تحكي صديقة في منشور لها على فيسبوك أن ابنها كان سعيدا بعد انقضاء إجازة عيد الفطر بما جمعه من عيديات، وكان يفكر متحمسًا بأن يشتري بها رصيدًا في لعبة يلعبها أون لاين، ثم تقول إنها تحدثت معه عن أنها ستتبرع ببعض المال لفلسطين، ولم تطلب منه أي شيء أو تلمح حتى بذلك، بعد عدة ساعات -وعلى ما يبدو أنه قضى هذه الساعات في التفكير في كلام أمه-جاءها يخبرها أنه سيتبرع بثلث عيديته وبالباقي سيشتري رصيدًا للعبته، كانت فخورة جدًا به وأرجعت ذلك لأنها تحدثه كثيرًا عما يحدث في فلسطين مؤخرًا وعن تاريخ احتلالها.

اقرأ أيضًا.. في الفالنتين.. 6 أسباب ليقول لك إنه يحبك ليس من بينها الحب

فيما بعد، غرد الفنان سيد رجب على تويتر بصورة له مع حفيدته وكتب: “أول حدوتة أنا وحفيدتي.. القدس عاصمة فلسطين” ثم علم فلسطين وقلبًا.

منشورات كثيرة تحدثت عن الأطفال الذين كانوا يسألون آبائهم وأمهاتهم عن الصور التي يرونها في نشرات الأخبار وعلى فيديوهات تظهر أمامهم على “فيسبوك” و”تيك توك”.. بدأ الآباء والأمهات في الحكي.. وبدأ الصغار يتفاعلون بالتعاطف والحماس والغضب، فانطلقت بداخلي عدة أسئلة: كيف نخبرهم عن فلسطين؟ وماذا نخبرهم؟ والأهم: لماذا نخبرهم؟ هل هناك جدوى حقًا أم ان فلسطين تستحق أن نمنحهم هم الجيل القادم: الأمل.

طفلة في غزة

لماذا يجب أن نخبرهم؟

ببساطة يجب أن نخبر التاريخ، أن نحكي للقادمين وأن نُذكر أنفسنا حتى وإن كنا فاقدي الأمل، أو محبطين أو فاقدي الهمة والطاقة، فالحكي أمانة والتاريخ يجب أن يُورث، نفعل ما علينا ونقول ماذا حدث؟ ثم نترك لهم حرية التجربة وحرية الأمل وقرار الاشتراك أو الابتعاد.

كذلك يجب أن نخبرهم لأن مناهج التعليم لا تخبر الكثير، فيمر فصل تاريخ مصر الحديث مرورًا كريمًا بوعد بلفورد ثم الحرب العالمية الأولى ثم بحرب 1948 وهزيمة الجيوش العربية، وفقط.. فكيف ستعرف الأجيال عن تاريخ الاحتلال والتهجير والمذابح والمستوطنات وسفن شحن المحتلين التي كانت تعبأ من كافة أنحاء العالم وتصب على شواطئ فلسطين لتصنع شعبًا دخيلًا محتلًا سيء الأعراق؟ كيف سيعرفون وهم لم يشهدوا الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية والحروب على قطاع غزة في 2008، و2012، و2011، كيف سيعرف وهو لم يخرج في مظاهرات من جامعة القاهرة أو عين شمس لدعم القضية الفلسطينية ولم يحرق علمًا لإسرائيل.

لذا، فنحن مدينين له بأن يعرف، خاصة وأن معظمهم رأى فيديوهات كثيرة مؤخرة لضحايا وشهداء أحداث حي الشيخ جراح والتي شملت فيما بعد قطاع غزة، هم شاهدوا بالفعل مقاطع على “تيك توك” وفي نظرات سريعة على أخبار محطات التلفزيون، وبعض منشورات “فيسبوك”، فيجب ألا نتركهم فريسة سهلة أمام أفكار أو وجهات نظر تشوه الواقع وهو سهل أن يحدث وسط كل هذه المواقع المنفتحة أمام العالم فمن المتوقع جدًا أن يجد فيديو يسيء للمقاومة الفلسطينية أو أن يستمع لرأي أحد ما عن حق إسرائيل في “الدفاع” عن نفسها. وتستطيع إسرائيل فعل ذلك ببساطة بدفعها أموال لتحسين صورتها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي يجب علينا أن نتحمل كآباء الجزء الكبير في أن نعرف أبنائنا الحقيقة.

ماذا يجب أن نخبرهم؟

إن فلسطين أرض عربية، هذه هي الحقيقة التي يجب أن يدور حولها الكلام، ولكن قبلها يجب أن يعرفوا عن الأماكن المقدسة ولماذا هي مقدسة وما أهميتها ونتطرق في الحديث إلى المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وحائط البراق وكنيسة القيامة واهميتهم بالنسبة للفلسطنيين سواء مسلمين أو مسيحيين، بعدها نبدأ في الحكي انطلاقًا من الأحداث الأخيرة، وكيف أنها ليست المرة الأولى التي يقع فيها قطاع غزة تحت القصف والعدوان الإسرائيلي، ونبدأ في حكاية لماذا يسكن معظم الفلسطنيين في قطاع غزة وكيف تم تهجيرهم من بيوتهم وأراضيهم.

تقول دعاء عادل أم لطلفين، يوسف 12 سنة وملك 8 سنوات: “أنا أحكي لهم عن نضال الفلسطنيين من زمان من قبل الأحداث الأخيرة، ولم أخبرهم ماذا حدث مرة واحدة بل على مراحل كلما جاءت مناسبة أو سيرة أقول معلومة جديدة، ومعرفاهم أن اسرائيل عدو، لدرجة أن ملك في مرة متخانقة مع يوسف فجت وقالت لي إلحقي يا ماما يوسف شكله بيتبرع لإسرائيل عشان تحسسني قد إيه هو شرير.. ولما شافوا الأحداث الأخيرة والأخبار اتأكدوا من اللي كنت بأقوله والحكايات اللي كنت بأحكيها” وتكمل دعاء فخورة بابنها: “كان فيه استفتاء عاملاه جوجل عن “نضع اسم فلسطين ولا إسرائيل على الخريطة” يوسف دخل وعمل التصويت على فلسطين، وكان فيه برضة التصويت بتاع فيسبوك وعمله بنفس الرأي”.

أطفال فلسطينيون

ماذا كانت تخبرهم؟ تقول دعاء إنها قالت لهم إن إسرائيل احتلت أرض الفلسطنيين وحاولت تبسيط معنى الأحتلال فقلت لهم: تخيلوا نكون قاعدين كدة في بيوتنا وحد ييجي يطلعنا من بيتنا ويقول ده بيتي أنا، ده اللي عملوه فيهم..” وهو بالفعل ما حدث للعائلات التي أجبرت على الخروج من منازلها وإلا يحرقونهم في المنازل أو يهدمونها عليهم.

يجب أيضًا أن نركز على عدة نقاط ونحن نتحدث مع صغارنا:

– فلسطين محتلة: كل الأراضي قبل 1948 وبعدها في عام 1967 هي أرض عربية فلسطينية ومحتلة.- الفلسطنييون لم يبيعوا أرضهم: هذه المقولة ترتكز عليها إسرائيل كثيرًا لدعم موقفها وتبرير وجودها ونجحت بها في صنع وجهة نظر يتبناها للأسف الكثيرين من العرب، لذا يجب أن نقرأ كثيرًا في تاريخ تهجير الأسر ومذابح القرى التي كانت ترتكبها العصابات الصهيونية بهدف إبادة قرى كاملة ليسهل احتلالها وبناء بيوت عليها ولضمان عدم عودة أهلها أو أبنائهم للمطالبة بحقهم في الأرض والبيوت وتوزيع الانتداب البريطاني لبعض هذه الأراضي على الإسرائيلين.. ثم نعيد صياغة ما قرأناه بشكل مبسط لأبنائنا.
– تاريخ نضال الشعب الفلسطيني والانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية والمقاومة والمطالبة بالحق في العودة، ودور مصر في دعم الفلسطنيين.
– ليس هناك مشكلة مع اليهود الذين عاشوا في فلسطين قبل الأحتلال بل الصراع مع المحتل الإسرائيلي.

كيف نخبرهم؟

*أفضل الوسائل التي تجذب الأطفال خاصة في عمر قبل العشر سنوات هي الحكايات، لذا يجب أن نقرأ جيدًا في تاريخ الاحتلال والنضال ثم نعيد ترجمة ذلك في قصص جذابة للأطفال.

*من المفترض أن تكون الكتب وسيلة من وسائل المعرفة لكن بالنسبة للأطفال فلا يوجد كتب خاصة موجهة لهم عن تاريخ فلسطين.. ربما في سن المراهقة من الممكن الاستعانة بموسوعة عبدالوهاب المسيري أو الموسوعة الفلسطينية، ولكن هناك كتب قليلة للأطفال مثل: كتاب “البيت”، عن دار الفتى العربي، كتاب “أريد أن أكون سلحفاة”، عن دار شجرة، كتاب “طيارة الحرية”، عن دار المعارف.

*أصبح الأطفال -خاصة في بداية مرحلة المراهقة- مرتبطين بهواتفهم وبمواقع يوتيوب وتيكتوك، فمن الممكن استغلال ذلك بمشاركتهم بعض الفيديوهات ولكن يجب الحذر من الفيديوهات التي بها مشاهد دماء وعنف، هناك أيضًا على يوتيوب عدة فيديوهات ” كارتون” تحكي للأطفال عن فلسطين، فالعامل البصري مهم للأطفال ولكن يجب أن نشاهدها قبل أن ارشحها لابني أو لابنتي.

*الثقافة الفلسطينية جميلة ومن الممكن أن أعرفهم عن رقصة الدبكة الفلسطينية والصناعات اليدوية وأكلاتهم عن طريق الفيديوهات أيضًا.

* عن طريق الألعاب: من الممكن ان أصنع أحجية/بازل لخريطة فلسطين، أطبعها ملونة وأقسمها للمدن بكل لون وتصبح لعبة من خلالها أحكي عن فلسطين قبل الاحتلال.

* طباعة ألفبائية فلسطين، لمحيي الدين اللباد عام 1986 عن دار الفتى العربي، وتعليمها للأطفال(1)

* رسم وطباعة صور للمسجدين الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة حتى يتعرف عليها الأطفال، مع ملاحظة أن صور مسجد قبة الصخرة يتم تداوله على أنه المسجد الأقصى، ويجب أن نعرف الفارق في الشكل والأهمية التاريخية.