أثار قرار هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بوقف طرح وبيع أراضي المدن الجديدة للأفراد مؤقتًا وقصرها في الوقت الحالي على شركات التطوير العقاري، “المطورين” الكثير من الجدل داخل السوق العقارية المصرية، في توقيته وأسبابه خاصة أنه جاء مفاجئًا دون أي حيثيات تبرر أسباب اتخاذه.
وذكر خطاب تلقته أجهزة المدن من المهندس عبدالمطلب عمارة نائب رئيس الهيئة لقطاع التنمية وتطوير المدن، أنه لن يتم السماح بالتصرف ببيع الأراضي للأفراد واقتصار الأمر فقط على المطورين العقاريين ومشروعات الجهات الحكومية، وفقًا لتوجيهات الدكتور رئيس مجلس الوزراء.
تبرر مصادر من داخل هيئة المجتمعات العمرانية القرار بأن موجه في الأساس لظاهرة السمسرة التي أصبحت دارجة على أراضي الدولة والمضاربات التي تحدث عليها وترفع أسعارها بصورة كبيرة عن المبالغ التي يتم طرحها بها ما يتنافى مع هدف الطروحات من الأساس بتوفير مساحة أرض لكل مواطن لبناء منزله الخاص.
يرتبط القرار بالمساحات الصغيرة التي كان يتم طرحها وتخصيصها للمواطنين عبر نظام القرعة ضمن محاور الإسكان الاجتماعي وبيت الوطن والمتميز والأكثر تميزاً، والتي اتسمت بأنها تلقي قبولا جيدًا من قبل المواطنين والطبقات فوق المتوسطة التي تحلم بمنزل عائلي خاص وليس مجرد وحدة سكنية في مشروع.
يأتي القرار مع تجهيز هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لطرح أراض للشراكة مع القطاع الخاص بنظام الشراكة الذي قفز عدد المشروعات التي تتم خلال إلى 14 مشروعا حتى الآن في ست سنوات فقط باستثمارات حوالى 465 مليار جنيه في واحة أكتوبر ومدن الشيخ زايد و6 أكتوبر والقاهرة الجديدة.
دفاع مستميت من المطورين العقاريين
يدافع المطورون العقاريون عن قرار الهيئة منذ صدوره ويعتبرونه إنعاشا للسوق العقارية التي عانت بعض الركود في أعقاب جائحة كورونا، مثل أحمد الشناوي عضو لجنة التشييد والبناء بجمعية رجال الأعمال الذي يقول إنه يقضى على العشوائية في المبانى وسماسرة الأراضى والمضاربة في الأسعار، وتحقيق نمو أعلى للتنمية العمرانية والحفاظ على جاذبية البيئة الاستثمارية لقطاع التطوير العقاري المحلي.
لا يكتفي المطور العقاري فقط بتأييد القرار لكنه يطالب بسحب الأراضي التي لا يتم تطويرها وتنميتها فتلك القطع يتم بيعها عدة مرات من خلال التوكيلات المتعددة عن القطعة الواحدة، داعيًا في الوقت ذاته الدولة إلى دراسة شركات التطوير العقاري الراغبة في شراء أراضي من الدولة حتى يتم تحديد الجادة والحقيقية من الشركات العشوائية والوهمية.
يشير الشناوي إلى ظاهرة تسقيع بعض الشركات مساحات الأراضي التي تحصل عليها على أمل بيعها مستقبلا بسعر أعلى أو استخدام السيولة التي تجمعها من العملاء قبل حتى بدء البناء على أي مشروع في “التكويش” على مساحات جديدة وعدم الالتزام بتعاقداتها معهم بالتسليم في مواعيد بعينها.
وفي نهاية 2020 الماضي، قررت شركة العاصمة الإدارية الجديدة، سحب أراضٍ من 4 شركات عقارية داخل العاصمة، بسبب تقصيرها في تنفيذ الجدول الزمنى الذى وضعته شركة العاصمة الإدارية، لتنفيذ المشروعات بعد إنذارها أكثر من مرة، مؤكدة حينها أنه لا مجال لتسقيع الأراضي داخل المشروع العملاق.
وباتت محفظة الأراضي حاليًا أحد وسائل افتخار الشركات العقارية ودليل قوة لها، فالأرض هي المادة الخام للمشروع وتمثل قيمتها نحو %50 من الوزن النسبي لتكلفة العقار بينما لا تتجاوز تكلفة مواد البناء %25، والتصميم %15، والباقي يأتي للتسويق والدعاية والمشاركة في المعارض الداخلية والخارجية.
اقرأ أيضا:
المقاولون والمطورون العقاريون يديرون الاقتصاد المصري
“التطوير العقاري”.. دور الدولة ينتهي عند الترخيص والجميع ينتظر التشريع
أعباء البيع للأفراد عن المطورين
يرى بعض خبراء العقار أن بيع الأراضي للأفراد يسبب أعباء كبيرة على المجتمعات العمرانية أولها التعامل مع عدد كبير من أصحاب الأراضي في منطقة واحدة أثناء البيع والبناء والتطوير، على عكس البيع لمطور واحد فقط, بجانب تأخر الأفراد كثيرا في البناء فالسيولة التي يملكونها لا تكفي إلا لدفع الأقساط فقط، علاوة على مخالفتهم النسق العمراني الواحد في المنطقة فالكل بيني وفق تصوراته الخاصة.
يشبه الأمر تمامًا ما يحدث في القطاع المصرفي، الذي يفضل منح مبالغ كبيرة لمستثمر واحد على بيعها لعدد كبير من الأشخاص على اعتبار أن إمكانية التعثر كبيرة في الفئة الأخيرة بجانب احتياجهم لمتابعة مستمرة لسير المشروع وسداد القسط، وغيرها.
يتطرق بعض المطورين إلى نقطة أخرى تتعلق بالبنية التحتية والخدمات فمنح المطور الأرض لبناء مشروع كامل يجعله مطالب بتوفير المدارس والمستشفيات والنوادي وغيرها، أما بيعها للأفراد يتطلب أن تقوم الدولة بتوفير تلك الأنشطة من موازنتها الخاصة ما يلقي عبئا عليها لأنها تبيع تلك الخدمات بنفس طريقة القطاع الخاص في التسعير والإدارة.
في المقابل، يطالب من كانوا يمنون النفس بقطعة أرض مثل أحمد عبداللطيف، يإعادة النظر به، فليس كل من يحصل على أرض هدفهم المضاربة أو السمسرة ومنهم من التزم بالفعل بالبناء وفق الشروط التي وضعتها المجتمعات العمرانية.
كان آخر طروحات وزارة الإسكان للأراضي في فبراير الماضي حينما طرحت 380 قطعة أرض سكنية مميزة بمساحات تتراوح بين 430 و720 مترا، بـ5 مدن جديدة، هي (بدر – الفيوم الجديدة – أسوان الجديدة – العاشر من رمضان – برج العرب الجديدة) بسعر يتراوح بين 1370 و لـ1785 جنيها للمتر الواحد.
ويقول عبداللطيف إن أسعار الوحدات السكنية التي يبيع بها المطورون العقاريون وحداتهم تفوق الخيال، رغم حصولهم على الأراضي بأسعار جيدة، ضاربا المثل بمشروعي زد في الشيخ زايد والتجمع فسعر المتر للوحدة السكنية فيه يبدأ بـ 27 الف جنيه ما يجعل الوحدة الـ 50 مترًا لا يقل عن 1.3 مليون جنيه.
ويبدو رأي طارق شكري، رئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية، مهما في تلك النقطة بالذات فالرجل مطور عقاري كبير وفي الوقت ذاته يتولى منصب وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب الذي يدافع عن مصلحة الناخبين، الذي يقول إن القرار لن يرفع أسعار الوحدات السكنية كما يتحدث البعض، فمنع بيع قطعة الأرض الواحدة أكثر من مرة يقلل من حصة الأرض في إجمالي تكلفة البناء وهي إشكالية كبيرة للقطاع.
يقول شكري إن الأفراد حينما يريدون البناء يستعينون بشركات ومقاولين للتنفيذ ليس مضمون خبرتهم وبالتالي يخرج المنتج النهائي بصورة غير جيدة، ما يؤدي إلى عمران عشوائي في أحياء المدن الجديدة التي طُورت بواسطة أفراد ليس لديهم خبرة، إضافة إلى المدة الطويلة لعملية التنفيذ.