قبل نحو 41 عامًا، اعتاد الطفل شريف الدسوقي صاحب الـ 13 ربيعًا، من مواليد عروس البحر، لأب يعمل مديرًا لفرقة إسماعيل ياسين، أن يتواجد برفقة والده داخل المسرح، تعلَّق قلب الطفل بالمسرح وعشق الوقوف أمام الجمهور.

كان يقضي لياليه يحلم بالوقوف على خشبة المسرح، وينحني في أداء مسرحي ممتاز ليتلقى إشادة الجمهور. تأخر الحلم وغاب لعقود كاملة، لكن لم تهدأ نار الرغبة والشغف داخل قلب الطفل. وبعد مرور ما يزيد على 30 عامًا، تحققت الأمنية وأصبح شريف الدسوقي أيقونة ذات طابع خاص في عالم الفن بقائمة من الأعمال السينمائية والدرامية التي قدمها خلال السنوات الأخيرة.

شريف الدسوقي مسلسل بـ100 وش
شريف الدسوقي مسلسل بـ100 وش

استيقظ جمهور الفنان شريف الدسوقي (54 عامًا)، قبل يومين، على خبر تعرضه لأزمة صحية اضطر على إثرها لبتر قدمه خوفًا من تفاقم الإصابة.

وسبقت الأزمة، التي تشبه العاصفة، رياح شديدة أكدت أن القادم أسوأ، وأن ما يتعرض له “عم سباعي” ظلمٌ فج فاق كل الحدود. وكأن القدر كان يخبئ لمسيرته مأساة جديدة.

تفاصيل الإصابة

“كنا بنصور في الغردقة حوالي 6 أيام تصوير، وفيه شوت قعدنا فيه 4 ساعات، وكانوا بيجربوا فيه حاجة لأول مرة، وهي تشبه عملية مساج ماء البحر، فأنا بخبرتي في نزول البحر كوني من إسكندرية، قلت يا جماعة ده خطر، بخار البحر والملح وضخها بخراطيم هوا عشان تعمل مساج”، يقول شريف الدسوقي عن تفاصيل الإصابة التي لاحقًا غيرت مجرى حياته.

يواصل الدسوقي سرد اللحظة التي غيرت مجرى حياته: “بعد ساعة بدأت الناس تشعر بالاختناق، وبدأ الممثلون يشتكون من الأمر، لكن أنا لم أستطع استكمال العمل، وأصبت بحالة إغماء والبعض ظن أن جلطة أصابتني”.

لم يتعرض الفنان شريف الدسوقي إلى جلطة مثلما ظن البعض، لكن أصيب إصابة أكثر خطورة، يقول الدسوقي: “طلع لي خراج في رجلي وقتها وحسيت بتنميلة شديدة، وتطور الأمر إلى تدخل جراحي.. وكنت أتألم جدًا لو حد قرب ناحية رجلي من على مسافة 20 سنتيمترا حتى”.

 

عمل الدسوقي في كل مهن المسرح، بداية من فني الصوت وصولاً إلى فني خشبة مسرح. لكن عندما هُدم مسرح إسماعيل ياسين وغالبية مسارح الإسكندرية الصيفية، ترك مهن المسرح، واتجه للعمل بقصور الثقافة والفرق المستقلة منذ 1990.

بسبب معرفة شريف الدسوقي بكوادر التمثيل تبنّاه فنيًا أساتذة التمثيل بأكاديمية الفنون وجامعة الإسكندرية. التحق بعدة ورش للتمثيل والمسابقات الفنية، ودخل مسابقات في الهيئة العامة لقصور الثقافة. فيما كانت بداية الاحتكاك الاحترافي مع الفرق المستقلة عام 2004. وسافر وقتها إلى النمسا وألمانيا ودول المغرب العربي وقطر لاكتساب الخبرات من حضور الورش والدورات التمثيلية.

في التسعينيات، وجد الدسوقي طريقه نحو فن الحكي، يطوف معه المحافظات، يطل على الجمهور في المسارح ويروي قصاصات من هنا وهناك. ومع صعوده على خشبة المسرح كان يجذب الآذان والحضور.

متعدد المواهب

“يمكن وصف الدسوقي بالفنان متعدد المواهب، حكاء وممثل ومخرج مسرحي، أو كما يقول المثل المصري “سبعة صنايع والبخت ضايع”، عانى في مسيرته الأمرين وقدم مسيرة من العطاء لا مثيل لها”.. يقول أحمد شحاتة المخرج المسرحي وشاهد على بدايات الفنان شريف الدسوقي.

يقول شحاتة: “بداية علاقتي بالدسوقي كانت في مسرح شبرا الخيمة، عندما جاءت فرقة إسكندرانية إلى المسرح من أجل تقديم عروض وهناك التقيت لأول مرة الدسوقي، فكان حضوره طاغيًا، صامت وهادئ لا يتحدث كثيرًا، وعندما يبدأ في الحكي تجد نفسك أسيرًا له”.

تكريم شريف الدسوقي مهرجان القاهرة السينمائي
تكريم شريف الدسوقي مهرجان القاهرة السينمائي

استمرت العلاقة لـ3 عقود، يجمعهما الفن والشغف الخالص للمهنة، يقول شحاتة: “تأخر الدسوقي في الظهور، لكن عندما جاءت الفرصة كان حاضرًا فاقتنصها، عندما نال جائزة أفضل ممثل في مهرجان القاهرة السينمائي مثَّل ذلك نجاحًا لنا جميعا، يمكن أن ينجح أحدنا، أن يحقق حلمه ويصبح نجم شباك تتهافت عليه القنوات وشركات الإنتاج، ظننا أنه سيصاب بالغرور، إلا أننا وجدناه مثلما كان في التعسينيات”.

نجاح مغلَّف بالأزمات

منذ بزوغ نجمه خلال مشاركته في مسلسل “100 وش”، في دور سبعبع، وبدأ نجمه يعلو، إلا أن ما حدث عقب تلك المشاركة كان مفاجأة للجميع.

خرجت المخرجة كاملة أبوذكرى في تدوينة عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، لتشن هجومًا لاذعًا على أحد الممثلين أبطال مسلسل 100 وش، وصفته بالغرور والتكبر دون تسمية أحد بعينه، على الفور اتجهت الأنظار إلى “الدسوقي”، إلا أن الأخير خرج لينفي أن يكون هو الشخص المسئول.

لم تتوقف الشائعات عند هذا الحد، إذ تلقى اتهامات بتعاطي الخمور والوصول إلى مواقع التصوير وهو تحت تأثير الخمور وهو ما نفاه أيضًا، قائلاً: “أنا عمري ما رحت موقع تصوير وأنا مخمور، أنا من عائلة محترمة، والمسرح وموقع التصوير بالنسبة لي مكان مقدس مثل المسجد أو الكنيسة”.

الفنان شريف الدسوقي
الفنان شريف الدسوقي

الأمر الأكثر ألمًا، هو تداول شائعة تفيد بأن “الدسوقي” تم حجزه داخل إحدى المصحات النفسية لإصابته بمرض نفسي يحتاج التدخل السريع، إلا أنه كالعادة خرج ليؤكد عدم خضوعه لأي علاج نفسي، وعدم إصابته بمرض نفسي يستلزم احتجازه داخل مصحى نفسية، قائلاً: “لو الكلام دة صحيح، أومال الأفلام اللي أنا شاركت فيها مثلتها إزاي، كنت باخد إجازة وأرجع المصحة بعد ما أخلص تصوير”.

عندما سقط أرضًا بلكمة “بتر القدم” تسابق الجميع على تسجيل أسمائهم في قائمة المتعاطفين مع الدسوقي، وصرح منتجون ومخرجون بأنهم ينتظرون شفاءه العاجل، حتى يشارك في أدوار تناسبه بالأعمال القادمة.

ربما تكون تلك التجربة سقوط لالتقاط الأنفاس ومن ثمّ يفاجئ الدسوقي الجميع بأن “ثمة موهبة متكاملة الأركان، ولا ضير إن بات ينقصها قدم”.