انشغل الرأي العام القبطي بما جرى في دير الأنبا مكاريوس السكندري بوادي الريان بعد أن تحركت قوات الشرطة. لتنفيذ قرار وزارة البيئة الذي يقضي بإلغاء تخصيص ألف فدان هي مزرعة الدير. وعودتها مرة أخرى للوزارة. عقب عجز الدير عن سداد حق انتفاع سنوي يقدر بـ4 ونصف مليون جنيه مصري سنويًا لم يسدد الدير أي منها منذ عام 2017 وحتى اليوم.

لجنة شئون الأديرة والرهبنة برئاسة الأنبا دانيال آفا بولا أسقف ورئيس دير الأنبا بولا بالبحر الأحمر. أصدرت بيانًا حاد اللهجة في ساعة مبكرة من صباح اليوم بعد مطالبات الأقباط بتدخل الكنيسة. عقب تسريب فيديوهات لرهبان الدير وهم يرددون كيراليسون في مواجهات مع الشرطة.

بيان المجمع المقدس بشأن الأنبا مكاريوس

بيان المجمع المقدس ذكر: “قامت قوات الشرطة اليوم الأحد 30 مايو 2021، بالتوجه إلى منطقة القديس مكاريوس السكندري في وادي الريان. لتنفيذ قرار هيئة المحميات الطبيعية، باستعادة جزء من الأرض التي يستغلها ساكنو المنطقة ومساحته 1000. فدان وهو الجزء المبرم بشأنه عقد حق انتفاع مع وزارة البيئة. نتيجة عدم تسديد المقابل المالي المتفق عليه منذ عام 2017 وحتى الآن، مع إزالة التعديات الإنشائية الواقعة على الأرض”.

وأوضح البيان في نقاط خمسة ما يلي:

1- عُقِد اتفاق رسمي بين الكنيسة ووزارة البيئة في شهر أغسطس 2017، منح هذا الاتفاق ساكني المنطقة حق استغلال الأرض التي يسكنون فيها كالتالي:

– منطقة لممارسة النشاط الديني والإعاشة، وهذه المنطقة لم تدخل في أحداث اليوم، ومنطقة أخرى (1000 فدان) بنظام حق الانتفاع. (حيث لا يمكن تملك هذه الأرض لكونها محمية طبيعية) وذلك لممارسة نشاط زراعي اقتصادي.

2- أرسلت وزارة البيئة عدة مخاطبات خلال السنوات الأربع الماضية، تطالب فيها بضرورة دفع المستحقات المتأخرة، كان آخر هذه المخاطبات يوم 9 أبريل 2020 ولكن بدون جدوى.

3- قامت د. إيناس أبو طالب الرئيس التنفيذي لجهاز شؤون البيئة بزيارة الأرض موضوع المشكلة يوم 17 أغسطس 2020. بناء على طلب نيافة الأنبا أبرآم مطران الفيوم والمشرف الحالي على المنطقة، لمعاينة الأوضاع على الطبيعة.

4- آخر مخاطبة من وزارة البيئة جاءت يوم 21 مارس الماضي، تشير إلى ضرورة سداد قيمة المبالغ المستحقة مع اعتبار العقد كأن لم يكن. وأنه سيتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية وتحصيل قيمة المبالغ المستحقة عن استغلال الأرض وفوائدها حتى تاريخ استرجاعها بشكل رسمي.

5- حدث اليوم عند مجيء الأجهزة المعنية بتنفيذ قرار استرداد الأرض أن خرج إليهم بعض من ساكني المنطقة لاستطلاع الوضع. وحدثت بعض المناوشات والاحتكاكات وتمكنت الأجهزة من تنفيذ القرار وإزالة كافة التعديات والمخالفات.

واختتم البيان: “لم نكن نتمنى أن تصل الأمور إلى أحداث اليوم، ولكن كان تنفيذ القانون بعد الإنذارات المتتالية واجبًا. راجين أن يسود الهدوء هذه المنطقة”.

عبارات شديدة الدلالة (سكان وليس رهبان)

استخدم بيان المجمع المقدس عبارات شديدة الدلالة فهو من ناحية رفض أن يطلق على دير الأنبا مكاريوس السكندري اللفظ الكنسي دير مكتفيًا. بينما أطلق على الرهبان من ساكنيه لفظة سكان المنطقة وكأن الكنيسة ترفع يدها عما جرى من تجاوزات.

لم يحظى دير الأنبا مكاريوس السكندري بالاعتراف المجمعي من لجنة شئون الأديرة حتى اللحظة ولكنه كان ضمن قائمة بالأديرة. أطلقت عليها الكنيسة “مزارع تخضع لإشراف آباء أساقفة” في بيان صدر عام 2018 في أعقاب اغتيال الأنبا إبيفانيوس. وفي ظل حركة تصحيحية قادها البابا تواضروس الثاني لضبط ملف الأديرة والرهبنة عقب الحادث البشع الذي ألقى بظلاله على ملف الأديرة القبطية. وبالتوازي حذرت الكنيسة من بعض الكيانات الوهمية التي يدعي أصحابها إنها تابعة للكنيسة ويجمعون تبرعات بناء على ذلك. وهي لا تخضع لأي إشراف كنسي من بينها دير الأنبا كاراس السائح بوادي النطرون الذى استولى عليه الراهب المشلوح يعقوب المقاري وآخرين معه.

البابا تواضروس

صراعات مر بها دير الأنبا مكاريوس

مر دير الأنبا مكاريوس السكندري بعدة مراحل وصراعات بينه وبين الكنيسة القبطية من ناحية وبين الدولة المصرية من ناحية أخرى. إذ دخل فى عام 2014 صدامًا مع الدولة حين قررت شق طريق دولى يمر بدير وادى الريان (الدير المنحوت) وهو ما يستلزم هدم بعض مبانيه. ما دفع الدولة إلى توسيط الكنيسة للبحث عن حل ودي مع الرهبان الذين انقسموا إلى فريقين تبادلا إطلاق النار. حيث استولى هؤلاء على أراضي من محمية وادي الريان التابعة لوزارة البيئة تبلغ مساحتها 4 آلاف فدان.

وبعد جهود واجتماعات وزيارات انتهت مهمة الأنبا مكاريوس في تلك المرحلة وعاد الدير لإشراف الأنبا إبرام مطران الفيوم أقرب الأساقفة جغرافيًا. لموقع الدير الذى يقع فى مركز يوسف الصديق بالفيوم. وكان الأنبا آبرام مشرفا عليه قبل أن يتولى الأنبا مكاريوس تلك المهمة.

عام 2019 عمل الأنبا إبرام على رسامة رهبان الدير ومنحهم رتب شماسية وتدشين كنيسة الدير الكبرى التي تحمل اسم القديس الأنبا مكاريوس. ما يعني أن الدير كان في طريقه لنيل الاعتراف الكنسي قبل أن تتجدد الأزمة مرة أخرى اليوم. والذي قد يعيد الدير إلى المربع صفر فليس كل رهبانه مرسومين كنسيًا أو معترف برهبانيتهم لدى الكنيسة القبطية. بل إن من تمتعوا بتلك الرسامة أقلية وسط عدد غير قليل من مرتدي الزي الرهباني الذين يزيد عددهم عن الخمسين رجلًا.

كيف نشأت ظاهرة الأديرة غير المعترف بها كنسيًا؟

بعيدًا عن الأديرة الأثرية التي تمتلك الكنيسة القبطية فيها تاريخًا وتراثًا وآثارًا، فإن تأسيس دير قبطي يمر بعدة مراحل. ووفقًا لقانون الكنيسة الحصول على إذن من بطريركية الأقباط الأرثوذكس موقعًا من البابا تواضروس الثاني. باعتباره الرئيس الأعلى للأديرة المصرية ومدبرها الروحي. وفقًا لما يؤكده أحد أساقفة المجمع المقدس وهو نفس الأمر المنصوص عليه في لائحة الأديرة التي أصدرها البابا تواضروس عام 2013. ومن ثم فإن تلك الأديرة التى لم تحصل على هذا التصريح قبل إنشائها لا تتبع الكنيسة القبطية وليس للكنيسة أى سلطة عليها.

يوضح مصدر من أعضاء المجمع المقدس رفض الإفصاح عن اسمه: “في البداية لا بد من الحصول على الإذن قبل شراء الأرض. ووجود تجمع رهباني يرغب في الإقامة بالدير ثم البدء في شرائها بناء على ذلك ويفضل أن تكون بالمنطقة حياة رهبانية سابقة. ويعيد الدير الجديد إحيائها من جديد، وتسجل أرض الدير باسم بابا الإسكندرية بصفته أو أحد الأساقفة مندوبًا عن البابا ووكيلًا عنه”.

في الخطوة التالية، يعرض الحاصل على التصريح الذي يشترط أن يكون من إكليروس الكنيسة، سواء أحد الآباء الرهبان أو الأساقفة. الرسم الهندسي للدير المراد بنائه على البطريركية مرة أخرى، ليحصل على الموافقة. في الخطوة الثالثة، وبناء على هذا التصريح، تنتدب الكنيسة أحد الآباء الرهبان أو الأساقفة للإشراف على عملية تمويل بناء الدير. إما عن طريق التبرعات للكنائس أو جمع الأموال بأي طريقة بنكية أو نقدية على أن يتم تقديم ما يفيد ذلك. وموافاة الكنيسة أولًا بأول، وينتهى هذا الإجراء ببناء الدير.

وتأتي الخطوة الرابعة عند انتداب الكنيسة القبطية أحد الأساقفة أو الرهبان للإشراف على الحياة الرهبانية الجديدة في هذا الدير. التي عادة ما تبدأ برهبان فى أديرة أخرى يبدأون في تعمير الدير الجديد حتى يتثنى للدير قبول طالبي رهبنة جدد.

رهبان دير الأنبا مكاريوس وادي الريان

استيفاء الشروط والمعايير

أما الخطوة الخامسة، هي استيفاء الشروط والمعايير، وانتظام الحياة الروحية والديرية بالدير الجديد والتقدم للجنة شئون الأديرة بالمجمع المقدس. من أجل الحصول على اعتراف المجمع المقدس بهذا الدير. حيث تنتدب لجنة شئون الأديرة لجنة من الآباء الأساقفة لمعاينة الدير والتأكد من استيفائه للشروط والمعايير. وتصدر تقريرًا بعد ذلك يرفع للمجمع المقدس عن تفاصيل الحياة داخل الدير وهل يستحق الحصول على اعتراف المجمع. أم إن الوقت مازال أمامه لترتيب وتنظيم الحياة الرهبانية فيه.

فيما تأتي الخطوة السادسة، بعدما تطمأن الكنيسة إلى صحة الحياة الرهبانية والديرية في الدير الجديد. تصدر قرارًا بالاعتراف بالدير ضمن أديرتها القبطية وتعلم بذلك كافة جهات الدولة رسميًا.

وسط تلك الخطوات المعقدة والطويلة تحدث الكثير من الأزمات، مثلما جرى في ملف ديري وادي الريان ودير الأنبا كاراس السائح بوادي النطرون. حين حصل الرهبان المكلفون بتأسيس الدير على إذن كتابي من بطريرك الكنيسة وجمعوا التبرعات اللازمة لبناء منشآت الدير والحصول على الأرض. سواء بشرائها في حالة دير الأنبا كاراس أو بوضع اليد كما في حالة دير الأنبا مكاريوس بالريان. الذي حصل ساكنيه على شهادات موثقة تثبت أثرية بعض المناطق فيه.

في دير الأنبا كاراس بوادي النطرون، انشق الراهب يعقوب المقاري عن الكنيسة القبطية وسجل أراضي الدير باسمه وأسس كيانًا خارجًا عن القانون. بعدما طلب من الكنيسة تعيينه أسقفًا ورئيسًا للدير. أما في حالة دير وادي الريان فقد كان سكانه دائمي الشقاق مع الكنيسة. حتى إن بيانًا صدر عام 2016 وصفهم بمن كسروا نذور الرهبنة ومبادئها وأهمها الطاعة.

يبدو بيان الكنيسة القبطية المنشور أمس حاد اللهجة ويكشف عن طبيعة العلاقة بين القيادة الكنسية والقانون. إذ يحرص البابا تواضروس الثاني على احترام القانون وهو ما أثبته في ملفات متعددة أهمها إصراره على الإبلاغ عن قاتل الأنبا إبيفانيوس. رغم وجود اتجاه يرغب في التعتيم على الحادث وثانيها هو رفعه لشعار ” لا أحد فوق القانون” غير عابئ بمحاولات إدانته.