جرعةُ أخرى من مظاهر الود الإماراتي الموجه لدولة الاحتلال كان بطلها هذه المرة السفير الاماراتي محمد آل خاجة في دولة إسرائيل، بعدما ظهر في فيديو صادم، للجمهور العربي، وهو يستجدي البركات من رئيس مجلس حكماء التوراة اليميني المتطرف الحاخام الأكبر شالوم كوهين في القدس المحتلة.

السفير الإماراتي يخطب ود الحاخام ويتلقى بركته

أزمة الفيديو ليس فقط في جرعات الود الإماراتي، بل في توقيته بعدما أظهرت الإمارات خلال أحداث القدس الأخيرة وقصف قطاع غزة، موقفا مترددا في بعضه، ومنحازا للاحتلال في البعض الآخر، وذلك بالمخالفة للإجماع العربي المؤيد لحقوق الفلسطينيين في أراضيهم، وضد العدوان الاسرائيلي إجمالا على الأقل هذه المرة.

ودخلت الإمارات على خط التطبيع مع دولة الاحتلال، وأقامت علاقات دبلوماسية كاملة معها، أواخر العام الماضي، كما صادقت لاحقًا على إقامة سفارة لها في تل أبيب. وهي العلاقات الأولى من نوعها بين إسرائيل ودولة خليجية.

وبالرغم من أن الإمارات ليست الدولة الأولى في اتخاذ هذا المنحى، لكنها بحسب محللين ذهبت بعيدا في تلك العلاقات، وبالغت في إظهار الود، في وقت يتواصل فيه العدوان على الفلسطينيين، عبر الهجوم المباشر على قطاع غزة وايقاع مئات الضحايا، وكذلك توحش سياسة الاستيطان، ونزع الأراضي، بشكل غير مسبوق.

و خلال عدوان الاحتلال الأخير وفي أيام قليلة استشهد 289 فلسطينياً بينهم 69 طفلاً، و40 سيدة، و17 مُسناً، بجانب أكثر من 8900 مصاب، بينهم 90 إصابتهم “شديدة الخطورة” .

وبالتزامن مع ذلك، نشرت وسائل إعلام تابعة للاحتلال صوراً توثق لحظة تلقي آل خاجة “بركة الكهنة” من الحاخام، وتظهر الصورة السفير الإمارتي منحنياً على ركبته، داخل بيت الحاخام في القدس المحتلة، بينما يضع الأخير يده على رأسه، وفي ما يبدو يتلو عليه بعض الكلمات التي يعتبرها مباركة.

ونشرت “إسرائيل بالعربي” التابعة للخارجية الإسرائيلية الصور، وعلقت قائلة: “سفير الإمارات لدى إسرائيل رئيس مجلس حكماء التوراة الحاخام الأكبر شالوم كوهين في منزله في أورشليم، حيث تلقى منه بركة الكهنة”.

وأضافت الصفحة أن الحديث دار أيضاً حول “الاتفاقات الإبراهيمية كما تبادلا الهدايا الرمزية، ودعا السفير الحاخام لافتتاحية معبد الديانات الإبراهيمية الثلاث بأبو ظبي”.

ووجه السفير الإماراتي دعوة للحاخام من أجل حضور معرض ديني سيقام في أبو ظبي حول “الديانات”.

آل خاجة يتهم الإعلام الناقل للعدوان بالجنون

لم يقف الأمر عند هذا الحد، فبادر السفير بالهجوم على وسائل الإعلام الناقلة للعدوان، مثل قناةَ الجزيرة واتهمها بـ”تأجيج الجنون” في المنطقة.

كما بث مقطع فيديو يقول فيه الدبلوماسي الإماراتي إنه صدم عندما جاء إلى دولة الاحتلال، وشاهد مسجداً في تل أبيب على غير ما تقدمه القنوات مثل الجزيرة وغيرها، على حد قوله.

وخلال الانتفاضة الأخيرة، لم يتخذ آل خاجة أي موقف يذكر تجاه الأحداث في القدس المحتلة، والانتهاكات بحق السكان في قطاع غزة، ومارس أنشطته التطبيعية بكل همة، وبشكل يومي.

الهاجس الإيراني.. ليس السبب الوحيد في الهرولة الإماراتية

العسل بين أبو ظبي وتل أبيب ليس بالجديد فأحبال الود قديمة، وإن لم تكن بهذه العلانية، وأسبابه عدة، إلا أن الظاهر منها كان وقف الضم “الإسرائيلي” وضمان حقوق الفلسطينين، وهو ما خالفته الإمارات في كل خطوة لها لاحقا.

يشير الكاتب الصحفي والباحث الصحفي هشام جعفر إلى أن التحركات الإماراتية لا يمكن وصفها بالممارسات التطبيعية، ولكن يمكن وصفها بـ “السماجة” المشوبة بالاستفزاز، مضيفا “للتطبيع شكل رسمي، ومستوى لا يتطلب كل هذا الكم من المبالغات، بغض النظر عن قبولنا له من عدمه”.

وتابع جعفر:  “هناك دول عديدة سبقت الإمارات في التطبيع الدبلوماسي مع الاحتلال وعلى رأسها مصر، ولكن دائما ماتكون الأمور في حدود الضروريات دون مبالغة”.

أما ما تحاول الإمارات صنعه هو مساعدة الكيان في اختراق العمق العربي حتى على المستويات الشعبية، والتي طالما سعت “إسرائيل” لضمانه، كما أنها تساهم بأقصى جهودها في تحقيق أهداف صفقة القرن، والتي تقوم بالأساس على تجاوز حقوق الفلسطينين، وتهويد القدس، في مقابل إمكانية سلام، دون الأرض، بحسب جعفر.

وقال جعفر: “تقدم الإمارات الغالي والنفيس في سبيل نيل رضا الكيان من منطلق أنها الباب الذهبي للوصول إلى قلب الحليف الأمريكي، وضمان الحماية المطلقة، وكذلك الاستفادة اقتصاديا من التقدم التكنولوجي لدولة الاحتلال”.

وهو رأي وافقه الكاتب الصحفي خالد داوود، مشيرا إلى أن هذا الاعتقاد لا تنفرد به الامارات، ولكنه إيمان راسخ عند دول عربية عدة مثل مصر، والمغرب وغيرها.

الهاجس الإيراني

غير أن داوود يؤكد أن الهاجس الإيراني هو السبب الرئيس في الهرولة الإماراتية باتجاه دولة الاحتلال، مدللا على ذلك بمقابلات وزراء الخارجية الخليجيين وإبداء مخاوفهم بشكل مستمر من طهران، وتقديم عداوتها على كل ما عداها.

لاتقتصر تلك المخاوف على الإمارات في رأي داوود بل تمتد إلى الخليج بأكمله، ويذكر بوثائق ويكليكيس التي يصف فيها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله طهران برأس الأفعى، ويؤكد أنها الخطر الأعظم بالنسبة للمنطقة، اعتمادا على قربها الجيوسياسي، كذلك انتماء جزء من السكان بالخليج إلى أصول إيرانية شيعية.

وتوقع الرئيس السابق لحزب الدستور زيادة معدل المبالغات الإماراتية تجاه حليفها، نتيجة تغير الادارة الأمريكية التي لم تعد ترى في إيران عدوا لا يمكن التعامل معه، بل وتسعى للاستفادة من قوته الإقليمية، وهي الرؤية التي تشترك فيها أبو ظبي مع تل أبيب في رفضها.

ولكن عداوة طهران وتحصين نفسها أيضا ليس السبب الوحيد من وجهة نظر جعفر أو حتى مبرر يجوز قبوله، بدعوى أن ترتيبات الأمن الإقليمي يمكن التوصل إليها، بعيدا عن تلك التنازلات كما في الحالة السعودية على سبيل المثال.

وتخوض السعودية مناقشات مكثفة مع الجانب الإيراني، كما أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سبق وأن أعلن استعداده لبدء الحوار المباشر مع طهران، وهو ما قوبل من قبل الزعماء هناك بالترحاب.

اقرأ أيضا:

تطبيع في الخليج وخسائر محتملة في مصر.. الفاتورة الاقتصادية والسياسية التي قد تدفعها مصر ثمنا “للهرولة العربية الجديدة”

 

تجاوز سعودي والقفز على الدور المصري

في رأي داوود يمكن قراءة التحركات الإماراتية على مستويين أولهما تمهيد الأرض لتطبيع سعودي صهيوني، على اعتبار أن بن سلمان وبن زايد بينهما تحالفات وطيدة ومعلنة في المنطقة، ولكن يمكن أيضا اعتباره محاولة إيرانية لتجاوز السيطرة السعودية، وتشكيل نفوذ إقليمي مواز لدول رئيسة في الشرق الأوسط مثل مصر.

وتتحدث تقارير عن توتر العلاقات بين مصر والإمارات في الأشهر الماضية على خلفية الموقف الإماراتي الداعم لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في قضية سد النهضة، ومحاولتها إظهار الريادة من خلال تبني مبادرة بين أديس أبابا والخرطوم لإنهاء التنازع على إقليم القفشة قبل سحبها إياها بسبب التجاهل السوداني.

يعزز داوود وجهة نظره الأخيرة بالخلافات غير المعلنة بين الرياض وأبوظبي فيما يخص الملف اليمني، وبشكل خاص مغازلة الإمارات للحوثيين في بداية الحرب، في مخالفة لموقفها المعلن والداعم للحرب السعودية.

كما يرجع الأمر إلى أسباب تاريخية، فمن ناحية تعاملت الرياض مع الخليج باعتباره دويلات تابعة له، وفيما أثرت الإمارات العداء حاولت الخروج عنه، والمثال على ذلك ما نشره موقع ويكليكس في وثيقة عام 2008، حين أبدى فيها محمد بن زايد “احتقارًا للسعوديين”، مؤكدًا أنهم “ليسوا أصدقاءه” وأن هناك تاريخًا من “الصراع والدماء بينهم”، فضلاً عن وصفه لوزير الداخلية السعودي الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز بـ”القرد”.

وعلى سيرة مصر، يرى جعفر أن الامارات تبذل جهدا ملحوظا في القفز على الدور المصري وتقديم نفسها كبديل إقليمي للولايات المتحدة عبر بوابة “تل أبيب”.

اقرأ أيضا:

شواهد على تضاؤل نفوذ الإمارات في القرن الأفريقي

القاهرة تعيد ترتيب أوراقها

وخلال السنوات الأخيرة خرجت تصريحات من البيت الإماراتي تؤيد تعظيم دور أبو ظبي، واستحقاقه لقيادة المنطقة، ولعب دور الوسيط، وإزاحة القاهرة عن المشهد مستغلة ارتباك الداخل بالنسبة للأخيرة.

بالتوازي، كانت القاهرة تعيد ترتيب أوراقها منذ العام 2017 مع غزة وقيادات حماس، إلى جانب علاقاتها التاريخية مع فتح، مما أفشل المخطط الإماراتي، ظهر ذلك جليا خلال أحداث القدس وغزة التي أمسكت مصر فيه أطراف اللعبة، بحسب جعفر.

أظهرت الأحداث أن الدور الاقليمي لمصر لا يمكن أن يتم استبداله عبر الإمارات، فإلى جانب الثقل التاريخي للقاهرة، فهناك القنوات المفتوحة مع كل الأطراف الفلسطينية، التي أغلقتها الإمارات إرضاء لتل أبيب. فكانت النتيجة تجاهل دولة الاحتلال للإمارات، ومطالبة القاهرة عبر الولايات المتحدة بلعب دور الوسيط، بعد ان خسرت أبوظبي كل التأييد الشعبي، عبر معاداتها للمقاومة علنا ومعه فقدت أي ثقل سعت لتشكيله، بعكس النمط السياسي القطري مثلا الذي نجح في لعب دور الوسيط أيضا.

وبالنهاية يؤكد داوود أن أحداث القدس وما رافقها من تضامن شعبي واسع، يؤكد فشل المسعى الإماراتي بجدارة، فطالما كان الانفصال التاريخي بين ارادة الشعوب الرافضة للوجود الصهيوني من الأساس، وقفت حائلا أمام محاولات الحكومات للاعتراف بدولة الاحتلال.

مستدركا: “قد تكون الإمارات كسبت ود الاحتلال عبر عمل فني مشترك، او شراء منتجات المستوطنات، لبعض الوقت، لكنها من المؤكد خسرت أي ثقل اقليمي لها بفضل الفجوة التي اتسعت بينها كنظام وبين الشعوب بما فيها الداخل الإماراتي”.