خرج عن الإخوان وأسس التيار المصري الرافض لفكر الجماعة فتم اتهامه بتولي قيادة جماعة إرهابية مع علمه بأغراضها. قصة يعيش فصولها الشاب محمد القصاص منذ أكثر من 3 سنوات.

والقصاص كما يفضل أن يدعوه رفاقه هو نائب رئيس حزب مصر القوية، ذلك الحزب الذي قدم نفسه كتيار يميل إلى يمين الوسط. انضم إليه آلاف الشباب من كافة الأطياف أملًا في أن يجمع مشروع الحزب كلمتهم. ويحقق أحلامهم في إنجاح ثورة يناير 2011.

وكانت أجهزة الأمن ألقت القبض على رئيس حزب “مصر القوية” الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح في فبراير عام 2018، وعددًا من قيادات الحزب. قبل إخلاء سبيلهم بدعوى تخطيطهم “لاعتداءات مسلحة على منشآت الدولة ومؤسساتها. على نحو من شأنه إشاعة الفوضى في البلاد”. بينما أصدرت محكمة جنايات القاهرة قرارًا لاحقًا بإدراجه و15 آخرين، على قوائم الإرهابيين.

منظمة “العفو” الدولية أعربت عن قلقها من تعرض القصاص إلى خطر الإخفاء القسري والتعذيب. كما أكدت أن “إخفاء عضو بارز في حزب معارض يعد هجومًا صارخًا على الحق في حرية التعبير. حيث أصبح الإخفاء القسري ممارسة روتينية تنتهجها السلطات لإسكات النشطاء والجماعات المعارضة”. على حد قولها.

عبدالمنعم أبو الفتوح

ومنذ أيام قررت الدائرة الثالثة إرهاب، في الجلسة المنعقدة، تجديد حبس “القصاص” 45 يومًا. على ذمة تحقيقات القضية رقم 786 لسنة 2020 حصر أمن الدولة العليا. كذلك وجهت له النيابة اتهام تولي قيادة جماعة إرهابية، مع علمه بأغراضها، ونشر وإذاعة أخبار كاذبة.

محمد القصاص ضحية التدوير والترويع

في السياق ذاته وخلال العام الماضي شاع بين المحتجزين السياسيين “تدوير المتهمين“. وهو مصطلح يشير إلى حالات يصدر فيها قرار بإخلاء سبيل سجين رأي ثم يُفاجأ بعرضه أمام النيابة متّهَمًا في قضية جديدة. تلك القضية قد تحمل نفس الاتهامات القديمة أو أخرى جديدة. بينما قد تبدأ تلك القضية أثناء سجنه بالأساس ويستحيل عليه عمليًا التورّط فيها.

والقصاص يعد أحد ضحايا التدوير، إذ كان رهن الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيقات في القضية رقم 977 لسنة 2017 حصر أمن الدولة العليا. وكان مُتهم فيها أيضًا بالانضمام إلى جماعة إرهابية. وصدر قرار بإخلاء سبيله من بعض مُضي عامين من الحبس الاحتياطي. لكن القرار لم يُنفذ، وتم تدويره في قضية أخرى حملت الرقم 1781 لسنة 2019 حصر أمن الدولة العليا بنفس الاتهامات. وبعد ما يقرب من 7 أشهر من الحبس الاحتياطي، صدر قرار من محكمة الجنايات بوضعه تحت التدابير الاحترازية. ولكن القرار لم يُنفذ أيضًا. وتم تدويره مرة أخرى في القضية الحالية التي تحمل الرقم 786 لسنة 2020. وجميعها قضايا تم اتهامه فيها خلال محبسه، بالرغم من تواصله مع العالم الخارجي إلا مع أهله وبحضور رجال الأمن بحسب محاميه.

آنذاك كتب المحامي خالد علي تحت عنوان “فجر الخصومة السياسية… وشبح التدوير”، عبر صفحته الشخصية بموقع “فيسبوك”. أنه “بدلاً من تنفيذ قرار النيابة العامة بإخلاء سبيل محمد القصاص، أرسل إلى نيابة أمن الدولة رفقة محضر تحريات جديد. بغرض ضمه إلى قضية جديدة. وأنا والمحامي عبدالرحمن هريدي في الطريق للنيابة لحضور التحقيق الجديد معه”.

القصاص

فكيف تحول القصاص الشاب المفعم بالحياة والحركة إلى إرهابي في نظر الدولة؟

بدأ القصاص نشاطه السياسي مبكرًا منذ الجامعة، وكان حينها عضوًا في جماعة الإخوان. قبل أن ينشق عنها في مايو 2011 بعد ثورة 25 يناير، لاختلافه الفكري والسياسي مع قيادات الجماعة.

وقبل الثورة انخرط القصاص في حركات سياسية تنسيقية مثل كفاية، والجمعية الوطنية للتغيير، والبرلمان الموازي. حتى جاءت الثورة وأنشأ تياره المصري الذي اندمج لاحقًا في حزب مصر القوية عام 2014.

وخلال حكم الإخوان لم يتوان القصاص عن انتقاد الرئيس السابق محمد مرسي ودحض أي محاولات للتمكين من قبل الإخوان.

ومع ذلك تم التنكيل بالقصاص من قبل النظام الجديد حتى قبيل سجنه إذ تم إدراج اسمه على قوائم الإرهاب في يناير 2017. ضمن 1500 شخصية أبرزهم اللاعب السابق لمنتخب مصر محمد أبو تريكة. بحكم محكمة جنايات القاهرة لمدة 3 سنوات. وفي أول يناير عام 2018 تم منعه من السفر إلى تونس مرتين.

حتى جاء اليوم الموعود في 8 فبراير عام 2018 حيث كان القصاص يشارك في حفل زفاف أحد أصدقائه وحين انتهى الحفل استقل سياراته. واختفى حينها، في الوقت نفسه داهمت قوات الأمن منزل القصاص رغم غيابه عنه.

حتى ظهر في اليوم التالي أمام المحامي العام لنيابات أمن الدولة العليا، الذي أمر بحبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات. لاتهامه بالاشتراك مع الإخوان في التحريض ضد مؤسسات الدولة وعقد لقاءات تنظيمية مع عناصر الحراك المسلح. لتنفيذ عمليات مع اقتراب انتخابات رئاسة الجمهورية.

القصاص

انتهاكات وسرقة

وخلال سنوات من احتجازه تعرض القصاص لانتهاكات عدة أفردها محاموه تمثلت في الحبس الانفرادي. ومنعه من التريض. كذلك منع ذويه من زيارته لأكثر 70 يومًا، إلى جانب منعه من الإطلاع على الصحف أو الكتب. وبشكل يخالف لوائح السجون المصرية.

كذلك وبالتزامن مع القبض عليه تم التحفظ على منزله وسيارته، من قبل أجهزة الأمن، حتى قررت نيابة أمن الدولة العليا لاحقًا، تسليمهما إلى أسرته. بعد أن تم منع زوجة القصاص من دخول المنزل لما يقرب من الشهرين. وقالت في شهادتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” إن الشقة سرق منها بعض المحتويات.

ووفق ما جاء في شهادتها: “استلمت الشقة الحمد لله.. بس الدهب بتاعي شبكتي ودهب زينة بنتي وهدايا محمد ليا وهدايا الأهل والأصحاب لزينة اتسرق. وطبعًا القسم رفض يسلمني بمحضر عشان أثبت أي حاجة”.

ومن أشهر ما قاله القصاص نفسه: “أما نحن، فلن نرضى بهذا الظلم ولن نمل من الحديث عنه”.