“ابدأ حلمك” هذه الدعوة التي تبث الأمل وتتصدر مشروعًا كبيرًا تبنته وزارة الثقافة، أثار وهجًا يحاول ألا يخبو في نفوس المسرحيين بأقاليم مصر.
كيف تبدأ حلمك؟
عبر مرحلته الأولى “التأسيس” يهدف المشروع لاستكشاف قدرات المتدربين وقابلية كل منهم للتطور؛ لإخضاع إمكانياتهم الفردية للعمل الجماعي، تليها مرحلة التطوير، والتي يستخدم المتدربون ما تعلموه في صنع مشاهد مسرحية قصيرة تعتمد في جزء كبير منها على الارتجال، ثم يعقب ذلك مرحلة “العروض التقديمية” والتي يبرز خلالها المتدرب للجمهور نماذج مما تتدرب عليه مع المجموعة واستعراض المهارات التي اكتسبها خلال فترة التدريب، وهو ما يسمى بـ”عروض التخرج”.
أما المرحلة الأهم والأشمل ضمن المشروع الثقافي الفني “ابدا حلمك” فهي ما يتعلق بالفرق المسرحية العاملة بمسرح الثقافة الجماهيرية، لتغيير فلسفتها وتحديث أنماط الإنتاج بما يتماشى وطبيعة المجتمع الآن، إضافة إلى اكتشاف طاقات شابة جديدة من الموهوبين وتأهيلهم للعمل بالفرق المسرحية التابعة للهيئة بالأقاليم وصولًا إلى رفع كفاءة الفرق المسرحية وتحويل تلك الفرق لفرق دائمة تعمل طوال العام بتقديمهم عروضًا مسرحية تتوافق مع خصوصية كل محافظة.
أهداف المشروع
ويستهدف المشروع تعليم المشاركين مهارات التمثيل والارتجال والكتابة وعناصر صناعة الصورة للوصول إلى تقديم عروض مسرحية ذات طبيعة إنتاجية مختلفة، تنتمي إلى الطبيعة الثقافية للموقع المنفذ به المشروع.
واحدة من أهداف المشروع تتمثل في تغيير فلسفة العمل بالكيانات المسرحية الموجودة بالمواقع الثقافية، وتحديث أنماط إنتاج يتماشى وطبيعة المجتمع حاليًا، إضافة إلى اكتشاف طاقات شابة جديدة من الموهوبين وتأهيلهم للعمل بالفرق المسرحية التابعة للهيئة بالأقاليم.
كما يستهدف المشروع رفع كفاءة الفرق المسرحية، وتحويل تلك الفرق إلى “فرق دائمة” تعمل طوال العام على تقديم عروض مسرحية تتوافق مع خصوصية كل محافظة.
كما يهدف إلى “نشر منظومة القيم الإيجابية الطاردة للتطرف لدى الشباب من خلال سياسة ثقافية تعكس التسامح والمواطنة واحترام الأديان واحترام الاختلاف في الرأي”، كما يسعى لـ”تعليم المشاركين مهارات التمثيل والارتجال والكتابة وعناصر صناعة الصورة للوصول إلى تقديم عروض مسرحية ذات طبيعة إنتاجية مختلفة تنتمي إلى الطبيعة الثقافية للموقع المنفذ به المشروع”.
البداية وتصحيح المسار
أولى الانتقادات التي واجهها المشروع، عندما بدأ مركزيًا عام 2017 بالتعاون بين مسرح الشباب والهيئة العامة لقصور الثقافة في مركز الجيزة الثقافي، بسبب مركزية المشروع في العاصمة التي تحفل بالمعاهد المتخصصة والكليات والمسارح على مستوياتها المتفاوتة، إضافة لوجود نوافذ عديدة للفيديو والسينما تجذب بسرعة هواة التمثيل.
من هنا بدأ التغيير، وجرى توسعة المشروع، وأقرّت وزيرة الثقافة وقتها تشكيل لجنة عليا تشرف عليها بشخصها لتعميمه على مستوى الجمهورية. وبدأت الحاضنة الثقافة الجماهيرية وعاد المشروع لمكانه الصحيح، كي يحقق أهدافه، ومراهنًا على تحقيق عدالة ثقافية.
تشكلت اللجنة العليا للمشروع برئاسة الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة، وعضوية أحمد صلاح بهجت رئيس قطاع مكتب وزير الثقافة، والدكتور أحمد عواض رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، والمخرج هشام عطوة نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، والمشرف العام على المشروع، والمخرج إسماعيل مختار رئيس البيت الفني للمسرح، والمخرج أحمد ابو عميرة المدير التنفيذي للمشروع والمخرج أحمد طه المدير الفني، وعضوية الدكتور علاء عبدالعزيز.
باكورة المولود المسرحي
بعدها بعام، تحديدًا في سبتمبر 2018، انتقل المشروع للمحافظات، فكانت محافظات “أسيوط، الفيوم، والشرقية” أولى باكورة المولود المسرحي الجديد، وتخرجت أول فرقة في أكتوبر2020 في محافظة أسيوط، واعتمدتها وزيرة الثقافة كفرقة مسرحية نوعية.
منذ ذلك الحين، شكّل المشروع وهجًا يحاول ألا يخبو في نفوس المسرحيين بأقاليم مصر. باعتباره أطلق شرارة الأمل، حتى فيمن لم يعرفون شيئًا عن مشروع المسرح بالثقافة الجماهيرية. وهذا الشغف يحيلنا لسؤال أساسي حول الحق في الثقافة، وحق الفرد في أن يُشارك حرًا في الحياة الثقافية، يستمتع بالفنون ويسهم في التقدم العلمي، ويستفد من نتائجه، وهو ما حواه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 27، فهل كان لطموح العنوان مقابلا لتدشينه وخطوات تنفيذه؟.
حق دستوري
جاء ذلك متسقًا مع أطلق عليه العدالة الثقافية بنص الدستور المصري عام 2014 في المادة 48: “الثقافة حق لكل مواطن، تكفله الدولة وتلتزم بدعمه وبإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب، دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافى أو غير ذلك. وتولي اهتماماً خاصاً بالمناطق النائية والفئات الأكثر احتياجاً”.
الأفكار التي يحلمها المشروع، باعتباره فكرة إبداعية وطنية ترعاه الدولة، يجعله امتدادًا لفكرة الجامعة الشعبية منذ عام 1945، لتمتد ضمن وزارة الإرشاد إبان تولي ثروت عكاشة الوزارة التي استحدثتها ثورة يوليو، ثم الثقافة الجماهيرية في عام 65 وحتى قرار رئاسة الجمهورية عام 1989 بتحويلها لهيئة ذات طبيعة خاصة تحت مسمى الهيئة العام لقصور الثقافة، والتي في رأس أهدافها “المشاركة في رفع المستوى الثقافى وتوجيه الوعى القومي للجماهير في مجالات السينما والمسرح والموسيقى والفنون الشعبية والفنون التشكيلية وخدمات المكتبات في المحافظات من خلال بيوت وقصور الثقافة والمكتبات”.
مشروعات مماثلة.. والنهايات المحبطة
ولا يزال المشروع يخطو خطواته الأولى، يغرس بذورًا جديدة في كل محافظة حتى وصل لثمانية محافظات، ولا نزال ننتظر مرحلته الثالثة والرابعة حتى يشمل كافة محافظات مصر. فيما يستدعي ذلك إلقاء نظرة على مشروعات مماثلة، لم تنته إلى ما بدأت به.
المشروعات التي أطلقتها الدولة في السابق ترتكز على فكرة التدريب والتثقيف، وجرى إفراز عدد من الكيانات والتجارب، سواء كانت فرقًا مسرحية تأسست على أيدي الأباء المؤسسين أو مشاريع تثقيف وتدريب، مثل نوادي المسرح التي نادى بها الراحل عادل العليمي وكانت مشروعًا تنويريًا، ثم تحول بفعل التكلس لمهرجان عروض وبوابة اعتماد للمخرجين فقط.
وشهدت الفترة الماضية أيضًا محاولات إكلينيكة للتدريب وتطوير المخرجين بالنوادي عبر لقاء شباب المخرجين، وعروض التجارب النوعية، ومن قبل ذلك البحث عن لائحة لنوادي المسرح لم تر النور، وتجارب مثل مراكز التدريب المتخصصة، والتي بلغت 5 مراكز ببورسعيد والمنيا، وورش التدريب الدائمة التي تدشنها الإدارة العامة للمسرح سنويًا ببعض المحافظات أو الفرق التي تحتاج لدعم فني في عناصر العرض.
المطالبة بلائحة تحمي المشروع
تعرضت التجارب السابقة لانتكاسات، سواء بالتكلس بفعل الزمن والروتين، أو عبر فتور حماس المسئولين وتغييرهم فتتغير الأهداف، وتبدأ مرة ومرات في وصف نفس العجلة بمسميات أخرى، لأن تلك المشروعات لم تتم حمايتها أو تطويرها بما يتفق واستمراريتها، وهنا يطرأ السؤال: هل يواجه مشروع “ابدأ حلمك” نفس المصير؟ والإجابة تستدعي الحديث عن ضرورة تحصين المشروع بشكل لائحي لا علاقة له بمسئول أو تبني وزير.
لذلك لابد من وجود لائحة واضحة ونظام عمل ومراجعة دورية للخطوات والنتائج، وأن يكون جزءًا من خطة عمل الإدارة العامة للمسرح وفق الثقافة الجماهيرية وليس “مشروعًا فوقيًا”، باعتباره مشروعًا يدعم فرق الأقاليم، ويحتاج لتنسيق مظومي وليس بطريقة الجزر المنعزلة.
وهو ما يجعل “ابدأ حلمك” مشروعًا ثقافيًا تنويريًا ورافدًا مهمًا متخصصًا للمسرح المصري يعمل بشكل علمي ومنهجي مجاورًا للأكاديميات المتخصصة ويعطي فرصًا للموهوبين لصقل مواهبهم، وخلق أجيال جديدة من المسرحيين، يعملون بشكل أكثر احترافية داخل فرق الأقاليم واستمرار حلم التثقيف والتدريب.