ردًا على إعلان الجهات الحكومية انطفاء نيران الحديد والصلب، وتعليق العمل بها للأبد. اعتصم أكثر من 500 عامل داخل الشركة؛ رفضًا لإغلاق أبوابها، وكذلك منع دخول العمال.
اعتصم عمال بالشركة صاحبة الـ 67 عامًا؛ احتجاجًا على قرار إيقاف العمل وإغلاق المصنع. وعلى إثر ذلك انتشرت قوات الأمن في جميع الشوارع المؤدية إلى المصنع، وأمام بواباته لمنع دخول العمال .
وبحسب المحامي محسن بهنسي، قامت قوات الأمن بإلقاء القبض على عدد من العمال، الذين حاولوا الانضمام لزملائهم المعتصمين. وجرى اقتادتهم لجهات غيرمعلومة. ولفت إلى أن قسم الشرطة التابع للمصنع أنكر وجودهم داخل مقر الاحتجاز.
“الحديد والصلب” ترفع لافتة “لا يوجد عمل بالشركة”
على أبواب المصنع علّقت لافتة كتب عليها “بقرار من رئيس مجلس الاداراة أغلق المصنع أبوابه”. كما نبهت على العاملين بعدم الحضور بداء من اليوم، دون أي تفاصيل تخص تعويضات هؤلاء العاملين.
وأمس تجمع 1200 عامل بالشركة أمام مبنى الإدارة، للمطالبة بحقوقهم المالية عند التصفية. وطالبوا بحساب التعويضات بواقع شهرين لكل سنة خدمة من الأجر الشامل بحد أدنى 450 ألف جنيه، دون حد أقص، وفق دار الخدمات النقابية والعمالية.
لكن اللجنة النقابية للعاملين بالشركة تقدمت في وقت سابق بعدة مطالب. أهمها صرف تعويضات بحد أدنى 400 ألف جنيه وبحد اقصى 700 ألف جنيه. إلى جانب استمرار تمتع العاملين بخدمات التأمين الصحي أو ما يعادله من خدمة علاجية مماثلة. وصرف المقابل النقدي لرصيد الإجازات وصرف مستحقات العاملين من صندوق الزمالة. وذلك طبقاً للائحة والاتفاقية الموقعة مع الشركة، بما في ذلك المحالين للمعاش اعتباراً من مايو 2018.
وسلك العمال خلال الأشهر الماضية كافة السبل لوقف قرار التصفية، بما فيها السبل القانونية. إذ رفعوا دعويين بالتعاون مع دار الخدمات النقابية والعمالية، إحدهما أمام المحكمة الاقتصادية، والأخرى أمام محكمة القضاء الإداري.
وتقول دار الخدمات النقابية والعمالية، إن أكثر من شركة تقدمت بعروض لوزارة قطاع الأعمال لتطوير شركة الحديد والصلب. لكن دون أيّ استجابة تذكر.
واليوم أصدرت الدار بيانًا أدانت فيه الإصرار على تصفية شركة الحديد والصلب. وحمّلت متخذي القرار مسؤولية إهدار صرح من أهم صروح الصناعة الوطنية.
وقالت في بيانها: “في تحدٍ صارخ لإرادة الشعب المصري وطموحاته الوطنية التي كشف عنها رأي عام لا تخطئه العين، وكثير من المبادرات والمحاولات الشعبية، تم أمس الأحد الموافق 30 من مايو 2021 اتخاذ قرار مؤسف بإغلاق شركة الحديد والصلب المصرية، وإيقاف العمل بها، ومنع العمال من الحضور، تمهيداً لاستلام المصفي لها بدءاً من الغد”.
كان وزير قطاع الأعمال العام ورئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية قد اتخذ من خلال الجمعية العمومية غير العادية لشركة الحديد والصلب قراراً في يناير الماضي بتصفية الشرك، مستندًا إلى خسائرها الكبيرة وتعذر إصلاحها.
عروض استثمارية ودعاوى قضائية
لكن القرار واجه رفضًا شعبيًا كبيراً، وإقامة العمال وحاملي الأسهم دعاوى قضائية. وتقديم عروض من عدة جهات للاستثمار في عملية إصلاح الشركة. غير أن ذلك لم يُثني الجهات الحكومية عن قرار التصفية الشركة.
من جانبه، يقول المحامي محسن بهنسي: “رغم رفع حملة الأسهم قضايا لإيقاف قرار التصفية، إلا أن الأمر غير ملزم. ويمكن في حال الفوز بالقضية العودة بالتعويض على المتقاضيين”.
وأبدى النقابي صلاح الأنصاري أسفه على قرار التصفية، واصفًا الوضع بـ”الجريمة” في حق تاريخ الشركة، ومساس بالأمن القومي للبلاد. وذلك انطلاقا من كونها “كيانا عريقا لا يخضع لحسابات الربح والخسارة، بقدر ما يمثل قوة استراتيجية”.
وقال الأنصاري “للحديد والصلب قيمة صناعية، وتاريخ لا يمكن إهداره بهذا الشكل. فعماله هم من وقفوا في وجه التطبيع، وآلاته هي التي ساهمت في بناء السد العالي”.
وفق النقابي، فإن عدة صناعات ثانوية تعتمد على المصنع، ويعتبر عمودًا أساسيًا في تصنيع أنابيب الأكسجين بنقاء قدره 98%، والتي تبرز أهميتها في ظل جائحة كورونا.
يشير الأنصاري إلى أن “الطريق كان ممهدًا لتصفية الشركة العملاقة عبر تغيير قانون الأعمال، وتقليص التمثيل النقابي في مجالس الإدارات”. مع وجود “برلمان طيع يخضع لمصالح رجال الأعمال”.
آثار مترتبة على التصفية المفاجئة
ويلفت الأنصاري إلى زاوية أخرى، تتعلق بمخالفة قرار التصفية الطرق العلمية المعروفة بشأن إنهاء الدولة تعاقداتها أولاً، ومد الأسواق باحتياجاتها. وهو ما تسبب في ارتفاع مفاجئ في سعر الحديد، بعد أن أصبح القطاع الخاص الناهي الآمر في السوق.
يتابع الأنصاري: “عادةً ما يتم اتخاذ قرار التصفية عبر سنوات، فالأمر لا يمكن أن يتم اختصاره في شيل السكينة وقفل الباب”، على حد تعبيره. لذلك يتوقع “تعرض المصنع للسرقة”، خاصة في ظل الإغلاق المفاجئ.
ما مصير مصنع الكوك؟
اتصالاً بذلك، يتوقع النقابي إغلاق مصنع الكوك قريبًا، خاصة أنه جرى تشييده قرب مصنع الحديد والصلب للتخديم على احتياجات الأخير. ولفت إلى أن التمهيد لإغلاقه بدأ منذ إعلان ميناء الإسكندرية الاستيلاء على الأرصفة الخاصة بشركة الكوك.
ويتطلب الكوك عادة عند استيراده للتصنيع أرصفة ذات مواصفات بيئية خاصة، كانت تتوفر في ميناء الإسكندرية تحديدًا.
يوافقه الرأي الباحث إلهامي الميرغني الذي أقرَّ بأن الهدف من مصنع الكوك كان اللحاق بقاطرة التصنيع في التبين. إذ يساهم في تشغيل الأفران.
وتابع الميرغني: “منذ سنوات ومع دخول القطاع الخاص ملعب الحديد عمد المسؤولون إلى تخسير مصنع الكوك. ومن ثمّ تعطيل إنتاجه للدرجة التي توقف فيها المصنع لفترة عن إمداد مصنع الحديد والصلب باحتياجاته”.
وأردف: “في حين عملت الدولة على تطوير الدلتا للصلب، لأنها تُخدِّم على القطاع الخاص وحديد الخردة الذي تتم الاستعانة به في التسليح لبناء كمبوندات رجال الأعمال، لم تبذل أي مجهود للإبقاء على صرح عملاق مثل الحديد والصلب، يعمل بدوره على تنقية وتصنيع الحديد الخام”.
ويرى الميرغني أن “الهدف الأساسي هو الحد من فرص تنمية التصنيع بشكل عام”. واعتبر أن التصنيع هدف أوسع يشتمل على مخرجات التعليم، وصناعة معدات الإنتاج، والآلات كما الحال مع الحديد والصلب.
ويختم الميرغني: “خسرنا الكثير من الصناعات ذات الحساسية القومية مثل أسمنت الحديد، والنحاس وغيره، والآن تخرج مصر من قطاع تصنيع الحديد”.