في جنازة الفنان سمير غانم رحمه الله نقلت المواقع والقنوات لقطات لزوجي إيمي ودنيا في الجنازة ثم وهما يتلقيان التعزية، فانطلقت المنشورات عبر موقع التواصل الفيس بوك تتحدث عن السند، وعن نموذج الرجل الذي ينبغي لكل امرأة أن تتزوجه، وبين تلك المنشورات والمضادة لها والتي تكشف عن أن ما فعله الفنان حسن الرداد وعديله المذيع رامي رضوان هو سلوك اعتيادي في كل وقائع الموت والعزاء، وأنه طبيعي وبديهي أن يقف الرجل في عزاء حماه.
لكن هذه المباراة في ادعاءات السند ومحاولات الكشف عن كونه ليس كذلك، تكشف عن شرخ كبير في مشاعر كثير من النساء نحو الرجال وغياب لسلوك تسميه البعض سندًا.
ما هو السند؟
حسب ما يرد في قاموس عربي عربي، فإن السند هو الركن الذي يُعتمد عليه، وهو معنى ليس بعيدًا عن الدلالة الشعبية للمفهوم، ولذا فإن كل إنسان يمكنك الاعتماد عليه في لحظة أو موقف هو سند، وليس هناك سند مطلق باستثناء الوالدين عندما يكونا سندًا أحدهما أو كليهما، لكن لماذا تم احتكار السند في الرجل؟
وما هو حجم الحكايات التي تم بثها وتناقلها عن صور يسعى البعض لتعميمها حول الرجل ومدى دعمه؟
لدينا ميراث من التجاهل العمد أو خجلًا من إعلان سند المرأة للرجل، كثيرون لا يعلنون كون زوجاتهم أو والدتهم سندًا لهم، في مقابل قصص التخلي ذائعة الصيت من النساء عن رجال تخلين عنهن، فباتت قصص الإخفاق والانكسار تأكيدًا بصورة أخرى كون الرجل هو السند.
والواقع والتجارب تُثبت أن الدعم صفة وفعل إنساني غير مرتبط بالنوع بقدر ارتباطه بتنشئة وأخلاق ومدى إنسانية الفرد سواء كان ذكرًا أو أنثى، لكن تأصيلاً اجتماعيًا عمد إلى دفن الحكايات والمواقف الشاهدة بدعم النساء، فبات التصور العام منحصرًا في تشخيص الدعم قرين الرجال.
تُشبع قصص التخلي الخاصة بالعلاقات الزوجية تحديدًا كونها مرتبطة ببيت وعائلة، الخيال والسياق الاجتماعي لصب صور وأحكام جاهزة، في حين أن قصص التخلي بين الأصدقاء والأهل ليست بذات الانتشار، وبالرغم من أن غالبية القصص تأتي من مظلومية النساء، إلا أنه يتم بتر الجزء الخاص بدعم المرأة لزوجها في مقابل تكبير وإبراز دور التخلي الذي لعبه الرجل/الزوج فتنتهي الصورة إلى تأكيد سند الرجال، مع نزع اللقب من الزوج بطل الحكاية، والمرور دون وقفة لكل دعم النساء، وهو نتيجة لميراث الخجل من الاعتراف بجهد النساء، والذي يصل حد إخفاء اسم الأم واعتباره كشف عورة عند الكثير من الرجال، ويمتد لإخفاء اسم الزوجة التي يتم تلقيبها بالجماعة أو أم فلان أو مدام فلان في إشارة واضحة لتبعيتها للرجل.
والغريب في انتشار الأحاديث حول السند أننا في مجتمع تسعى غالبية نسائه للتخلص من السلطة الأبوية، فتبدو حالة مرتبكة عند كثير من النساء اللواتي يبحثن عن الدعم عند الذكور، وليس البحث عن الدعم بصورة عامة!
تذكير الصفات والمواقف هو من قبيل إيقاع الظلم بالرجل الذي نطالبه بصفات ليست ذكورية في أساسها، بل إنسانية في حين أن هناك سعي لدي الكثيرات للتخلص من سطوة الذكر وكأننا هنا ننظر للمرأة التي تطلب أن يكون الرجل سندًا، وفي نفس الوقت يكون لديها مشروعها الخاص بكلمة ساخرة “هو أنت مجنونة”؟
السند والدعم صفات يقدمها شخص قادر على فعله بغض النظر عن نوعه ذكر أو أنثى، وحين نجده علينا ألا نخجل من الإفصاح عن نوع مقدمه
أوقات التغير والتطور توازيها حالات ارتباك خاصة بالمفاهيم والرؤى وهي أمور مقبولة، ويمكن تفهمها في ظل مجتمع يعيد التفكير في آلياته وأدواره، ولذلك نحتاج دومًا لإعادة النظر فيما يخص المفاهيم الثابتة والشائعة.
السند والدعم صفات يقدمها شخص قادر على فعله بغض النظر عن نوعه ذكر أو أنثى، والسند حين نجده علينا ألا نخجل من الإفصاح عن نوع مقدمه، فلا يعيب الرجل أن تكون زوجته سنده ولا يعيب المرأة أن يكون زوجها سندًا لها.
ولا تنتفي الصفة عن نوع بينما تتأكد لنوع آخر، فأنا وغيري قد وجدنا الدعم من نساء ورجال، وجميعنا حدث معه ذلك، لكنه ومن قبيل المزايدة والانتشار نقوم بتكبير موقف عادي ومتكرر باعتباره أيقونة، فيسقط كل فرد خيباته عبر تأكيد أو نفي الفعل المنتشر.