” أنها تعتزم ملاحقة “مروجي تلك الشائعات” قضائيًا. بينما قالت إنها وضعت “خطة تطوير” جديدة، ستعلن عن تفاصيلها في مؤتمر صحفي السبت المقبل.
وتنظر الشركة لمثل هذه الأنباء على أنها “شائعات” يروّجها خصوم الدولة للتشكيك في “نجاحاتها” خلال السنوات الأخيرة. لكن متداولو هذه الأخبار يقولون إنهم استقوها من “مصادر نافذة” داخل الشركة، ويتحدثون عن وقائع تدعم حديثهم.
تامر مرسي و(السعدي – جوهر)
المتابعون لتفاصيل الحدث داخل الشركة يتحدثون عن شواهد، تفيد بأن ثمة عراكًا فاحت رائحة لأروقة السوشيال ميديا. من بين تلك الدلائل صراعٌ، بطله “غيرة دفينة” بين رئيس مجلس إدارة “المتحدة” وبين ثنائي سطع نجمهما لدى الدولة هما محمد السعدي وإيهاب جوهر، الممثلين لشركة “ميديا هب“.
الحديث هنا يدور حول قطبين يتنافسان على الفوز بثقة أجهزة الدولة، الأول يقوده تامر مرسي ورجاله، باعتباره المستحوذ على سوق الإنتاج الدرامي. والثاني يقوده الثنائي (سعدي – جوهر)، باعتباره المسيطر الرئيس على الإنتاج الإعلاني.
تشير عمليات تتبع مسار الخدمات الإعلامية في مصر، إلى سطوع نجمي الفريقين بشكل متساوٍ لدى أجهزة الدولة. فالأول نجح خلال السنوات الماضية في احتكار السوق الدرامي والفني عموما، والثاني أثبت جدارته من خلال الإنتاج الإعلاني وتنظيم فعاليات رئاسية وحملات حكومية، كان آخرها موكب الموميات الشهير.
“ميديا هب” تهدد عرش “سينرجي”
وأثبتت “ميديا هب” قدرتها على اختراق سوق الدراما، بعد نجاح مسلسلها “لعبة نيوتن” بطولة منى زكي. وهو ما يجعل يده تطول مختلف الخدمات الإعلامية بالجودة نفسها، ويمكنها منافسة “سينرجي”.
هنا شعر تامر مرسي بخطر (سعدي – جوهر) الذي يهدد عرشه، وبالتالي تحدثت تقارير عن تخبط شركة المتحدة في قراراتها. فضلاً عن أزمات بشأن أعمال درامية، وإنفاق أموال طائلة وفسخ عقود بعض المسلسلات.
مصادر من داخل المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية تقول أنه تم تشكيل لجنة من جهات سيادية لفحص كل ملفات المجموعة التي يرأسها تامر مرسي وخاصة سينرجي للإنتاج الفني لوجود شبهة إهدار مال عام في الأعمال الدرامية التي تم إنتاجها في رمضان بواسطة الشركة وأعمال أخرى توقف إنتاجها
— Mohamed Fathy محمد فتحي (@mfathy_) May 24, 2021
وفي الوقت الذي كانت “ميديا هب” تحقق نجاحًا كبيرًا في حفل الموميات، كانت “المتحدة” تحاول لملمت خسائرها بشأن أزمة مسلسل “الملك أحمس” الذي أنفقت عليه 55 مليون جنيه ثم اضطرت لإيقافه، بسبب انتقادات طالت بنية العمل السردية، والتمثيلية. ومن قبله وقف مسلسل “خالد بن الوليد” بعد نشوب خلاف بين بطل العمل عمرو يوسف والمخرج رؤوف عبد العزيز.
وفيما لم تنته الشركة من تلك الأزمة، تلقت ضربة أخرى بفشل مسلسل “نسل الأغراب” الذي أدى بطولته النجمان أحمد السقا وأمير كرارة. ثم أعلنت الشركة عن وقف تعاملها مع المخرج محمد سامي، الذي ألّف وأخرج المسلسل، بتكلفة 100 مليون جنيه.
لكن المصادر تتحدث عن خلاف أعمق من فشل المسلسل، يتعلق بشجارٍ وقع بين محمد سامي وأحد مسؤولي شركة المتحدة. وأنّ هذا الاشتباك شبيه بخلاف سابق مع الفنان عادل إمام، الذي فضّل فسخ تعاقده مع تامر مرسي والتحول إلى إنتاج أعماله من خلال شركة نجله رامي.
“المتحدة” في ميزان الربح والخسارة
حالة التململ تجاه شركة المتحدة، ليست بعيدة عن ميزان الربح والخسارة، فقد تكبدت في العام 2020 خسارة بـ50 مليون جنيه. في العام السابق أنتجت “سينرجي” 15 مسلسلاً دراميا، بتكلفة 750 مليون جنيه، لكنها حققت عائدات بـ700 مليون جنيه فقط.
ورغم أن الأمر مرّ من دون الإطاحة بأيٍّ من قياداتها، أتيحت للشركة فرصة في رمضان 2021 لتعويض الخسائر. إلا أن “المتحدة” كررت خسائرها مرة أخرى، ليست فقط المادية، ولكن سمعتها الإنتاجية.
وحضرت “المتحدة” في السباق الرمضاني 2021 من خلال 20 عملاً دراميًا، تكلفت ميزانيتها ما يزيد على مليار جنيه، وفق تقديرات غير رسمية.
إزاء هذا المشهد، كان الحديث يتسرَّب بشكل سرطاني داخل أذرع الشركة المختلفة، عن تغيرات قريبة في الهيكل الإداري. وسط ما يتردد عن رحيل قيادات، على رأسهم تامر مرسي، وحسام شوقي المشرف العام على الإنتاج الدرامي، والمدير المالي أحمد وجيه.
مصادر قريبة من دائرة الإنتاج في الشركة تحدثت عن تحقيقات بشأن مخالفات مالية تصل إلى 800 مليون جنيه. وأن لجنة مشكلة تفحص حاليًا عدة ملفات بهذا الشأن، صاحبها حركة غير طبيعية وصل صداها إلى القنوات التي تملكها المجموعة.
ومجموعة المتحدة التي تسيطر على المشهد الإعلامي في مصر، تضم أربع كيانات رئيسية يملك كل كيان مجموعة من المنصات الإعلامية والرقمية. الكيان الأول هو مجموعة “إعلام المصريين” المالكة لمجموعة كبيرة من القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية والإنتاج الفني والتسويق. والثاني قناة مصر قرآن كريم، وهي أول قناة مصرية متخصصة في عرض قراءات القرآن الكريم، والثالث مجموعة دي ميديا (قنوات DMC، الراديو 9090، موقع مبتدا)، ومنصة واتش ات.
تقول المصادر إن الكيانات التابعة للمجموعة تعيش حالة ترقب حاليًا، لحركة تغيرات منتظرة، من المقرر إعلانها عقب انتهاء التحقيقات الجارية.
تامر مرسي وياسر سليم.. هل تتشابه مصائر الأباطرة
إزاء ما سبق، جرى ربط مشهد خروج منتظر لتامر مرسي بمشهد عاشه ياسر سليم، الذي اشتهر في السابق بـ”إمبراطور الإعلام”. قبل أن يخرج من “الباب الجنائي”.
وياسر سليم، الضابط السابق في أحد الأجهزة السيادية، هو واحد ممن تولوا مسؤولية هندسة المشهد الإعلامي بداية عام 2014. غادر منصبه الأمني لتأسيس “بيزنيس خاص” في الخارج.
عاد ياسر بعد فترة لمنصب بشركة “بلاك آند وايت”، بجانب شرائه موقع “دوت مصر”، وإنتاج برنامج “أنا مصر” بالتليفزيون الرسمي. ثم أعلن عن امتلاكه أسهمًا في جريدة “اليوم السابع” بعد فوز شركته بالحقوق التسويقية بالشراكة مع “برومو ميديا”.
زاد ثقل ياسر سليم بعدما بسط قبضته على مؤسسات إعلامية وعقد شراكات مع شركات الإنتاج الفني. من بينهها شراكة مع “سينرجي” لصاحبها تامر مرسي، وأنتج الاثنان مسلسلات منها “الطبال” و”أزمة نسب” و”سبع أرواح”.
بعد 4 سنوات من الحضور الطاغي، جرى تداول صورة على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر خلالها “سليم” بعد إلقاء القبض عليه. وذاع حينها أن السبب وجود شيكات بدون رصيد، وقتها انفرد تامر مرسي بملف الخدمات الإعلامية، ولُقّب بـ”إمبراطور الإعلام الجديد”.
لكن الحديث الذي رافق مستقبل تامر مرسي حاليًا، لا يتطرق إلى تشابه في الخروج من المشهد الإعلامي، لاسيما أنه لم يتلقى اتهامات مباشرة ولكن التحقيق يجري بخصوص ذمم مالية لبعض العاملين تحت إدارته.