للمرة الأولى من نوعها يقرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تشكيل لجنة للتحقيق في الجرائم. التي ارتكبتها إسرائيل على الأراضي الفلسطينية منذ أبريل الماضي، ويعلن البحث في “الأسباب الجذرية” للتوترات الأخيرة.
ولاقى القرار إشادة كبيرة لأنه يعتبر التوجه الأول للتحقيق في أفعال عضو داخل المنظمة الدولية المتمثلة في إسرائيل. التي بادرت بالرفض التام لذلك الإجراء الجاري اعتماده للتنفيذ على أرض الواقع.
تفاصيل قرار لجنة حقوق الإنسان وكواليسه
البداية عندما طلبت باكستان بوصفها منسقًا لمنظمة التعاون الاسلامي عقد جلسة طارئة لمجلس حقوق الإنسان. الذي تقرر خلاله تشكيل لجنة تحقيق دائمة لبحث جذور الجرائم الإسرائيلية. وما إن كانت ترقي لمستوى “جرائم الحرب” أم لا. على أن ترفع تقارير استقصائية بهذا الشأن تكشف حجم الجرائم ونتائجها.
وكشف القرار أن عمل اللجنة سيكون منصب على بحث أسباب التوترات الأخيرة التي أدت للصراع القائم على الأراضي الفلسطينية. ورفض التصويت عليه 14 دولة ممثلة. كذلك امتنعت 9 دول عن التصويت. بينما حاز القرار على قبول 24 دولة وتصويتهم بالموافقة على التحقيق. كما أصبح القرار قيد التنفيذ بعد تصويت الأغلبية.
وقالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ميشيل باشليه، إن اللجنة المشكلة ستبحث حقيقة الأسباب التي أدت للصراع. وما إن كانت وصلت لجرائم الحرب بالإضافة لبحث عمدية استهدافها للمدنيين واعتبارهم أهدافاً للقصف.
كما ستعمل اللجنة على البحث في مزاعم إسرائيل حول إيواء مباني المدنيين لمسلحين استهدفوا سلامها واعتدوا عليها. خاصة إنه حتى الآن لا يوجد ما يثبت ذلك، على أن تقوم اللجنة بتحري الأمر وارفاق التقارير اللازمة.
ترحيب فلسطيني ورفض إسرائيلي أمريكي
أكدت وزارة الخارجية الفلسطينية أنها ستسعى نحو الإسراع في تشكيل اللجنة المعنية بالتحقيق. كذلك طالبت المجتمع الدولي بتذليل العقبات التي قد تواجه عملها. كما رحبت بالقرار الذي اعتبرته خطوة نحو الأمام في حماية حقوق المواطنين الفلسطينيين.
يأتي هذا في الوقت الذي اعتبرت فيه الخارجية الاسرائيلية أن القرار لا يعبر سوى عن الفشل الأخلاقي. كما اعتبرته وصمة عار في جبين المجتمع الدولي والأمم المتحدة.
بينما كان الموقف الأمريكي رافضًا للقرار كما اعتبرته معرقلًا للتقدم في حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. كذلك أعربت الولايات المتحدة عن أسفها الشديد حيال قرار الأمم المتحدة علمًا بأنها لا تتمتع بحق التصويت فيه. بصفتها مراقب في مجلس حقوق الإنسان الأممي.
دلالات القرار وتأثيره.. وحقوقيون: لسنا خونة ولسنا عملاء
أكد المحامي الحقوقي نجاد البرعي، أن القرار مهم للغاية خاصة أنه جاء عقب تراجع في الملف الإسرائيلي. فالتحقيق في الجرائم الإسرائيلية جاء للمرة الأولى. ليكشف أنه بالقليل من التنسيق بين المنظمات الحقوقية يمكن تحقيق مكاسب كبيرة على أرض الواقع.
وأضاف البرعي أن الأمر أصبح يتطلب العمل على تنفيذ القرار بتدخل من الدول العربية. والضغط من قبل حكوماتها حتى لا يتحول القرار لحبر على ورق. كذلك اعتبر أن التجارب أثبتت أن المنظمات الحقوقية تعمل بشكل مهني ومجرد لصالح القضية الفلسطينية.
الأنظمة الخائفة
ولفت إلى أن الترويج للقرار الذي وصفه بـ”المؤثر” لن يلقى قبولًا واسعًا في الكثير من الدول العربية التي تروج ضد منظمات حقوق الإنسان. إذ أنهم يخافون من تأثير تقاريرها الأخرى مستقبلًا. هربًا من خلق مناخ يقبل تقارير هذه المنظمات في ملفات أخرى. وعلى رأسها الحريات لن يتم الترويج أو الإشادة بهذا الموقف المشرف للمنظمات الحقوقية الدولية.
وعلق البرعي أمل كبير في الترويج الإيجابي على الإعلام البديل لامتلاكه القدر الأكبر من الحرية في التعبير الداعمة لتغيير الصورة. تلك التي تسعى الكثير من الحكومات لإلصاقها بمنظمات حقوق الإنسان. بينما اعتبر أن المشهد سيتغير قريبًا في هذا الصدد.
وأضاف المحامي الحقوقي أنه في حال وقوف إسرائيل وامتناعها عن إتاحة فرصة التحقيق فيما ارتكبته من جرائم في حد ذاته. سيظهرها في ثوب الدولة المارقة ويدحض تمامًا ما سعت جاهدة لإشاعته عن ديمقراطيتها المصطنعة. كما سيكشف وجهها القبيح في حقوق الإنسان، ولكن القرار بالفعل يحتاج لتكاتف لتحقيقه على الأرض.
قرار محل ترحيب في الداخل الفلسطيني
من ناحية أخرى، اعتبر الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس المفتوحة أن القرار خطوة مهمة ومرحب بها في الداخل الفلسطيني لكنه يأمل أن يتمكن المجتمع الدولي من اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد إسرائيل.
وأضاف الرقب أن قرارات مجلس حقوق الإنسان والمنظمات الدولية ستصطدم مع الفيتو الذي تمارسه أمريكا في التعامل مع هذه القضية. وما ينتج عنها من قرارات دولية داعمة. كما أشار إلى أنها ستتحالف مع إسرائيل على منع المؤسسات والمنظمات الحقوقية من التواجد في الداخل الفلسطيني. لدراسة الموقف والتحقيق في الجرائم الإسرائيلية التي ارتكبت مؤخرًا وهو ما حدث في السابق في التعامل مع قضية جدار الفصل العنصري. كذلك 86 قرار صادر عن مجلس الأمن ونحو 250 قرارًا مشابه للجمعية العامة للأمم المتحدة.
معتبرًا أن هذا القرار وغيره من الحراك العربي يعبر عن حالة من الوعي بأزمة الشعب الفلسطيني وقضيته التي أعادتها الأحداث الأخيرة للحياة.
قرار تاريخي
ووصف دكتور صلاح سلام، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان القرار الصادر عن الأمم المتحدة بـ “التاريخي”، مشيدًا بالطرح الذي قدمه السفير المصري في جنيف والذي تمكن به من الحصول على موافقة الأغلبية. بل وجعل المفوضية السامية نفسها تؤكد أن ما تفعله إسرائيل بالداخل الفلسطيني قد يرقى لجرائم الحرب ويستوجب التحقيق بشأنه.
واعتبر أن رفض إسرائيل لن يكون له التأثير الأعظم في التقرير المرتقب صدوره. في ظل الدور المتوقع من رئيس مفوضية حقوق الإنسان الفلسطينية. والذي أعد بالفعل ملف كامل يشتمل على تفاصيل القتلى والبالغ عددهم نحو 248 شهيدًا .وتتجاوز نسبة المدنيين منهم 90%. ورغم توقع اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية وحيلولتها دون تنفيذ القرار. إلا أن التقرير الذي ستعمل اللجنة على تنفيذه سيرفع لمجلس الأمن ويطلب بعد ذلك اللجوء للجنائية الدولية.
كذلك أشار إلى أن أهم ما يميز القرارات الأخيرة أن هناك اتفاق شبه كامل بين المنظمات الدولية على إدانة إسرائيل بشكل واضح في أعمال العنف الأخير. والتي ترقى لجرائم الحرب. كما لفت إلى أن أقل مكسب متوقع على المدى الطويل هو تحجيم حركة القيادات الإسرائيلية ومنعهم من التنقل بقرار الجنائية الدولية.