بعد هدنة مع الأزمات، عاد دير الأنبا مكاريوس بوادي الريان ليتصدر ساحة الجدل الكنسي مرة أخرى، بعدما استيقظ رهبان الدير على معدات وزارة البيئة وقوة شرطية تعمل على ضم مزرعة تبلغ مساحتها ألف فدان متاخمة لأراضي الدير بينما اعترض رهبان الدير تلك المعدات مما تسبب في إلقاء القبض على عدد منهم، وفقا لما أكدته مصادر من بين الرهبان.

أحد رهبان دير الأنبا مكاريوس قال، في تصريحات خاصة، إن الخلاف بين الدير وبين وزارة البيئة على المزرعة البالغ مساحتها ألف فدان وليس أراضي الدير نفسه البالغة 3 آلاف فدان، إذ تم الاتفاق عام 2017 على تقنين وضع الدير الذى لم ينل الاعتراف الكنسي من لجنة شؤون الأديرة حتى اللحظة الراهنة ولكنه موضوع تحت إشراف لجنة باباوية تمهيدا للاعتراف به.

الراهب أوضح أن الاتفاق الذى تم عام 2017 بين الدير ووزارة البيئة يقضي بتأجير الأرض حق انتفاع مقابل مبلغ سنوي هو 4 ونصف مليون سنويا تسدد لوزارة البيئة المالكة للأرض باعتبار الدير يقع ضمن نطاق محمية وادي الريان الطبيعية، إلا أن الدير لم يسدد مليما واحدا منذ عام 2017 حتى الآن مما دفع الوزارة للاستيلاء على أراضيها مرة أخرى.

الراهب أشار إلى أن معدات وزارة البيئة هدمت بعض المنشآت المقامة داخل المزرعة مثل كنيسة وقلالي بعض الرهبان كانت قد أقيمت قبل توقيع الاتفاق مع الوزارة عام 2017.

ولفت إلى أن أزمة الراهب بولس الرياني الذى تم سجنه ثلاث سنوات قد تكرر مع الرهبان الذين تم إلقاء القبض عليهم اليوم.

التطور الزمنى لأزمة دير وادى الريان

 

تقع أرض دير وادى الريان تقع ضمن نطاق محمية وادى الريان الطبيعية بالفيوم، وقد كانت ضمن الأماكن التى خرج إليها القمص متى المسكين ليعيش حياة الرهبنة مع تلاميذه فى الستينيات قبل أن يغادرها بسبب الفقر الشديد ويذهب لدير السريان بوادى النطرون حتى يستقر به المقام أخيرا فى دار الانبا مقار، ومن ثم فإن مؤسس هذا التجمع الرهبانى هو القمص إليشع المقارى أحد التلاميذ المقربين لمتى المسكين وقد توفى قبل شهور فى أحد مستشفيات العلاج بالخارج.

تتبع تلك المنطقة التى أقيم عليها الدير وزارة البيئة إذ تقع فى نطاق محمية وادى الريان الطبيعية، وبجهود مكثفة من هؤلاء الرهبان تمكن أحدهم من اكتشاف بعض الأوانى الرخامية وبعض القلايات الرهبانية التى تدل على وجود حياة رهبانية فى تلك المنطقة يعود تاريخها للقرن الرابع الميلادى، وهو ما مكن هؤلاء الرهبان المكتشفون من نيل اعتراف وزارة الآثار  رسميًا بوجود دير قبطى يعود تاريخه إلى القرن الرابع فى نفس المنطقة الجبلية الصحراوية.

وحصل رهبان الدير على وثائق ومستندات تفيد ذلك من وزارة الآثار، بعدما تمكن أحدهم وهو دارس لعلم الآثار من اكتشاف حفريات أثرية وأدوات فخارية ومقابر ومغارات تعود للقرن الرابع تدل على وجود حياة رهبانية بالمنطقة، قبل أن تتحول مع تطور الزمن لمحمية طبيعية.

فى عام 2014، قررت الدولة شق طريق دولى يمر بدير وادى الريان (الدير المنحوت) وهو ما يستلزم هدم بعض مبانيه، مما دفع الدولة إلى توسيط الكنيسة للبحث عن حل ودى مع الرهبان الذين انقسموا إلى فريقين تبادلا إطلاق النار.

وتجددت الأحداث مرة أخرى عام 2016، بعد مبادرة قادها الأنبا إرميا الأسقف العام، والمهندس إبراهيم محلب مستشار رئيس الجمهورية، لشق الطريق مع الحفاظ على مبانى الدير وبناء سور له، وهو الأمر الذى أعاد حالة الانقسام بين صفوف الرهبان مرة أخرى حتى انتهى الأمر بإلقاء و قوات الأمن القبض على الراهب بولس الريانى أحد المعارضين لشق الطريق، وتنفيذ حكم محكمة فيه بعد أن تعدى على موظفى وزارة البيئة وألحق أضرارا بمعداتهم.

 

بعد وساطات من جهات متعددة، انتهت الأزمة وشقت الدولة طريق الفيوم الدولى مارا بالدير بعد أن تم إعادة تقسيمه مرة أخرى وهدم جزء كبير من سوره العملاق، ثم قرر البابا تواضروس تقنين الأوضاع فى هذا الدير وأسند للأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا مهمة الإشراف عليه تمهيدا لاعتراف الكنيسة به.

وبعد جهود واجتماعات وزيارات انتهت مهمة الأنبا مكاريوس فى تلك المرحلة وعاد الدير لإشراف الانبا إبرام مطران الفيوم أقرب الأساقفة جغرافيا لموقع الدير الذى يقع فى مركز يوسف الصديق بالفيوم. وقد كان الأنبا آبرام مشرفا عليه قبل أن يتولى الأنبا مكاريوس تلك المهمة.

عام 2019 عمل الأنبا إبرام على رسامة رهبان الدير ومنحهم رتب شماسية وتدشين كنيسة الدير الكبرى التى تحمل اسم القديس الأنبا مكاريوس مما يعني أن الدير كان في طريقه لنيل الاعتراف الكنسي قبل أن تتجدد الأزمة مرة أخرى اليوم.

شروط الاعتراف بالدير وفقا لإجراءات الكنيسة

هناك خمسة شروط يجب توافرها للاعتراف كنسيًا بالدير، أولها أن يكون هناك تجمع رهبانى يسكن منطقة معينة، وأن تكون له أرض مملوكة قانونيًا للدير، وأن يكون هناك مدبر روحى وإدارى مشرف على المكان من قبل الكنيسة، وأن تكون هناك لجنة بابوية، أى لجنة مجمع المقدس، الخاصة بشؤون الأديرة والرهبة، وهى تختص بدراسة المكان، وتصرح بعدها هل المكان يصلح أن يكون ديرًا أو لا، وآخر شرط، عرض هذه الخطوات والمراحل على المجمع المقدس ليحصل على تصريح واعتراف بالدير من عدمه.

الصفحات المناهضة للبابا تعود لتأجيج الرأي العام

بينما عملت الصفحات المناهضة للبابا تواضروس على تأجيج الرأي العام القبطي ضده بعد تجدد أزمة الدير مرة أخرى. وبدأت في اتهامه بالتفريط في حق الرهبان وعدم تقديم الحماية الكافية لهم بينما تبدو الأزمة قانونية وتكمن في عدم سداد الدير لمستحقات وزارة البيئة وحق انتفاع الأراضي لمدة وصلت إلى خمس سنوات متتالية