فازت رواية “دفاتر الورّاق” للأردني جلال برجس بالجائزة العالمية للرواية العربية “بوكر” في دورتها الرابعة عشرة 2021.
والجائزة العالمية للرواية العربية تعتبر مكافأة سنوية تختص بمجال الإبداع الروائي باللغة العربية. وأطلقت في أبوظبي عام 2007، وتقوم “هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة” الحكومية بدعمها ماليًا. لكن لم تحصد الرواية المصرية أيّ جائزة منذ العام 2009 عندما فاز عملين مصريين بالنسختين الثانية والثالثة على التوالي.
دفاتر الورّاق
تدور أحداث رواية “دفاتر الورّاق” ما بين الأردن وموسكو خلال الفترة بين 1947 و2019. وتروي قصة إبراهيم، بائع الكتب، والقارئ النهم، الذي يفقد كشك الكتب الذي يملكه، ويتحول إلى مشرّد في الشوارع بلا مآوى.
يصاب إبراهيم بالفصام، ويستدعي أبطال رواياته المفضلة، ويبدأ تنفيذ سلسلة من عمليات السطو والسرقة والقتل. وبعدها يسعى للانتحار قبل أن يلتقي المرأة التي تغير مصيره.
الدفاتر هنا مقصود بها مجموعة من الخيوط تتوزع بين إبراهيم وشخوص الرواية. وهم متقاطعون مع البطل، وتروي مضمون هذه الحكاية المؤلمة والمأساوية. تشبه رواية الصعاليك والمهمشين الذين طالما نظر إليهم بإهمال أو لا ينظر لهم أصلاً. يعيشون إلى جانب نمو طبقة متنفذّه فاسدة، أو كما يوصفون على حافة الحياة يفصلهم عن الموت شعرة.
تشير الرواية إلى أهمية البيت، وهو يرمز إلى الوطن وتلامس واقعاً صعباً ليس في الأردن فحسب، بل في المنطقة العربية بشكل عام.
تفوقت الرواية على خمس روايات أخرى في القائمة القصيرة النهائية وهي “الاشتياق إلى الجارة” للحبيب السالمي، و”الملف 42″ لعبد المجيد سباطة، و”عين حمورابي” لعبد اللطيف ولد عبد الله، و”نازلة دار الأكابر” لأميرة غنيم، و”وشم الطائر” لدنيا ميخائيل.
الذائقة عنصر فاعل
الأديب والروائي، عادل عصمت، يرجع سبب غياب الروايات المصرية عن جائزة البوكر لنحو عقد، إلى اختلاف أذواق اللجنة. ولفت إلى أن اللجنة المكونة من 5 أفراد، تجتمع لاختيار عمل معين، وفي حال تغيرت اللجنة يمكن اختيار رواية أخرى.
وأضاف عصمت، الذي كان مرشح ضمن القائمة القصيرة للجائزة نفسها عام 2019 عن رواية “الوصايا”: “أنا لست من مؤيدي إطلاق الشائعات أو تصدير المظلومية تجاه الجوائز الأدبية، خاصة أن رؤيتي للجائزة أنها ليست إضافة الكبيرة لمدى قيمة الروائي”.
وتابع أن “الجائزة الحقيقية للأديب هي أن يرى عمله حاضرًا في أذهان القراء، رغم مرور زمن على إصداره. على كل حال كثرة إنتاج الروايات في مصر دليل على أن الشعب المصري أكثر حيوية، واطلاعًا وقراءة”.
وأشار إلى أن “هناك العديد من الروايات المصرية التي تستحق القراءة، ما يدل على وجود إنتاجات مصرية قادرة على فرض سيطرتها على الساحة الأدبية في العالم العربي”.
لذلك يذهب إلى أن “الجائزة ليست معيارًا على جودة العمل الأدبي، ويجب ألا يتأثر بغيابهم عن الجوائز. فالجائزة الحقيقة هي ملك للقراء يمنحونها لمن يرونه يستحق”.
مصر تترك الريادة
مع انطلاق النسخة الأولى للرواية حققت مصر الريادة، وحصدت رواية “واحة الغروب” لبهاء طاهر جائزة البوكر فى 2008. وفي الدورة الثانية تكرر الأمر نفسه مع رواية “عزازيل” ليوسف زيدان في 2009. بعدها غاب المصريون عن الجائزة، حيث ترشّح بعضهم للقائمة الطويلة أو القصيرة دون أن يحصدها أحد على مدار عشر سنوات.
وفازت رواية “ترمي بشرر” للسعودي عبده خال بجائزة 2010. وفي عام 2011 تقاسم الجائزة رواية “القوس والفراشة” للمغربي محمد الأشعري، و”طوق الحمام” للسعودية رجاء عالم.
وحصلت رواية “دروز بلغراد: حكاية حنا يعقوب” لللبناني ربيع جابر على بوكر 2012. ثم حصدت رواية “ساق البامبو” للكويتي سعود السنعوسى جائزة 2013. وعام 2014 حصلت رواية “فرانكشتاين في بغداد” للعراقي أحمد سعداوي على الجائزة.
وتمكنت رواية “الطلياني” للتونسي شكري المبخوت على بوكر 2015. أما بوكر 2016 فكانت من نصيب رواية مصائر (كونشرتو الهولوكوست والنكبة) للفلسطيني ربعي المدهون.
وفي عام 2017 فازت رواية “موت صغير” للسعودي محمد حسن علوان. و2018 حصدت رواية “حرب الكلب الثانية” للأردني إبراهيم نصر الله على البوكر. أما بوكر 2019 فكانت من نصيب رواية “بريد الليل” للبنانية هدى بركات.
هل السياسة تعترض طريق الأدباء؟
في هذا الصدد، يقول الأديب حاتم حافظ إن الجوائز تختلف باختلاف الذائقة الأدبية لدى لجان التحكيم. واعتبر أن ذلك يحدث حتى في جائزة نوبل، لافتًا إلى أن الأدب صعب تقييمه في العموم وقياس جودته.
وأضاف أن لجان التحكيم تنحاز أحيانًا للتجريب وأحيانًا أخرى للموضوع، أو تكون لديها اعتبارات سياسية، وهو ما اعتبره أمرًا طبيعيًا.
وأوضح حافظ، لـ”مصر 360″ أن “حضور المصريين في الدورات الأولى وغيابهم لاحقًا، ليس مؤشرًا على جودة الرواية المصرية أو ضعفها”. ودلل على ذلك بأن “بعض الدورات منحت الجائزة لروايات لم تكن الأفضل. حتى القوائم القصيرة انحازت ذات دورة لأعمال (رائجة) وليست في جودة أدبية معقولة ومن بينها روايات مصرية”.
حاتم حافظ: حضور المصريين في الدورات الأولى وغيابهم لاحقًا، ليس مؤشرًا على جودة الرواية المصرية أو ضعفها
وتابع: “جائزة نوبل مثلاً – وهي الأكثر انضباطا حتى الآن- تمنح كتابًا مميزين للغاية ميدالياتها أحيانًا، لكنها تخطئ آخرين. لا يعني هذا أنها تمنح جائزتها لمن لا يستحق ولا تعني تجاهل من يستحق”.
وأردف: “أتمنى فقط عدم التفكير في المحاصصات السياسية أثناء اختيار أي عمل سواء في نوبل، أو في البوكر العربية”. وشدد على أن “الأدب المصري وصل في بعض حالاته لمستوى عالمي، وإبداع الكثير منه يفوق الروايات المترجمة”، واختتم بأن “سهولة النشر، وكثرة الأعمال، وغياب النقد، أضر بالالتفات الجاد للأدب الحقيقي”.
ظاهرة “البيست سيلر”
يدفع البعض بأن “ظاهرة التيك اواي ألقت بظلالها على جودة العمل الأدبي بشكل عام”. باعتبار أن “الكتب الرائجة تطغى على المشهد العام، والمكاسب المالية تقلل جودة العمل الأدبي. لذلك يطالب مثقفون بضرورة ضبط ميزان النشر والتسويق، فضلاً عن تبني المواهب والعمل على إثقالها وفتحخ آفاق آخرى لهم.
في هذا الصدد يرى حاتم حافظ، أنّ هناك فوضى تعم أوساط النشر بشكلٍ عام. لكنه يعتقد أن “أهم جهاز رقابة جودة في أي مكان هو النقد. على سبيل المثال في أمريكا يمكن لتقرير يكتبه صحفي ثقافي مخضرم أن يضع كاتبا شابا في مقدمة المشهد”.
وأضاف: “في مصر تقلصت مساحات الثقافة من الصحف والمواقع الإلكترونية والبرامج التلفزيونية، وهذا أفقد الكتابة الجيدة فرصتها للانتشار. لهذا فإن الأعمال الرائجة هي روايات التسالي، وهو ما أفسد مشهد الأدب المصري”.