انتهت وزارة قطاع الأعمال من إجراءات تأسيس شركة جديدة لتسويق وتجارة وبيع منتجات الغزل والنسيج، برأسمال 100 مليون جنيه. لتبدأ في مهمة تسويق المنتجات المحلية عالميًا بعد ابتكار علامة تجارية جديدة له بأيقونة مميزة شبيهة بـ”البراندات” العالمية.

تأسيس الشركة التي ستكون تابعة للقابضة للغزل والنسيج، جاء عقب إجراء تعديلات على تصميمات الملابس التي تصنعها الشركات الحكومية. في محاولة لمواكبة آخر صيحات الموضة العالمية واستقدام مصممين أجانب يراعون الجديد في رسوماتهم. حتى يخرج منتجًا صالحًا للجمهور الأجنبي في الأسواق المختلفة.

شركة الغزل لمنافسة البرندات العالمية

مشكلة التصميم الجيد كانت دائمًا الآفة المزمنة لقطاع المنسوجات المصرية. إذ لم يراع فيه التطورات العالمية. بينما لا يزال بعضها ينتج بنفس مواصفات الستينيات على مستوى الشكل والخامات. ما جعل الجمهور ينصرف عنها لصالح المنتجات التركية المنتشرة في المولات والسلاسل التجارية. إذ تتميز أيضًا بمعادلة سعرية أفضل.

ويبدو أن الحكومة فهمت الدرس جيدًا وأدركت أنه لابد من إدارة ملف تسويق الغزل المصري عبر شركة محلية. بعد فضيحة الاستعانة بشركة “بلسيان إنديا” الهندية لصناعة المنسوجات قبل سنوات لتسويق القطن المصري خارجيًا بقيمة 50 مليون جنيه. قبل أن يتبين أنها تسوق أنواعًا أخرى رديئة على أنها مصرية. تكرر الأمر مع شركة ولسبن الهندية أيضًا التي تحدثت عن استخدامها قطنًا مصريًا في إنتاج أغطية الفراش والوسائد.

غزل ونسيج المحلة

التسويق يسبق الإنتاج

يرى هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال العام، وهو قادم من القطاع الخاص وكان يدير شركة للسمسرة المالية “عربية أونلاين”. أن التسويق يسبق الإنتاج وفي مصر يحدث العكس. ففي التسويق والإنتاج يجري الاتفاق على تسعير الخدمة وهامش الربح. وتكون الشركة مُكلفة بإدارة وتسويق المنتجات، فهامش الربح سيكون قليلاً، وستجري زيادته بالإنتاج الكبير.

وظلت مصر رغم تاريخها في صناعة الغزل والنسيج لا تفكر في إطلاق معرض تجاري دولي للصناعات النسيجية في مصر حتى 2019. حينما قررت التعاون أخيرًا مع هيئة معارض فرانكفورت الألمانية الرائدة في المعارض الدولية. ما ضيّع الكثير من الفرص على المنتج المصري.

لايزال القطن المصري يحظى بصورة ذهنية جيدة عند المستهلك الغربي بحكم نوستالجيا الماضي. وأفلام كلاسيكية أمريكية قديمة تعتبره معادلًا للفخامة والرقي والثراء. وهي صورة يمكن البناء عليها من قبل شركة التسويق الجديدة. بشرط جودة المنتج ذاته، ومراعاة الأسلوب الغربي في التسويق وليس الطريقة المحلية في الإعلان. خاصة أن كثير من إعلانات الملابس المصرية الموجههة للسوق المحلية لا تتسم بالاحترفاية.

من المتوقع أن تملك الشركة الجديدة محلات تجارية في مولات غربية، وأن تدخل في شراكة مع وكلاء تسويق أجانب، وبائعين لتسويق منتجاتها. بالإضافة إلى أجنحة خاصة بدول العالم المختلفة من أمريكا اللاتينية إلى الصين، والمشاركة في جميع المعارض المتخصصة في ذلك المجال.

مصانع غزل

تجزئة السوق

قبل تدشين الشركة الجديدة، تبنى الوزير خطة لدمج شركات قطاع الغزل والنسيج البالغ عددها 22 شركة في 8 فقط. لضمان عدم التماثل في الإنتاج حتى لا تنافس بعضها البعض. مع تقسيم الأسواق بالنسبة لكل منها حسب الشهرة وجودة المنتج. لتوجهه 5 مصانع إنتاجها للسوق المحلية، والباقي سيوجه نشاطه صوب التصدير.

أنشأت الحكومة أكبر مصنع للغزل والنسيج في الشرق الأوسط بتكلفة تخطت 720 مليون جنيه في المحلة الكبرى. كما تبنت وزارة قطاع الأعمال خطة شاملة لإحياء شركات القطن والغزل والنسيج الحكومية. بتكلفة استثمارية تتجاوز 21 مليار جنيه.

كذلك تستهدف الخطة رفع الإنتاج من 22 ألف طن غزل سنويًا إلى 188 ألف طن. لكن ربما تواجه الحكومة حينها مشكلة نقص المساحات المزروعة قطنًا بسبب خسائر المزارعين المعتادة.

ويملك القطن المصري سمعة عالمية منذ أن انتعش مع الحرب الأهلية بالولايات المتحدة “1861 – 1865”. وما ترتب عليها من هبوط إنتاج القطن بأمريكا ما كان سببًا في زيادة إنتاجه وارتفاع أسعاره. لتقفز صادرات مصر من 596 ألف قنطار عام 1861 إلى 2507 ألف قنطار عام 1865.

ضربة السبعينيات

وظلت مصر تسهم بما يتراوح بين 45% و50% من إجمالي الناتج العالمي منها، تليها نحو عشرة دول منتجة لنوعية الأقطان الفاخرة. أهمها الولايات المتحدة الأمريكية والسودان والصين والهند وغيرها. لكن المساحة المزروعة تتقلص باستمرار منذ تبني الحكومة سياسات تحرير تجارة القطن عام 1994. رفعت أسعار المدخل الرئيسي للإنتاج وتسببت في الانخفاضات المتتالية لمحصول القطن على مدى أكثر من 15 عامًا. إلى أن وصل إلى نحو 2.15 مليون قنطار خلال 2008/2009 مقابل 4.5 مليون قنطار بالموسم السابق.

كذلك تعرضت الشركات العامة لضربة عنيفة في السبعينيات مع الانفتاح الاقتصادي الذي سمح بدخول القطاع الخاص في الصناعة. بالتزامن مع صدور قانون قطاع الأعمال العام وخصخصة الشركات الخاسرة. ما كبدها خسائر بلغت 33 مليار جنيه.

وأصبحت الصناعة لا تمثل سوى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، و27% من الناتج الصناعي و12% فقط من إجمالي الصادرات بـ3 مليارات دولار.

تواجّه المنتجات المصرية منافسة شرسة من قبل البضاعة المستوردة في مصر. إذ تصل قيمتها لنحو 10 مليارات جنيه فاتورة التهريب وفقُا لإحصائيات مصلحة الجمارك عن 2014. بينما يتحدث الكثير من أصحاب المصانع على أن 50% من المنتجات المعروضة بالسوق من الغزل والنسيج والأقمشة والسجاد غير مصرية.

وظلت مغازل الحلج وماكينات النسيج في مصر متقادمة تعود إلى الستينيات. قبل أن تتخذ الدولة خطة لتطويرها أخيرًا بتكلفة 20 مليار جنيه. بما يتماشي مع الدراسات والإحصائيات العالمية التي تؤكد أن مساهمة التقدم التقني في زيادة إنتاجية العمل في المنسوجات. تتراوح ما بين 80- 90% بينما كانت الزيادة في الإنتاجية نتيجة لزيادة رأس المال والقوى العاملة تتراوح ما بين 10- 20% فقط. ما يتطلب إدخال التكنولوجيا الحديثة لمجال صناعة الملابس بمصر.

غزل المحلة

30% من العمالة في 4000 مصنع حكومي وخاص

ويقول الدكتور فرج عبدالله، الخبير الاقتصادي، إن صناعة الغزل والنسيج ستظل من أهم الصناعات تأثيرًا في معدلات النمو الاقتصادي. كما أنه يتوقع لها مستقبلاً كبيرًا مع خطط تطوير الغزل والنسيج. ونشاط مدينة الروبيكي التي تمثل نحو 7% فقط من صناعة بمصر. كذلك تستهدف إنتاجًا يصل إلى 13 ألف طن.

ويعمل بصناعة الغزل والنسيج في الوقت الراهن ما يقرب من مليون عامل يمثلون نحو 30% من حجم العمالة في مصر. موزعين على 4000 مصنع حكومي وخاص. وفقًا لدراسة للاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين بعنوان “صناعة النسيج في مصر مشكلات مزمنة وحلول ممكنة”.

كذلك يشير عبدالله إلى التطوير الذي تشهده مصانع المحلة الكبرى بعد تدشين أكبر مصنع للغزل والنسيج. كما لفت إلى أن الدولة تسعى إلى إحداث طفرة كبيرة في مجال الغزل والنسيج وارتفاع معدلات التصدير. خاصة في ظل الإمكانات الصناعية الكبيرة التي تمتلكها مصر وسمعتها الجيدة على مستوى الصناعة.

كما يتطلب إنقاذ الصناعة حلولًا مقترحة منها الاستمرار في تجفيف منابع التهريب للمنتج الأجنبي. وتسجيل جميع المصانع المتهربة التي تؤثر بالسلب على المصانع المسجلة دافعي الضرائب وتخفيض نسبة التأمينات الاجتماعية. وإلزام المؤسسات والجهات الحكومية باستخدام المنتج الوطني وتشجيعه. ووضع سياسة ثابتة لزراعة القطن وزيادة المساحة المنزرعة من القطن قصير ومتوسط التيلة.

200 ألف فدان زيادة متوقعة

ورجحت لجنة تنظيم تجارة القطن بالداخل، التابعة لوزارة التجارة أن يصل حجم مستهدفات زراعة محصول القطن لعام 2021 إلى 200 ألف فدان. بإنتاجية تقدر بنحو 1.1 مليون قنطار قطن زهر بزيادة تقدر بحوالي 100 ألف قنطار على العام الماضي.

ويقول وليد السعدني، رئيس اللجنة، إن ارتفاع سعر القطن بنهاية الموسم الماضي بنحو 800 جنيه إلى 3 آلاف جنيه. سيدفع الكثير من الفلاحين لزراعة القطن في الموسم الحالي بعد انتهائهم من حصاد محصول القمح بالكامل مايو. موضًحا أن سعر القنطار يتحكم فيه البورصات العالمية. مرجحًا أن يبلغ 2450 جنيهًا في المتوسط خلال موسم 2021.

يظل نجاح شركة تسويق القطن المصري مرهونًا بجودة التصميمات وملائمتها للأسواق المستهدفة بالتصدير. وفوق ذلك كله جودة الصناعة المحلية ذاتها واستمرار توافر المادة الخام الممثلة في القطن الجيد. وتوفير سعر مرضي للفلاحين يضمن استمرارهم في الزراعة.