تبعث التوترات السياسية والميدانية في العراق مؤخرًا، بمخاوف عديدة، لا سيما مع الترتيبات القائمة بخصوص الانتخابات التشريعية أكتوبر المقبل. إذ أن عمليات الاغتيال الدموية التي تقوم بها الفصائل المسلحة والمجموعات الولائية، عاودت الظهور والتكرار، ضد الناشطين والصحفيين.
ويضاف إلى ذلك تهديد عدد من المرشحين للضغط عليهم وإرغامهم على التراجع. وتسبب ذلك في إعلان عدد من القوى والتيارات السياسية الانسحاب من الاستحقاق الانتخابي. وبلغ عدد تلك القوى 17 حركة وحزب، أعلنوا رسميًا عدم انخراطهم في المنافسة الانتخابية. حيث رفضت بحسب بيانها الرسمي “إجراء انتخابات ما دام السلاح منفلت والاغتيالات مستمرة”.
الانسحاب من الانتخابات بعد مقتل إيهاب الوزني
كما أعلن النائب في مجلس النواب فائق الشيخ علي انسحابه من الانتخابات التشريعية. وغرد عبر حسابه الرسمي في موقع “تويتر”: “بعد اغتيال الشهيد إيهاب الوزني أعلن انسحابي من الانتخابات النيابية”. ودعا “القوى المدنية وثوار تشرين إلى الانسحاب أيضًا والتهيؤ لإكمال الثورة في الشهور المقبلة ضد إيران وميليشياتها القذرة”.
وتابع: “لا خيار أمامنا غير الإطاحة بنظام القتلة المجرمين. عاش العراق، عاش الشعب”.
يتفق والرأي ذاته، حسين الغرابي مؤسس “الحركة الوطنية للبيت العراقي”، إحدى القوى السياسية التي تشكلت داخل حراك “تشرين”. وقال: “قرررنا تبني معارضة النظام السياسي وممانعة إجراء الانتخابات حتى يتسنى لنا معرفة قتلة شهداء تشرين وبالأخص إيهاب الوزني”.
وإثر الاستعراض العسكري لعناصر “الحشد الشعبي” المدعوم من إيران وسط بغداد في المنطقة الخضراء التي تتواجد فيها الحكومة العراقية. كذلك مقر البعثات الدولية وسفارة الولايات المتحدة، أكد وزير الدفاع العراقي، جمعة عناد، أن أسلحة الفصائل المسلحة لن تخيف الدولة. كما شدد على رفض إطلاق سراح قاسم مصلح القيادي في الحشد الشعبي في محافظة الأنبار. والذي جرى أوقف لتورطه في اغتيال الناشط إيهاب الوزني، وإطلاق صواريخ على منشآت عراقية وقوات التحالف.
لا تأجيل لـ”الانتخابات”.. البعض يفسر سكوت الدولة خوفًا
وقال الوزير العراقي إن “القائد العام للقوات المسلحة دائمًا ما يشدد على ضرورة الاحتواء وعدم إراقة الدماء. لكن البعض يفسر سكوت الدولة خوفًا إلا أن تغليب مصلحة البلد هي الأولى. كون الموضوع يصبح خطيرًا في حالة حدوث قتال ما بين جيش الدولة والحشد التابع للدولة أيضًا”.
وأردف: “استخدام ثقافة لي الأذرع، لاسيما وأن الفصائل المسلحة لا تمتلك سوى عجلة لا تستطيع إخافة دولة أو جيش. لكن قدرات الدولة حاليًا تفوق قدرة النظام السابق في تسعينيات القرن الماضي”.
وأثناء المؤتمر السنوي الرابع للمنظمات المدنية، شدد الرئيس العراقي برهم صالح، على ضرورة نبذ كل ما يمس أمن وسيادة الدولة. أو يهدد شرعية النظام السياسي. كما ألمح إلى رفضه الاستعراض التي قامت به العناصر المسلحة التابعة لـ”الحشد” على خلفية احتجاجاهم لاعتقال القيادي في التنظيم.
الانتخابات في موعدها
كذلك أكد أن من بين مهام الحكومة الحالية إجراء الانتخابات النيابية، موضحًا أنه “لا يمكن التسويف بإجراء الانتخابات في موعدها”.
وفي النصف الثاني من الشهر الحالي، قال الجيش العراقي إنه “وفق المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب ألقت قوة أمنية القبض على المتهم قاسم مصلح. وجاري التحقيق معه من قبل لجنة تحقيقية مشتركة في التهم الجنائية المنسوبة إليه وفق السياقات القانونية”.
وعقب الأحداث التي شهدتها بغداد، عقدت الرئاسات الأربع اجتماعًا عاجلاً، لمناقشة وبحث الأوضاع السياسية والأمنية المنفلتة. كما أوضحت في بيان: “الاضطراب الأمني يعرض الاستقرار للخطر. ما جرى (أي الاستعراض العسكري للحشد الشعبي)، يستدعي حضورًا فاعلاً لموقف القوى السياسية المختلفة. للتصدي لهذا التصعيد. كذلك دعم الدولة في حصر السلاح بيدها لوأد الفتنة، واتخاذ مواقف موحدة وجادة وحاسمة لتدارك الأزمة”.
خطوة في منتهى الحساسية
وطالب البيان بضرورة “احترام القرارات الصادرة عن القضاء واحترام إجراءات مؤسسات الدولة في المساءلة القانونية. وعدم التعرض لقرارات القضاء خارج الأطر الدستورية. والالتزام بالإجراءات والسياقات القانونية حَصرًا، من أجل إعلاء سيادة القانون. ومبدأ المواطنة في دولة حامية لشعبها وضامنة لحقوق جميع المواطنين بلا تمييز”.
وفي حديثه لـ”مصر 360″، يشير الباحث العراقي، منتظر القيسي، المتخصص في الشؤون الأمنية والسياسية، إلى أنه في النصف الثاني من الشهر الحالي. أصدرت الحكومة مذكرة توقيف بحق قائد العمليات في الحشد الشعبي قاسم مصلح. وهي خطوة في منتهى الحساسية، لا سيما وأنه متورط في عمليات عنف عديدة. من بينها اغتيال الناشط العراقي. كذلك إطلاق الصواريخ التي تستهدف المنطقة الخضراء.
ويضيف القيسي: “قائد العمليات في الحشد الشعبي شخصية مؤثرة ومهمة داخل الحشد، ويلعب أدواراً في منتهى الدقة والخطورة. ليس فقط على مستوى الأمور العملياتية والأمنية. لكنه كذلك من العناصر القيادية التي سهلت على الحرس الثوري وضع قبضتها على الحدود العراقية السورية. عبر وكلائها المحليين من الميلشيات التي تحظى بدعمها مثل كتائب حزب الله”.
رسالة للولايات المتحدة
ولذلك من المنطقي أن تخرج العناصر الأمنية التابعة للحشد لصناعة هذا المشهد العسكري المنفلت. حيث إنها رسالة للولايات المتحدة قبل أن تكون محاولة للضغط أو تخويف الحكومة العراقية. خاصة مع الأخذ في الاعتبار أن القيادي في الحشد تم حبسه في مقر “قيادة العمليات المشتركة في العراق”. بالقرب من قوات التحالف وحلف شمال الأطلسي.
وعليه طلب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تشكيل لجنة تحقيق في الاتهامات المنسوبة للقيادي المعتقل. كما وجه بالتحقيق في ما حدث من قبل مجموعات مسلحة، اعتراضاً على هذا التوقيف. ووصف الأمر بأنه “انتهاك الخطير للغاية للدستور”.
كما أمر بـ”تحريك اللواء الأول قوات خاصة إلى المنطقة الخضراء الحكومية ومحيطها لبسط الأمن”. وتابع: “هذا الإجراء يأتي لتعزيز وجود القوات الأمنية العراقية داخل المنطقة الخضراء”.
وعقّب الكاظمي على الاستعراض العسكري للحشد الشعبي. بأنه “كان الأجدر بأحد المسؤولين في الحشد أن يلتقي مع القائد العام للقوات المسلحة أو معه شخصياً، لحل الموضوع وليس التلويح بالقوة ولي الأذرع. لا سيما مع جيش يمتلك من القدرات ما تؤهله لمحاربة دولة، فكيف بـ40 عجلة غير مدرعة تحمل مجموعة من المسلحين”.
إيران تعيد ترتيب الميليشيات
ومن جانبها، تشير وكالة “رويترز” إلى أن “إيران تعيد ترتيب أوراق الميليشيات في العراق. وبدأت في اختيار مئات المقاتلين الموثوق بهم من بين كوادر أقوى الميليشيات الحليفة لها. لتشكيل فصائل أصغر موالية بشدة لها، في تحول لافت بعيدًا عن الاعتماد على الجماعات الكبيرة”.
وبحسب معهد واشنطن، فكما حدث بعد اعتقال مماثل في منتصف 2020. حاولت الميليشيات اقتحام المركز الحكومي وتخويف السلطات من أجل إطلاق سراح مصلح. ولكن هذه المرة، تجنبت الحكومة النتيجة المهينة من المواجهة التي وقعت العام الماضي. عندما حاصرت الميليشيات مقر رئيس الوزراء وسرعان ما تم إطلاق سراح المشتبه بهم. ولا يزال مصلح قيد الاحتجاز داخل العراق ولم يطلق سراحه.
توقعات ببداية جديدة
واعتقل “جهاز مكافحة الإرهاب” 14 عضوًا من “كتائب حزب الله”، منتصف العام الماضي، أثناء التحضير لهجمات صاروخية على مطار بغداد والسفارة الأمريكية. ورداً على ذلك، استعرضت الميليشيا عضلاتها في “المنطقة الدولية”. فتوجه قائد العمليات في “كتائب حزب الله”، أبو فدك، وحوالي 150 مقاتلاً في شاحنات نقل صغيرة مدججة بالسلاح إلى مقر إقامة الكاظمي. وطالبوا بالإفراج عن المشتبه بهم تحت وصايتهم.
بيد أنه سرعان ما تم إطلاق سراح 13 من المعتقلين وسط ضجة كبيرة على قنوات الدعاية التابعة للميليشيات. وتم الإفراج عن الشخص الوحيد المتبقي بأمر من المحكمة تحت ضغط من السياسيين المدعومين من الميليشيات. فكان مشهد الجماعات المسلحة التي طوقت مقر رئيس الوزراء وفرضت الإفراج السريع عن رفاقها مشهداً هداماً. بحسب المعهد الأمريكي، وألحق أضراراً كبيرة بالثقة بين الكاظمي، وقادته الأمنيين، والشعب العراقي، والتحالف.
ويتوقع المعهد الأمريكي أن تكون هذه الجولة من التوترات بين الحكومة والميليشيات بداية جديدة، حيث لن تتخلى عنه (القيادي في الحشد قاسم مصلح) إيران ولا وكلائها بسهولة. وسيتحول ضغط الميليشيات الآن إلى القضاء، بهدف ترهيب المحكمة لكي ترفض التهم الموجهة إليه”.