جددت واقعة الطفلة تسبيح في محافظة قنا المطالبة بإقرار قانون المسؤولية الطبية، في ظل جدل حول حدود تلك المسؤولية. في إطارالخلاف بشأن كيف يمكن اعتبار واقعة معينة “إهمال طبي” يستوجب المحاسبة، وأخرى لا يتحمل الأطباء مسؤوليتها.
تفاصيل الواقعة
“واقعة تسبيح” تعود لسيدة حامل تدعى أنغام جابر وضعت مولوديها “التؤام” في الأسبوع الـ 27 من الحمل عام 2018. الأم تعاني من ارتفاع الضغط وسكر الدم ونزيف رحمي مستمر، ما أدى إلى وفاة أحد الطفلين والأخرى “تسبيح” استمرت على قيد الحياة.
وصف الأطباء تلك الولادة بأنها “إجهاض أو ولادة مبكرة”، تُعرِّض الجنين لخطر الإصابة بمضاعفات أو الوفاة؛ نظرًا لعدم اكتمال نموه.
مكثت الطفلة “تسبيح” لمدة أسبوعين بحضانة مستشفى خاصة، ونظرًا للتكلفة العالية تم نقلها إلى حضانة مستشفى قنا العام. ظلت بها 40 يومًا ثم تقرر خروجها دون إنذارها من الأطباء بعرض الطفلة على طبيب عيون متخصص لفحص الشبكية، بحسب الأم.
أحكام ضد الأطباء ودفاع زملائهم
تعرضت “تسبيح” إلى انفصال الشبكية، وقضت محكمة جنح قنا بسجن 16 طبيبًا بمستشفى قنا العام عامين وغرامة 100 ألف جنيه. وذلك بتهمة الإهمال الطبي الذي نتج عنه فقدان بصر الطفلة تسبيح مدى الحياة.
تضامن أطباء مع زملائهم عبر وسوم (#التضامن_مع_أطباء_مستشفى_قنا” و “#لا_لحبس_أطباء_أطفال_قنا”، دفاعًا عن أطباء مستفى قنا العام.
الدكتورة أسماء عرفة الطبيبة بمستشفى قنا العام، تقول إن الأصل في الأطفال الخدج أقل من 30 أسبوع رحمي هو الوفاة. وتشير إلى أن الاستثناء هو أن يعيش الطفل، لأن جميع الأعضاء ناقصة النمو، ولا توجد مناعة.
توضيحات طبية
التهاب الأمعاء، توقف التنفس، العدوى، تسمم الدم، نقص عوامل التجلط، النزيف الداخلي بالمخ والأحشاء، اضطراب وظائف الكلى. جميعها عوامل تؤدي مباشرة إلى الوفاة، خاصة لو كانت الأم تعاني من مشاكل صحية.
تعرضت “تسبيح” إلى انفصال الشبكية، وهو أحد المضاعفات الشهيرة عند الأطفال ناقصي العمر الرحمي، بحسب الطبيبة أسماء عرفة.
وتضيف أن 50% من الأطفال المولودين قبل 34 أسبوعًا رحميًا، ويزنون أقل من 1500 جرامًا، تتأثر شبكية عيونهم بدرجات متفاوتة. و10% من المتأثرين يصلون لدرجات شديدة من المرض قد تؤدي إلى العمى.
وعن التعامل مع الطفلة “تسبيح”، تقول عرفة إن جميع أعضائها ناقصة التكوين وتعاني من صعوبة شديدة في التنفس. ولفتت إلى أنه جرى التعامل معها في إحدى المستشفيات الخاصة، ثم حولت إلى حضانة مستشفى قنا العام لارتفاع تكلفة العلاج.
وتشير إلى أن الوفاة هي الأصل والحياة استثناء لدى مولدي ذلك العمر الرحمي، مثلما حدث مع توأمها. مؤكده أنه جرى التعامل مع الطفلة على أكمل وجه، وبدأت تحمل الرضاعة، وزاد وزنها حتى أصبحت 1500 جراما خلال شهر.
ووصفت الطبيبة تلك التطورات بـ”المعجزة”، ثم خروج الطفلة إلى المنزل والتنبيه على الأهل شفهيًا بضرورة المتابعة وعمل فحص لقاع العين. وهو ما لم يفعله الأهل، وفق قولها.
المسؤولية الطبية تفرق بين الإهمال والخطأ والمضاعفات
وعن سبب عدم إجراء ذلك الفحص داخل المستشفى، قالت الطبيبة إن حالة الطفلة لم تكن تسمح بالتخدير الكلي اللازم للفحص. وعدم وجود استشاري شبكية أطفال حديثي الولادة بالمستشفى، بجانب أن حالة الطفلة لم تسمح بالنقل إلى مستشفى أخرى.
لجأت الأم إلى القضاء التي رأت بأن طفلتها تعرضت للإهمال الطبي داخل مستشفى قنا العام.
الطبيبة منى مينا ترى أن ما وقع على هؤلاء الأطباء “ظلم شديد”، باعتبار أن الأطباء بذلوا مجهودًا لإنقاذ الطفلة. والتي توفى توأمها بعد ولادته.
وتشير مينا لـ”مصر 360″ إلى أن عناصر الخطورة مكتملة في حالة الطفلة، واحتمال الوفاة كان الأعلى. ولفتت إلى أن فقدان البصر ضمن مضاعفات الحضانة ونسب الأكسجين وكان يمكن تلافيها، ولكن ليس كل جهد مبذول يتلافى المضاعفات.
وتدافع الطبيبة بأن الأطباء يبذلون جهدًا لإنقاذ طفلة ناقصة النمو، وهو ما يتعارض مع عقابهم. وتساءلت: “هل كل من مر على الحضانة يعاقب بالحبس. فعدد الأطباء يفسر بأنه تم الحكم على كافة الأسماء التي دونت اسمها في تذكرة المرور على الطفلة”.
الطعن على الحكم
تابعت نقابة الأطباء الحكم الصادر ضد أطباء قنا، وتقدمت بالطعن على الحكم، وتكليف المستشار القانوني للنقابة بالانضمام لهيئة الدفاع.
وطالب العديد بضرورة إقرار البرلمان لمشروع المسؤولية الطبية؛ لضمان وجود قانون عادل لمحاسبة الأطباء في حالات الأخطاء الطبية واردة الحدوث والمضاعفات المحتملة المذكورة عالمياً، مما يحفظ حقوق الأطباء وحقوق المرضى.
قانون المسؤولية الطبية
وتقدمت النقابة العامة لأطباء مصر للبرلمان بمشروع قانون المسؤولية الطبية منذ أكثر من ثلاث سنوات. والذي يمنع حبس الأطباء في القضايا المهنية التي لا تتضمن الإهمال الطبي المتعمد. ويعتبر إقرار القانون خطوة لمنع هجرة الأطباء، وعدم إقبالهم على التخصصات التي تحمل مخاطر في ممارستها.
أسامة عبد الحي، أمين عام نقابة الأطباء، قال في تصريحات لـ”مصر360″، إن الحكم الصادر يوضح محاكمة الأطباء بالقانون القديم. وهو خطأ في حق مهنة الطب وحق الطبيب والمريض، ويؤكد أهمية إقرار قانون المسؤولية الطبية، وفق عبد الحي.
وأشار عبد الحي، لـ “مصر 360″، إلى أن القانون يتضمن لجنة فنية للتحقيق مع الطبيب. فهو قانون مدني يتضمن غرامات، طالما لا يوجد إهمال جسيم ولا تخطي لقانون ممارسة المهنة. متابعا: “سيف الحبس ترك على رقبة الطبيب النتيجة ستكون إجحافًا الأطباء عن إجراء العمليات الصعبة والمعقدة والخسار هو المريض”.
وأكد أن قانون المسؤولية الطبية مطبق في عدد من الدول، ولا توجد دولة تحكم بحبس أطبائها؛ بسبب مضاعفات طبية.
ويقول عبد الحي إن المضاعفات التي وقعت للطفلة “تسبيح” نتاج طبيعي بسبب استخدام الأكسجين بالحضانة. وأشار إلى أن الأطفال المبتسرين يعانون من مشاكل في التنفس لعدم اكتمال الرئة، لافتا إلى أن الأطباء حاولوا إنقاذ الطفلة بتزويدها بنسبة من الأكسجين لتشبع جسدها بالحد الأدنى والمقبول. ولكن ذلك له مضاعفات على الشبكية لا يمكن تجنيها.
هل يُعاقب الطبيب جنائيًا؟
وتقول الطبيبة منى مينا إن المسؤولية الطبية يفرق بين المضاعفات وهي واردة الحدوث ولا يعاقب عليها الطبيب. وبين الخطأ الطبي الذي يعاقب الطبيب بدفع مبلع تعويضا لأسرة المريض ولا يعاقب جنائيا.
أما الحالة الثالثة وهي الإهمال الطبي فإنها تستوجب المحاسبة. مؤكدة أن الأطباء بشر ولا يمكن أن يرتكب 15 طبيبا الإهمال في واقعة واحدة. فما حدث مع تسبيح هو مضاعفات الأكسجين، وفي حالة خروجها من الحضانة كانت حدثت الوفاة.
وبناءً على تقارير الطب الشرعي صدر الحكم، الذي ترى الدكتورة منى مينا يفتقر إلى الخبرات. فقد رأينا قضايا مهمة تم التحقيق فيها من جانب شباب أطباء ملتحق بالمصلحة منذ 6 أشهر فقط.
وتضيف: “حين عملي بالنقابة تمت مخاطبة مصلحة الطب الشرعي لإنشاء لجنة يرأسها الطبيب الشرعي ويشارك فيها استشاريون للتخصصات المختلفة. ولكن تم رفض هذا الأمر”. وتختتم: “ليس كل وفاة مأساوية هي خطأ الطبيب. نحن نقابل الجهود بالعقوبة ونعاقب على النتيجة”.