دوامة جديدة من المسؤولية وضعت الأطباء هذه المرة في “خانة المتهم”. بعدما جرى تداول قرار لوزارة الصحة يلزم مرضى كورونا المحوَّلين إلى العزل في المستشفيات الحكومية بالإفصاح عن الأطباء المسؤولين عن حالتهم قبل أن تسوء.
“فوجئت بتحرير محضر ضدي عشان ساعدت مريض”، يقول إخصائى الأمراض الصدرية في مستشفى الصدر بالمحلة الكبرى، رفض ذكر اسمه.
الواقعة تعود إلى أن الطبيب ساعد مصابة بكورونا، قبل نقلها لمستشفى بسيون في الغربية، لكنه فوجئ بتحرير محضر ضده. رغم أن الحالة لم تكن متدهورة مع وصول نسبة الأكسجين 90%، وفق ما قال لـ”مصر 360”.
محاضر شرطية ضد الأطباء
المسؤول الإداري بمستشفى بسيون حرر محضرًا بقسم الشرطة ضد الطبيب وحوّله للنيابة العامة. ويقول الطبيب إنه لا يدري مصير المحضر، قائلاً مستعجبًا: “ما ذنبي؟، كيف أكون أخصائي صدر وطبيب بالعزل ويُحرر فيَّ محضر”.
وفق منشورات متداولة على مواقع التواصل، فقد أصدرت وزارة الصحة قرارًا في 18 مايو الجاري، بشأن حالات كورونا القادمة لأقسام الرعاية في حالة خطيرة. وتلك التي تتوفى خلال 24 ساعة من دخولها المستشفى.
نص القرار
ينص القرار على استحداث خانة بتذكرة دخول المريض وتذكرة الطوارئ يدوّن فيها الجهة القادم منها المريض. والمسؤول عن الإجراءات التي تسبتت في تأخير دخوله المستشفى (منزل، عيادة خاصة، مستشفى خاص، مركز طبي ، صيدلية، أو غيرها). وتدوين اسم المتسبب الثلاثي ويتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيال المتسبب والمنشأة التي بعمل بها.
ووزعت الوزارة قرارًا إداريًا على مستشفيات الجمهورية تضمن الآتي: “على السادة الأطباء العاملين بقسم العزل واستقبال العزل كورونا. الالتزام بالنموذج المرفق لتحديد الجهة المحول منها المريض في حالة خطيرة لدخوله العناية المركزة بالمستشفى. سواء عزل منزلي أو مستشفى خاصة أو عيادة خاصة. على أن يتم تحرير محضر في نقطة شرطة المستشفى في أهلية المريض في حالة العزل المنزلي”.
وتابع القرار: “يتم عمل المحضر في المستشفى الخاصة، وفي حالة العيادة يتم عمل المحضر في طبيب العيادة”. ويتم ذلك في وجود النائب الإداري للمستشفى أو وكيل المستشفى النوبتجي.
القرار أثار غضب الأطباء، وخلق حالة جدل على مواقع التواصل بشأن حقيقة الأمر، رغم وجود دلائل واقعية بعدد من المستشفيات.
تواصلت “مصر 360” مع مساعد وزير الصحة والسكان لشؤون الطب العلاجي الدكتور مصطفى غنيمة، والذي ورد اسمه موقعًا على المنشور المتداول، لكن لم نتلقى أي رد.
ويقول الطبيب: “أيُّ مريض يسأل لاستشارنا لن نقدمها، لن يتعامل أي طبيب بعد ذلك القرار مع أي مريض كورونا”. وتابع أن أغلب الأطباء بالبلدة قرروا غلق عيادتهم عقب القرار.
انتهاك شديد للحق في الصحة
من جانبه، تقدم المركز المصري للحق في الدواء بمذكرة لرئاسة الوزراء؛ للمطالبة بإلغاء الأمر الوزاري آنف الذكر. ويعتبر المركز القرار انتهاكًا شديدًا للحق في الصحة، وانتهاك المادة 18 من دستور 2014.
وأشار المركز إلى أن “القرار غير مسؤول ويعرِّض سمعة مصر الدولية لانتقادات”، باعتباره يتعارض مع المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
واعتبر القرار “إساءة بالغة” للحكومة، ويتسبب في ترويع المواطنين، وإحداث فوضي وشائعات، وتحرير المستشفيات محاضر شرطية ضد الأطباء.
وألمح المركز إلى تعارض القرار الجديد مع توجهيات وزارة الصحة السابقة بشأن العزل المنزل. جرى تحديد أطر ذك العزل وآليات صرف الأدوية لهم منزليًا. كما أن الوزيرة صرحت سابقا بأن إجمالي طاقة غرف الرعاية تشكل ٥٠% فقط في المستشفيات .
الرعاية المركزة مكتملة العدد
ويقول الدكتور هشام بدوي إخصائي الجراحة، إن أغلب الحالات الحرجة لا تجد مكانًا بغرف الرعاية المركزة. ولفت إلى أن الحالات الجديدة تنتظر لحين تحسن الحالات الموجودة بالغرف أو خروج حالة بالوفاة.
أما الطبيب أحمد حسين فيقول: “كان أولى أن تقوم الوزارة بعقد دورات للعاملين بمستفيات العزل الخاصة. بدلاً من هذا القرار الذي سيضاعف العبء على المستشفيات الحكومية”.
ويؤكد طبيب بمستشفى الغردقة العام، رفض ذكر اسمه، تلقيهم طلبًا لعمل محاضر إثبات حالة مريض كورونا الذي يصل المستشفى. وتحديد إن كان المريض يتابع العلاج منزليا أو بعيادة خاصة أو مستشفى خاصة، وتسجيل مضاعفات الحالة ودرجة وعي المريض.
خمسة حالات هي حصيلة المحاضر التي جرى تحريرها لإثبات حالة على مدار 24 ساعة”. يضيف الطبيب، الذي يشير إلى أن المستشفى طاقتها ممتلئة بغرف العناية المركزة، وكذلك العيادات الخارجية.
انتقد الطبيب القرار ووصفه بـ”المبهم” قائلاً: “احنا مجبرين والقرار غير مفهوم، هل سنطالب بتعويض أو بأي شيء، الإدارة في المستشفى أيضا مجبرة، لما سألناهم مش فاهمين ما الهدف”.
وأشار الطبيب إلى إن زملاءه بالدقهلية والغربية حرروا محاضر سواء في الأهل أو في الجهة حسب متابعتها للحالة. وتابع أن حالات كثيرة لا تستطيع استكمال علاجها بمستشفى خاص وتقوم بالانتقال إلى الحكومي.
قرار كارثي
وأكد الأطباء صحة الأمر الإداري المنشور. وقال الطبيب فتحي خضير عميد كلية طب القصر العيني جامعة القاهرة على ” فيس بوك”: “في صورة لخطاب من مدير مستشفي عزل حكومي منتشرة علي مواقع التواصل. يطلب من أطباء العزل في المستشفي التي يديرها بعمل محاضر شرطة لزمايلهم العاملين في القطاع الخاص. في حال حضر إلى المستشفى مريض يحتاج إلى رعاية مركزة، وكان يتعالج في القطاع الخاص. هذا يعني أن الأطباء يحررون محاضر في بعضهم البعض لدى الشرطة”.
وأضاف: “المريض الذي يُعالج في مستشفى خاصة أو منزلي يظل يتلقى العلاج هناك. ولا يفكر في الانتقال للحكومي؛ تفاديًا لعمل محضر شرطة في أطباء القطاع الخاص”.
ويشير خضير إلى أن الخطاب “كارثي” وينم على عدم احترام المهنة تمامًا. وتابع: “يا سيادة المدير طوارئ القصر العيني تستقبل يوميا ألف إلى ثلاثة آلاف مريض طوارئ، تخصصات مختلفة، معظمها محولة من مستشفيات حكومية وخاصة في كل أنحاء الجمهورية وقصر العيني المجاني بيستقبلهم وبيعالجهم بالمجان في مستشفي الطوارئ والأقسام”.