مظاهرة حزن جابت صفحات التواصل الاجتماعي في مصر خلال الساعات القليلة الماضية بعد تناقل خبر وفاة السيدة السويسرية إيفلين، مؤسسة مدرسة الفخار والخزف بقرية تونس في محافظة الفيوم.
عاشت إيفلين نصف حياتها، التي توقف عدادها عند 82 عاما، في مصر، حيث مكان زوجها الراحل سيد حجاب وابنته، إلى جانب مكان آخر أحببته ووهبته حياتها بقرية تونس، للدرجة التي جعتلها توصي بدفنها في القرية التي أنهت حياتها فيها.
يدين سكان تونس، الواقعة على ضفاف بحيرة قارون والتي تبعد نحو 60 كيلومترًا عن مدينة الفيوم، بالفضل لإيفلين، بتحويلها إلى مزار سياحي لعرض المنتجات والصناعات اليدوية من خزف وفخار.
قصة إيفلين وصناعة الفخار في تونس
بدأت قصة إيفلين عندما قامت بشراء قطعة أرض وبنت عليها منزلًا للعيش فيه لتصبح واحدة من أهالي القرية، ومن ثم لاحظت معاناة الأهالي من بدائية المعيشة وانعدام الخدمات مثل المياة والكهرباء وغيرها، لتقرر بعد سنوات طويلة من معيشتها وسط أهالي القرية تنظيم أول مهرجان للخزف في تونس، ليكون السبب الأساسي في لفت نظر المسئولين للقرية وبداية توصيل الخدمات والمرافق لها.
قررت إيفلين أن تستغل حب أطفال القرية للعب والتشكيل بالطين، من خلال تعليمهم فن صناعة الفخار وتحويلها من قرية ريفية إلى سياحية ومشاركتها في المهرجانات الدولية للخزف، وتنظيم مهرجان سنوي بالقرية يشارك فيه العديد من الفنانين التشكيليين من كافة الجنسيات. بعد أن اكتشفت موهبة القرية الفنية المتوارثة عبر الأجيال في صنع الفخار، لذا قررت أن تفتح مدرسة لتعليم صناعة الفخار بشكل عملي وحرفي.
وتونس قرية تشتهر بالمعمار ذات الطابع المميز، فيغلب على تصممها القباب و الطرازين الإيطالي. وسُميت بـ “تونس” لأن منازلها البيضاء تشبه بيوت دولة تونس.
لطالما صرحت إيفلين أنها أصبحت فلاحة مصرية من خلال عيشتها ما يقرب نحو خمسين عامًا، برفقة زوجها الشاعر الراحل سيد حجاب، بعد أن درست الفنون التطبيقية في جامعة جنيف. لتنشأ المدرسة التي وصل عدد الملتحقين بالمدرسة سنويًا 100 طالب وتزداد الأعداد أثناء الإجازات الصيفية، ليصل إلى 500. فتمكنت إيفلين من تحويل القرية إلى معارض صغيرة للفخار. ففي كل بيت ورشة ومعرض صغير بشكل يواكب المعارض الدولية.
تحكي إيفلين: “عملت بتقنيات كانت تستعمل في إنتاج الخزف الفاطمي الإسلامي، وهي تقنيات صعبة، لكن الأطفال تعلموها بسهولة و أتقنوا العمل بها، وأهم ما يميز هذه التقنية هو أن الخزف يُحرق مرة واحدة وليس اثنتين كما يعرف الآن، وقد لاقت أعمال الخزف التي ينتجها الأطفال إعجاب محبي فن الخزف في مصر والخارج”.
تعد دولة فرنسا الأكثر اهتمامًا بالمنتجات الصادرة من قرية تونس، فضلًا عن دخول عدد كبير من المستثمرين بإقامة فنادق وقرى سياحية داخل القرية للاستفادة من شهرتها. كما تحتضن عددا من الفنانين الأوروبيين المقيمين، أشهرهم دنيس جونسون Denys Johnson تلميذ عميد الأدب العربي طه حسين، الذي كان أول من ترجم أعمال نجيب محفوظ، ورسام الكاريكاتور محمد عبلة الذي بنى منزلًا ومتحف الكاريكاتير ومركز الفنون.
سعت إيفلين كثيرًا للحصول على الجنسية المصرية قبل موتها، خصوصًا أنّ ابنتها حاصلة على الجنسية المصرية ومتزوجة من مصري.
نعي سويسري
ونعت صفحة السفارة السويسرية في مصر على فيسبوك إيفلين بقولها إن مصر ودعت رائدًة في خدمة المجتمع الإبداعي وتنمية المجتمع وأحد أعمدة الجالية السويسرية في مصر.
“قررت السيدة بوريه الانتقال إلى مصر من سويسرا منذ أكثر من 45 عامًا بعد دراسة الفنون الزخرفية – مع تخصص في السيراميك – في جنيف، حيث أقامت ورشًا للفخار للأطفال الذين يعيشون في الريف بالإضافة إلى ورش عمل أخرى في صعيد مصر. دفعتها هذه التجارب المختلفة إلى إنشاء مدرسة للفخار في قرية تونس بالفيوم والتي ساهمت على مر السنين بشكل كبير في تنمية المجتمع وتمكين المرأة وسلطت الضوء على قرية تونس في الفيوم لتجعلها أحد المقاصد السياحية المهمة في مصر” جانب من نعي السفارة لإيفلين.
مدرسة جزويت القاهرة قدمت نعيا أيضا للفنانة السويسرية، وقالت إنها وهبت حياتها لأبناء قرية تونس بالفيوم منذ أربعين عاما وقدمت للفن والثقافة المصرية خدمة جليلة عبر معايشتها لهم وإنشاء مدرسة شهيرة لتعليم فن الخزف، تربى وتعلم فيها أجيال من أبناء القرية حتى أصبح لكل منهم اسمه في هذا العالم، ويعتبرها أهالي القرية أما روحية، فيما اعتبر بيتها بيتا كبيرا للعائلة الثقافية والفنية المصرية طوال هذه السنوات.