رأى مهتمون بملف سجناء الرأي في مصر، أن قرارات إخلاء السبيل الأخيرة بمثابة “بارقة نور“. من شأنها إضاءة طريق الحريات والحقوق الذي تتعهد السلطات بتحسينها. فيما يعتقد آخرون أن تلك الإفراجات غير كافية لتسمية الواقع بـ”المتحسِّن”، وإنْ أقروا بأنها إجراءات محمودة، على أية حال.
إفراجات سابقة
البداية جاءت بالإفراج عن عدد من الصحفيين، من بينهم خالد داوود وسلافة مجدي وحسام الصياد، وسياسيون، منهم الأكاديميان حازم حسني وحسن نافعة، والباحث والصحفي هشام جعفر، وعدد كبير من الشباب.
بعدها استغلت منظمات حقوقية تلك الإفراجات، وقدّمت توصيات لتوسيع دائرة الإخلاءات. ووصفت مطالبها بـ”الإجراءات الضرورية والمحددة والعاجلة”، من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان التي شهدت تدهورًا على مدى الأعوام الماضية.
سواء كانت ردة فعل أو حزمة إفراجات مُعدَّة مسبقًا، أطلقت السلطات لاحقًا سراح عدد آخر كبير من الشباب والنشطاء. آخرها قبل أيام بتنفيذ إخلاء سبيل 3 أعضاء بحزب الدستور، وقبلها 10 متهمين في القضية 488، وآخر في القضية 277، والمدون شادي أبو زيد.
كما أُفرج عن الناشط العمالي خليل رزق، وكمال البلشي شقيق عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق خالد البلشي، بجانب 22 محتجزًا آخرين بتدابير احترازية، في 6 قضايا.
هل “إخلاء السبيل” تجاوبًا مع المطالب الحقوقية؟
متابعون قرأوا المشهد على أنه تجاوبًا من السلطات مع المطالب الحقوقية. وآخرون قالوا إنها سياسة شرعت فيها السلطات مؤخرًا لتحسين هذا الملف، في ظل تغيرات دولية وإقليمية. فيما بقي التفاؤل قائمًا بشأن تنفيذ المطالبات الحقوقية المتمثلة في “الإفراج عن سجناء الرأي المحبوسين احتياطيًا أو المحكوم عليهم من جميع التيارات السياسية بالآلاف بسبب نشاطهم السلمي، وإنهاء الحبس الاحتياطي المطول ومفتوح المدة ووقف (تدوير) السجناء السياسيين كمتهمين في عدة قضايا لإبقائهم في السجون”.
قطار الإفراجات يسير ببطء
غير أن منظمات حقوقية ونشطاء يرون أن قطار الإفراجات يسير ببطء، ويحتاج لزيادة السرعة، لافتين إلى أن قرارات أخرى في الاتجاه المعاكس لا تزال موجودة.
يدلل على ذلك مدير المبادرة المصرية للحوق الشخصية، حسام بهجت، بقرار تحويل الباحث أحمد سمير طنطاوي إلى المحاكمة اليوم الثلاثاء. ويضيف أن “طنطاوي يعتبر أول سجين سياسي من التيار المدني تتم إحالته لمحكمة طوارئ عاجلة، بتهمة واهية”.
ويعتبر بهجت أن قرارات من هذا القبيل تقلل مساحة التفاؤل إزاء قرارات إخلاء السبيل الأخيرة. وأكد ضرورة “إنهاء حالة الطوارئ الممتدة دون انقطاع والتي تعد مخالفة للدستور”.
وشهد أبريل الماضي، أحكام بإعدام بحق 9 من الصادر ضدهم أحكام بالإعدام شنقًا، في واقعة اقتحام مركز شرطة كرداسة. نفذتها مصلحة السجون التابعة لوزارة الداخلية المصرية، في نهار رمضان، قبل إعلان المطالب المنظمات الحقوقية.
وبعد الإعلان، شهد شهر مايو الحالي تنفيذ حكم إعدام الراهب أشعياء المقاري، ويشير مدير المبادرة المصرية لحقوق الإنسان، “مازال الاستمرار في أحكام الإعدام مكثف”.
واستبعد بهجت الربط بين مطالب المنظمات الحقوقية المعلنة وبين قرارات إخلاء السبيل خلال الأسابيع الماضية. وهو الأمر نفسه بشأن أحكام الأعدام أو التدوير والمحاكمات.
مضمون انتقاد بهجت يتمثل في بطء عمليات الإفراج، مقارنة بعدد المحبسوين في قضايا رأي. وهو ما يعني الحاجة لسنوات عديدة حتى يتم الإفراج عن جميع المحبسوين.
وتقاطعت مطالب المنظمات الحقوقية مع دعوات مدنية لفتح قنوات اتصال بين المجتمع المدني والحكومة لاقتراح آليات تنفيذية لتحقيقها.
مدد الحبس الاحتياطي.. تطور إيجابي آخر
لكن بهجت يلفت النظر إلى تطور إيجابي آخر، يتعلق بقرار النائب العام إخلاء سبيل كل من أكمل عامين بالحبس الاحتياطي. وتابع: “هذا التطور نرحب به، ولكن لا يعني أنه بالضرورة تم اتخاذ قرار بمعالجة ملف السجناء السياسين أو الحبس الاحتياطي أو التدوير”.
وطبقا للفقرة الرابعة من المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية. وهي التي حددت المدد القصوى للحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي بـ6 أشهر في الجنح و18 شهراً في الجنايات. وسنتان إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام.
في هذا السياق، يرفض الحقوقي ومدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد، وصف عمليات الإفراج الأخيرة بـ”الانفراجة”. ويعتقد أن المطلوب اتساع مساحة الإفراجات حتى يمكن ملاحظتها بشكل أوسع ووقتها تكون انفراجة حقيقية.
المحامي الحقوقي نجاد البرعي يرى أن ثمة تغييرًا في الوضع العام. لكن “إلى أيّ مدى؟ لن نستطيع الحكم على ذلك الآن؟”، وفق قوله. ويعتقد البرعي أن المعنى الأدق لحدوث “انفراجة” في ملف سجناء الرأي هو إغلاق الملف تمامًا بشكل عاجل وطبيعي.
يشير البرعي إلى مطالب المنظمات الحقوقية، ويرى أن الحكومة مطالبة بتبني ما تراه مناسبًا منها. متابعًا: “لكن كل ما نريده الآن هو التنفيذ السريع والواضح لتلك القرارات”، وفق قوله.
وأردف: “نحتاج إلى الصدمات الكهربائية، بأن نتفاجئ بصدر قرارات إخلاء سبيل لأسماء معروفة وكثيرة وعودة المواقع الإلكترونية دون الحيلولة”.
ويرى البرعي أن “مصر بتتغير ولدينا تطورات إيجابية من الممكن ألا تكون سريعة، والموقف اليوم ليس مشابها لما كان منذ 3 سنوات، فنحن أفضل فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، لدينا تحرك بطئ ونأمل أن يتكمل”.
قرارات إخلاء السبيل مرضية.. وثمة المزيد
ويقول المحامي الحقوقي أحمد راغب، إن قرارات إخلاء السبيل هو مؤشر جيد. متابعاً: “أتمنى أن تكون بادرة في طريق خطة لحفظ الملف الحبس الاحتياطي”.
الأمر نفسه يراه المحامي ياسر سعد الذي يقول إن “أيّ قرار بإخلاء سبيل متهم هو قرار مرضٍ لنا كمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان في مصر”.
لكنه يرى أن عدم وجود ضوابط تمنع ارتكاب الأجهزة الأمنية أو جهات التحقيق للانتهاكات، “أمرًا يحتاج تدخلاً عاجلاً”. وتابع: “نحتاج قيودًا واضحة ومباشرة تمنع تلك السلطات من انتهاك الحقوق الشخصية للأفراد”.
وطالب سعد بتنفيذ مواد دستور 2014، بشأن الحقوق المتعلقة بأن تكون محاكم الجنايات على درجتين. ولا يجوز حبس المواطن إلا بعد صدور أمر قضائي مسبب. وللمحبوسين احتياطا حق العلاج والتريض والتواصل مع محامينهم.
المطالب السبعة
في بداية مايو الجاري، أعلنت 5 منظمات حقوقية هي: المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، ومركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، قائمة تضم 7 إجراءات وصفتها بـ الضرورية والمحددة والعاجلة من أجل وقف التدهور غير المسبوق الذي تشهده مصر في أوضاع حقوق الإنسان على مدى الأعوام الماضية.
وتمثلت الخطوات السبع في المطالبة بالإفراج عن السجناء السياسيين المحبوسين احتياطيًا أو المحكوم عليهم من جميع التيارات السياسية بالآلاف بسبب نشاطهم السلمي، وإنهاء الحبس الاحتياطي المطول ومفتوح المدة ووقف “تدوير” السجناء السياسيين كمتهمين في عدة قضايا لإبقائهم في السجون.
كما جاء المطلب الثالث للمنظمات رفع حالة الطوارئ المفروضة منذ 2017 بالمخالفة للدستور والمستخدمة في تعطيل كافة الحريات الأساسية وحقوق المحاكمة العادلة.
وتضمنت المطالب تأجيل تنفيذ جميع أحكام الإعدام الصادرة في قضايا جنائية أو سياسية وعرضها على لجنة مختصة للعفو الرئاسي قبل تنفيذها.
وكانت منظمة العفو الدولية كشفت في تقريرها السنوي حول عقوبة الإعدام الصادر الأسبوع الماضي أن عدد عمليات الإعدام المسجلة في مصر ازداد ثلاثة أضعاف في عام 2020. هذا الرقم جعلها في المرتبة الثالثة عالميا كأكثر الدول تنفيذاً لعقوبة الإعدام بعد الصين وإيران.
كما طالبت المنظمات بإنهاء الملاحقة الجنائية للمدافعين عن حقوق الإنسان وإغلاق القضية 173 لسنة 2011 ضد منظمات المجتمع المدني.
وفيما يتعلق بالحقوق الأساسية، جاء المطلب السادس بسحب مشروع قانون الأحوال الشخصية وإطلاق حوار مجتمعي بشأن قانون عادل للأسرة يكفل الحقوق المتساوية للنساء. وأنهت المنظمات مطالبها برفع الحجب عن مواقع الإنترنت والصحف الرقمية والتي تجاوز عددها 600 موقع محجوب بالمخالفة للقانون وبدون حكم قضائي.