اقترب سجناء رأي من إكمال عامين على الحبس الاحتياطي الذي يجرى تجديده. اشترك جميعهم في مصير الزنزانة التي تحبس عنهم هواء الحرية، وباتوا ينشدونها، رفقة مطالب حقوقية محلية ودولية. وذلك انطلاقًا من حالات إفراج أخيرة عن عدد من المحبوسين، اعتبرت مقدمة لانفراجة أوسع نطاقًا في ملف حقوق الإنسان.
رغم اختلاف القضايا التي تحمل عنوان حبسهم، إلا أن سجناء الرأي يجمعهم أمل واحد حاليًا، وهو أن تشملهم قرارات بالإخلاء. خاصة أن أغلبهم يستحق الإخلاء قانونيًا وليس عفوًا، مع اكتمال مدة الحبس الاحتياطي.
تحالف الأمل
سجناء قضية “تحالف الأمل“، يتممون عامهم الثاني بعد أسابيع قليلة، بعدما جرى القبض عليهم في 24 و25 يونيو 2019. وتضم القضة حسام مؤنس وهشام فؤاد الشابين الطموحين، والبرلماني السابق زياد العليمي، والنقابي العمالي حسن بربري ورجال الأعمال عمر الشنيطي. انضموا جميعًا للقضية 930 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا.
أصدرت المحكمة تجديدات مستمرة، اقتربت من العامين في الحبس الاحتياطي، الذي يستنكره الحقوقيون باعتباره ليس عقابًا. وفي 5 يوليو 2019 أدرج منسق الحملة الشعبية المصرية لمقاطعة إسرائيل رامي شعث بالقضية.
وفي محاولة لمنع طول مدة الحبس جرى تدوير المسجونين في قضايا أخرى. وأشارت 11 منظمة حقوقية إلى “قلقها” من التحايل على الإفراج عنهم سواء باتهامهم أو الزج بهم في قضايا جديدة. وهو ما يرسخ النمط الذي بات يعرف باسم “التدوير“، أو أن “تتم إحالتهم إلى المحاكمة تمهيداً لعقابهم على ممارسة حقوقهم السياسية المكفولة بالدستور”.
جاءت تخوفات المنظمات، بعد تدوير الناشط العمالي أحمد عبد القادر الذي تلا قرار إخلاء سبيله في أكتوبر 2020. لكنه ظهر أمام النيابة متهمًا على ذمة قضية أخرى حملت رقم 1065 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا.
وطالبت المنظمات برفع أسماء 13 محبوسًا بذات القضية من قوائم الإرهاب، من بينهم زياد العليمي ورامي شعث. تزامنًا مع جلسة نظر محكمة النقض الطعون المقدمة منهم في هذا الشأن، والمقرر انعقادها في 9 يونيو القادم.
ويواجه المتهمون اتهامات بـ”مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها. ونشر وبث أخبار كاذبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بغرض إثارة الفتن وقلب نظام الحكم”. فضلاً عن “اتهام بعضهم بتمويل وإمداد الجماعة الإرهابية”.
الأوضاع الصحية خلال العامين
لم يمر العامان على محتجزي قضية الأمل دون صعوبات، حيث واجهوا إهمالا طبيا في ظل مخاوف من تفشي وباء كورونا. فيواجه الناشط والبرلماني السابق زياد العليمي أمراض الربو وارتفاع ضغط الدم ومرض مناعي نادر. كما أصيب خلال فترة احتجازه بارتشاح في القلب.
وتنص المادة 143 من قانون اﻹجراءات الجنائية على “ألا يتجاوز مجموع مدد الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق والمحاكمة بأي حال من الأحوال مدة عامين. وذلك في حالة الاتهامات التي تصل اﻷحكام فيها للمؤبد أو الإعدام”.
وأشارت المنظمات الـ 11 إلى أن عضو المنتدى المصري لعلاقات العمل علاء عصام تعرض للاعتداء، أثناء احتجازه بمقر الأمن الوطني في السويس. كما تحدث حسام مؤنس، أحد مؤسسي حزب التيار الشعبي، عن حرمانه من التريض والزيارة.
ويواجه الصحفي هشام فؤاد أوضاعا سيئة، سواء فيما يتعلق بالتهوية أو غياب الرعاية الصحية، واستمرار معاناته من آلام الضهر والغضروف.
الصحفي أحمد شاكر.. ثاني عيد ميلاد في الزنزانة
وبعد أشهر قليلة، يكمل أحمد شاكر الصحفي بمؤسسة “روز اليوسف” عامين من الحبس الاحتياطي. بعد القبض عليه فجر 28 نوفمبر 2019 من منزله بمدينة طوخ بالقليوبية. قبل أن يظهر في النيابة يوم 30 نوفمبر.
ويستمر حبس شاكر على ذمة القضية رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة. والمتهم فيها بـ”نشر أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها”.
وسط مطالب عديدة بالإفراج تنتظر أسرة شاكر عودة نجلها، الذي يحتفل بعيد ميلاده الثاني داخل جدران الزنزانة. وتأمل الأسرة أن يشمل ابنها قرار الإفراج الذي صدر لعدد من المتهمين في ذات القضية.
عمرو نوهان.. سجن محام من قسم شرطة
وخلال أيام أيضًا يكمل المحامي عمرو نوهان عامين على ذمة القضية رقم 741 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا. وجرى القبض عليه في 10 يونيو 2019 أثناء تواجده بمركز شرطة كرموز أثناء تقديمه المساعدة القانونية لأحد المتهمين. ومنذ ذلك الحين وهو رهن الحبس الاحتياطي.
ويواجه نوهان اتهامات بـ”بث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة. ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم والترويج لأغراضها، وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي”.
علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر.. حبس المحامي وموكله
في 28 سبتمبرالمقبل، يكمل الناشط السياسي علاء عبد الفتاح عامين في الحبس الاحتياطي، دون محاكمة. ضمن حملة اعتقالات بعد موجة محدودة من احتجاجات نادرة شهدتها أماكن متفرقة من البلاد. عبدالفتاح انضم للقضية رقم 1356 لسنة 2019 أمن دولة. وجرى واتهامه بـ”بث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، إساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك”.
وكان علاء حينئذ قد قضى حكما بخمس سنوات من السجن بعد إدانته بخرق قانون التظاهر عام 2014. وذلك في القضية المعروفة إعلاميا بـ “أحداث مجلس الشورى”. وكان علاء لا يزال ينفذ عقوبة المراقبة حيث يقضي 12 ساعة يوميا في قسم الشرطة.
وفي القضية نفسها المنضم لها عبد الفتاح، ضمت النيابة إليها محاميه، محمد الباقر الذي ذهب لتقديم المساعدة القانونية له أمام نيابة أمن الدولة، طبقا لعمله. ليجري احتجازه وإدراجه متهما في نفس القضية.
وفي هذا الشأن قالت منظمة العفو الدولية: “تواصل السلطات احتجاز المحامي الحقوقي محمد الباقر والناشط علاء عبد الفتاح تعسفياً لأكثر من 20 شهراً دون محاكمة. على خلفية تهم لا أساس لها تتعلق بالإرهاب، ويحتجزان في ظل أوضاع لا إنسانية. طالبوا بحريتهم”.
كما طالبت 11 منظمة مجتمع مدني السلطات المصرية بالإفراج الفوري عن محمد الباقر، المحامي والحقوقي مدير مركز “عدالة” للحقوق والحريات.
وفي 31 أغسطس 2020، جرى تدويره الباقر وإدراجه على ذمة قضية جديدة برقم 855 لسنة 2020 حصر أمن الدولة العليا. كذلك في 19 نوفمبر 2020، تم إدراجه على قوائم الكيانات والأشخاص الإرهابية.
وكانت 30 دولة عضو في “مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة” أعربت عن قلقها العميق إزاء “مسار حقوق الإنسان في مصر”. وأصدرت تلك الدول بيانا استنكاريا بشأن الاعتقال التعسفي والاحتجاز والملاحقات القضائية الأخرى بحق المدافعين الحقوقيين.
وأشارت إلى أنه يقبع حاليا خلف القضبان ظلما أثنان من مديري المنظمات الحقوقية هما محمد الباقر وعزت غنيم. إضافة إلى الباحثيَن في مجال حقوق الإنسان باتريك جورج زكي وإبراهيم عز الدين. والمحامان ماهينور المصري وهيثم محمدين وهدى عبد المنعم.
عقوبات تعسفية
كما صدر بحق بهي الدين حسن مؤسس ومدير “مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان” حكم غيابي بالسجن لمدة 15 عاما. وتشمل الاعتداءات الأخرى ضد المدافعين الحقوقيين حظر السفر وتجميد الأصول والضم لــ”قائمة الإرهابيين” كعقوبات تعسفية. فضلا عن التحقيقات الجنائية المطولة في القضية رقم 173 لسنة 2011، والانتقام من المدافعين الحقوقيين لتعاونهم مع آليات الأمم المتحدة.
من جانبها، طالبت 63 منظمات حقوقية مصرية وأجنبية السلطات المصرية، بما في ذلك الرئيس عبد الفتاح السيسي، باتخاذ إجراءات فورية لإنهاء “حملة القمع الشاملة التي تشنها السلطات على المنظمات الحقوقية المستقلة وكافة أشكال المعارضة السلمية”.
وأصدرت المنظمات عددًا من التوصيات من أجل ضمان تحسينات ملموسة في وضع حقوق الإنسان في مصر، وضمان امتثالها لالتزاماتها الدولية.
سبع وصايا
وجاء من بين التوصيات “الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأشخاص المحتجزين لمجرد ممارستهم السلمية لحقوقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع. والإفراج عن الآخرين المحتجزين تعسفيا، ومن ضمنهم المحتجزين احتياطيا لفترة طويلة دون محاكمة أو دون إمكانية الطعن في قانونية احتجازهم. وإنهاء الممارسة المعروفة ب(التدوير)، وحماية المحتجزين من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة. وضمان تواصلهم المنتظم مع عائلاتهم، ومحاميهم الذين يختارونهم، وحصولهم على الرعاية الطبية المناسبة”.
كما دعت إلى “الإدانة العلنية لممارسات الإخفاء القسري والتعذيب وغيرها من الانتهاكات الحقوقية والجرائم الجسيمة بموجب القانون الدولي”. بالإضافة إلى “الانتهاكات داخل مراكز الاحتجاز أو في سياق عمليات مكافحة الإرهاب”.
وطالبت بتوفير “بيئة آمنة ومواتية للمدافعين الحقوقيين وتمكينهم من ممارسة عملهم. بما في ذلك حمايتهم بشكل فعال من الاعتقال التعسفي والاحتجاز وغيره من أشكال الانتقام أو المضايقة”.
كما قدم مركز التنمية والدعم والإعلام (دام) 15 توصية لإنهاء أزمة الحبس الاحتياطي في مصر. التي تسببت في توسيع دائرة سجناء الرأي على مدار السنوات الأخيرة. وذلك بالشكل الذي تحول معه الإجراء الاستثنائي إلى عقوبة، نتيجة التوسع في استخدام جهات التحقيق كافة الصلاحيات التي منحتها إياها النصوص القانونية من أجل تقييد حرية المقبوض عليهم بمسوغ قانوني.