إن منع إقامة السيدات المصريات في الفنادق المصرية بدون “مرافق شرعي”، ليس هو التناقض الوحيد بين واقعنا ونص المادة 11 من الدستور التي تتعهد فيها الدولة بالمساواة بين الرجل والمرأة دون تمييز بسبب الجنس أو لأي سبب آخر.

اقرأ أيضًا.. معركة الاغتصاب الطويلة

إنه ليس التناقض الوحيد لكنه ربما الأكثر الاستفزازًا، فإذا كان يمكن فهم وجود تمييزات أخرى تقف ورائها نصوص شرعية كالتي تتعلق بالزواج والميراث. فإن عدم استقبال فتاة أو سيدة تحت الأربعين في فندق لمجرد أنها وحدها، أو لأنها “بلا رجل” (فقد مُنعت سيدات كان بصحبتهن أطفالهن)، بينما يمكن لأي رجل، لأي شاب – قد يكون الأخ الأصغر لتلك السيدة- بالتسجيل في أي فندق أو “بنسيون” في أي وقت ولأي مدة.

هو أمر لا يثير الغضب بسبب هذه التفرقة فحسب، بل أيضًا لعدم استناده إلى أي نص قانوني. كما أنه – ككل الإجراءات التمييزية- يؤدي عادة إلى أثر عكسي. فقد شهدت من قبل على حالات لصديقات ومعارف كن في أسفار خارج محافظاتهن لأسباب مهنية أو عائلية. ولم يخطر ببالهن أن فندقًا سيمنعهن من الإقامة لمجرد أنهن سيدات. هكذا وجدن أنفسهن يحملن حقائبهن في الليل بحثًا عن مكان للمبيت في مدينة غريبة. لأن من اتخذ هذا القرار يعتقد أنه بهذا يحمي الآداب العامة!

دعوى قضائية بوقف قرار منع نزول الفتيات في الفنادق

إلغاء القرارات الأمنية لإقامة الفتيات في الفنادق

لهذا أتمنى التوفيق للدعوى القضائية التي أقامها المحاميان بالنقض صلاح بخيت وهاني سامح رقم 48010 لسنة 75 قضائية. التي تطالب بإلغاء “القرار والتعليمات الأمنية والتنبيهات الصادرة من وزارة الداخلية للفنادق والبنسيونات وجميع المنشآت ذات الصلة وبالأخص فنادق النجمة الواحدة والثلاثة نجوم، بعدم السماح للسيدات المصريات أو مواطنات دول مجلس التعاون الخليجي اللواتي تقل أعمارهن عن 40 سنة. بتسجيل الوصول بمفردهن والإقامة دون أزواجهن أو أقاربهن من الذكور”.

كما طالبت الدعوى كذلك رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية ووزارة السياحة بإصدار تعليمات للفنادق بكافة أشكالها ودرجاتها. بقبول إقامة النساء المصريات بدون أي تمييز عن الذكور و إلغاء كافة العراقيل.

اقرأ أيضًا..

وأكدت الدعوى أنه أثناء إجازة عيد الفطر الماضي فوجئ المحامي رافع الدعوى بقيام الفنادق وبالأخص البنسيونات والثلاث نجوم وما دونها. بمنع ورفض قبول إقامة النساء المصريات تحت سن الأربعين بالفنادق. لدرجة صدور تنبيه كتابي بمواقع حجوزات الفنادق الإلكترونية يحذر عند إتمام الحجوزات. بما نصه “يُرجى الملاحظة انه لا يُسمح للسيدات المصريات او مواطنات دول مجلس التعاون الخليجي اللواتي تقل أعمارهن عن 40 سنة بتسجيل الوصول بمفردهن دون أزواجهن”.

هذه ليست المرة الأولى التي تثار فيها هذه القضية، لكنها – على حد علمي- المرة الأولى التي يتخذ فيها إجراء قانوني لمحاولة إلغاء هذا القرار السلبي. كما أرجو أن لا تخدعك كلمة “وحيدات” هنا، فهي قد تعني مجموعة من عشر نساء أو عشرين، هن “وحدهن”. طالما أن ليس معهن “محرم شرعي”. بينما لا يعوز الرجل إلا نفسه وبطاقته الشخصية ليرحّب به في أي مكان. إنها درجة من التمييز تكاد تنتمي إلى عصور الحرملك.

قرار تمييزي

وبالطبع، ومرة أخرى ككل القرارات التمييزية، فإن لها بعدها الطبقي. هكذا فإن هذا “العيب” في إقامة فتاة بمفردها في الفندق، ينتفي تمامًا إذا كان الفندق من عينة الخمس نجوم لا أقل. عدة آلاف من الجنيهات ستلغي الخطر على الآداب العامة. كما أن لجواز السفر بالطبع دوره، فالباسبور الأجنبي مرحب به في كل مكان بلا قواعد “مصرية”، ولكن هذه قصة أخرى.

لقد رافقت الحجج الأخلاقية مسألة حقوق المرأة منذ البداية، منذ كان خروج المرأة للتعليم “مسببًا للفساد”، ثم خروجها للعمل “انهيار للأخلاق” وسفرها للخارج “من علامات الساعة”، وفي كل مرة كان يتضح سخف وهشاشة هذه الادعاءات، بل يتضح أن الحقيقة تكمن في العكس تمامًا. فتعلّم المرأة وعملها واستقلالها الاقتصادي هو ما يحميها من الاستغلال والانتهاك خارج البيت وداخله. كما أن الحفاظ على حقها الطبيعي في استئجار غرفة بمالها الخاص، غرفة لها باب تغلقه على نفسها في الليل. هو ما يحميها كما يحمي أي إنسان، ومن الغرابة أن نتصور العكس، أو نتصور أن الهدف هو عقاب تلك المرأة على استقلالها، لا حمايتها ولا حماية الأخلاق!