على بعد أكثر من ثلاث سنوات حصل المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، على حكم لصالح النقابي العمالي ناجي رشاد. فى الدعوى المرفوعة للمطالبة بعودته للعمل والتعويض، بعد رفض القضية المقامة ضده. إذ قضت بفصله من العمل.

وكانت دعوى مرفوعة من شركة مطاحن جنوب القاهرة والجيزة، وهي الدعوى العمالية رقم 1034 لسنة 2018 عمال كلى 6 أكتوبر، التي أقامها المركز كدعوى فرعية للمطالبة بعودته للعمل والتعويض، والتي صدر الحكم فيها برفض الدعوى المقامة من الشركة بفصل العامل “الدعوي الأصلية” والحكم بعودته لعمله مرة أخرى، مع كل ما يترتب على ذلك من آثار قانونية.

كان النقابي العمالي ناجي رشاد تم وقفه عن العمل في يناير عام 2018، ورفع المركز الدعوى كوكيل عنه في يونيو عام 2018، وبعد مرافعة محامي المركز مصطفى خيري، وتقديم الأوراق والمستندات اللازمة، أقر الخبير المنتدب بأن رشاد غير مدان، بل وإن الشركة لم تقدم دليلا واحدا يثبت إدانته في أي مخالفة أمام القاضي.

مطالبات الحد الأدنى بدأت منذ أكثر من 10 سنوات

وناجي رشاد، هو صاحب دعوى إلزام الحكومة بتطبيق الحد الأدنى للأجور، التي كان حصل على حكم فيها عام 2010 لصالح العمال، عبر محاميه في ذلك الوقت خالد علي، بعد أن تم توقيفه عن العمل لمدة 18 شهر. حينها وقف ناجي أمام القاضي مطالبا بالحد الأدنى للجميع مطالبا بتفعيل المادة 34 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 الخاص بضرورة تناسب الأجور مع الأسعار، وبرفقة بعض الدراسات الاقتصادية الخاصة بذلك.

آنذاك، نجح رشاد في رفع هذا الحد من 35 جنيهًا إلى 400 جنيه، وهو ما يعتبره رشاد مبلغ ضئيلاً حتى بالمقارنة مع أسعار ذلك الزمان، ولاحقا وخلال عهد كمال أبوعيطة بعد الثورة تم رفع الأجر إلى 1200 جنيه.

محنة ناجي رشاد عبر أربعين شهرا

في حديثه إلى “مصر 360” بادر رشاد بالقول “ليست المحنة الأولى ولكنها الأشد وطأة، في المرة الأولى تم توقيفي عن العمل لمدة أقل كما كانت الصحة أفضل، والمسؤوليات أقل”.

واستطرد: “أما الآن تم توقيفي لمدة 40 شهرا، بينما أبنائي الخمس في التعليم، والأسعار فوق طاقتنا، ربنا بس اللي يعلم الأربعين شهر دول عدوا ازاي!”.

وخلال فترة التقاضي يلفت رشاد إلى أن ما كان يصله من الراتب هو مبلغ 900 جنيه من أصل مرتبه كأمين للمخازن، الذي يصل إلى خمسة آلاف جنيه،

ويرجع محاميه مصطفى خيري الأمر إلى أن القانون يسمح بمنحه نصف الراتب الأساسي خلال فترة التحقيق، والتقاضي، دون أي حوافز أو بدلات مقررة له، مما يصعب الحياة على هذه الأسر.

ويحكي رشاد: “كانت المعضلة أن عمري الآن تسعة وخمسون عاما ليست هناك فرص عمل متاحة، مما اضطر أبنائي الصغار للخروج إلى سوق العمل، أحدهما كان في المدرسة الاعدادية والآخر بالثانوي، فأجبروا على الدراسة من المنزل”.

يشعر رشاد بالفخر وهو يردد: “نجحت في تجاوز الأزمة بمساعدة أبنائي، وحاليا وصل أحدهم إلى الجامعة، والآخر في الثانوية العامة”. وقال: “فخور بما حققوه رغم المصاعب”.

جدير بالذكر أنه وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء فإن خط الفقر القومي يحدد للفرد مبلغ 735 جنيهًا للفرد شهريًا.

يأسف رشاد لغياب التضامن، والتكافل من قبل مؤسسات المجتمع المدني، او حتى القيادات العمالية قائلا “لو مكنتش تبع مركز ولا حزب محدش بيسأل فيك، ولا بيدعمك ماليا في أزمتك، ممكن قانونيا فقط”.

إرهاب العمال عبر الاتهامات الباطلة

يعمل رشاد بشركة المطاحن، ويكشف أن خلفيات قضيته ترجع إلى خلافات بينه وبين الإدارة، متمثلا في رئيسها تهامي أحمد مصطفى، والذي بدأ يمارس تعسفا بحقه، بعد ما رفض محاباته أو الوقوف بصفه ضد العمال، كذلك الكشف عن علاقات مصالح قائمة بينه وبين ممثل أصحاب الأسهم محمود أبو سيف، وهو ما فيه تضارب للمصالح.

 وبحسب رشاد “قبيل تحويلي إلى التحقيق هدد تهامي في اجتماع للجمعية العامة باتخاذ الإجراءات ضد العمال المناوئين لسياساته عبر الشؤون القانونية للشركة” مضيفا: “حينها اتهمته علنا بممارسة الإرهاب ضدنا”.

في أعقاب ذلك فوجئ رشاد بتوجيه اتهامات له تخص عجز في فوارغ الدقيق القديمة والتي ترجع إلى أربع سنوات مضت، في حين أن كل تقارير الجهاز المركزي لم يتم الإشارة فيه إلى وجود أي عجز، أو فوارغ لم يتم تدويرها، وعليه تم وقفه عن العمل، ورفع دعوى بفصله.

مظاهرة عمالة للحصول على الحد الأدنى من الأجور

طول فترة التقاضي وقصور القانون

يقول رشاد: “لم أتوقف طوال تلك المدة عن السعي لأخذ حقي، رغم الضغوط والمشاكل” وتابع: “بعد الاستعانة بالخبراء تم تبرئة ساحتي، ولكن مر الأمر بصعوبات جمة منها وباء كورونا على سبيل المثال، إلى جانب مسائل فنية أخرى، لكن الحمدالله أخيرا أنصفني القضاء”.

يشير رشاد إلى طول فترة التقاضي خاصة في القضايا العمالية، فبعض القضايا تتجاوز السبع سنوات بحسب المحامي في المركز المصري مصطفى خيري، مما يهدد حياة أسر بأكملها”.

يلتقط خيري طرف الخيط ويقول “تعد قضايا العمال من القضايا المستعجلة، نظرا لظروفها الانسانية، ومع ذلك لايوجد محكمة مستقلة للنظر فيها، ومع تكدس القضايا، يلجأ القاضي إلى الاستعانة بالخبراء، لمساعدته، مما يطيل فترة التقاضي، ويضر بأحوال الأسر المالية”.

يقترح خيري فصل المحكمة العمالية عن القضايا المدنية الأخرى، كما هو الحال في أغلب بلاد العالم، أو حتى كما هو الساري بحق القضايا الاقتصادية، أو منح العمال رواتب كاملة حتى انقضاء مدة التقاضي.

ويلفت خيري إلى قصور القانون أيضا حتى في حال عدم الحكم بعدم عودة العامل إلى عمله، إذ ينص على صرف شهرين عن كل عام كتعويض، وهو مبلغ غير كاف خاصة في حالة أن عدد سنوات عمل العامل قليلة نسبيا.

ويستطرد “غالبًا ما يكتفي القاضي بتعويض الشهرين، ويرفض رفع سقف التعويض، حتى مع إتاحة القانون ذلك”.

وعادة ما يحكم القانون بعدم عودة العامل إلى عمله، حتى في حال إنصافه ويكتفي بالتعويض، إلا في حالة واحدة وهي انتمائه إلى العمل النقابي كما هو الحال مع رشاد، وبحسب خيري.

يقول رشاد عن هذا “فضلا عن طول مدة التقاضي التي تتسبب في تدمير الأسر، يأتي التشريع الذي يقف دائما في صف رجال الأعمال، بدعوى الحفاظ على الاوضاع الاقتصادية، والوقوف بصف رجال الأعمال حتى لايطفشوا” مرددا: “تلك هي الحجج التي طالما تذرع بها المشرعون دونما الانتباه لحقوقنا المنتهكة”.