يبدو أن الكارثة المحتملة لخزان النفط العائم “صافر”، قِبالة سواحل اليمن، بدأت تقترب. على وقع تهالك هيكل السفينة وتساقط أجزاء منها؛ ما يهدد بواحدة من أكبر الكوارث البيئية والنفطية في التاريخ.

و”صافر” سفينة عائمة صنعت قبل 45 عاماً، ترسو قبالة ميناء رأس عيسى بمحافظة الحديدة، كانت تستخدم كمنصّة تخزين عائمة، وهي محملة حاليًا بنحو 1.1 مليون برميل من النفط الخام، يقدّر ثمنه بحوالى 80 مليون دولار.

بداية الأزمة

وعندما بدأت الحرب في اليمن، وسيطرة جماعة “أنصار الله” الحوثيون على العاصمة صنعاء وموانئ الحديدة، لم تجرى أي عمليات صيانة للسفينة التي يبلغ طولها 360 متراً وعرضها 70 متراً، حيث عطل المسلحون عمليات الصيانة الدورية، واستخدموها كورقة ضغط في الصراع الجاري.

وكانت السفينة تستقبل إنتاج خمس شركات نفطية، وعبرها يتم تصدير النفط الخام من أنبوب قريب قادم من حقول محافظة مأرب شرق صنعاء، لكن الحرب أوقفت عمليات التصدير بشكل كامل، ومعها ظلت السفينة بحمولتها واحدة من الملفات المجمدة بفعل المأزق الأمني والسياسي.

السفينة صافر
السفينة صافر

مرت حوالي 6 سنوات على القنبلة الموقتة الراكدة قبالة سواحل اليمن، ومعها ظهرت مؤشرات على تحلل هيكل السفينة واحتمالية تسرب النفط، ما دعا الأمم المتحدة ومجلس الأمن ودول إقليمية ترفع أصواتها لتفادي الكارثة المحتملة.

وأظهرت صور متداولة هيكل السفينة وقد انتشر الصدأ في أرجائه، كما تسرّبت مياه إلى غرفة المحرّك، وهو ما جعلها مهددة بالانفجار أو الانشطار في أيّ لحظة، بل إن الأمم المتحدة تحدثت في أكثر من تقرير عن أن الحديث بات يدور حول: متى تنفجر وليس هل تنفجر؟

ملامح الكارثة

أفادت عدة دراسات دولية بأن السفينة تهدد بوقوع أكبر كارثة بيئية ذات آثار إنسانية واقتصادية بالغة السوء في ساحل البحر الأحمر والدول المجاورة، يستغرق الوقوف عليها عقوداً. كما أن احتمال وجود ألغام بحرية في المنطقة المحيطة بالسفينة، يهدد بكارثة أوسع.

تهالك هيكل السفينة صافر
تهالك هيكل السفينة صافر

الدراسات قالت إن السفينة بدأت تتحرك من مكانها بالفعل، وأنَّ احتمال اصطدامها بتلك الألغام وانفجارها أمرًا واردًا في أيّ وقت. كما أن التسرب النفطي الذي بدأ رصده بالفعل يهدد هو الآخر بانفجارها.

وذكرت دراسة أعدتها منظمة “أكابس” البحثية السويسرية أنه “إذا وقعت الكارثة، يمكن أن تطلق صافر أربعة أضعاف كمية النفط الخام التي انسكبت في كارثة إكسون فالديز لعام 1989، والتي كان لها آثار كبيرة على البيئة وعلى الناس وسبل عيشهم في المناطق المتضررة”. كما أن واحدة من السيناريوهات تتحدث عن تحلل جسم الخزان بفعل وجوده في الماء المالح، وهو ما يؤدب لنفس الأمر أيضًا.

قنبلة في يد الحوثيين

قصة تلك السفينة تمثل أحد فصول رواية الحرب اليمنية المعقدة، حيث وجد الحوثيون في خزان النفط هذا فرصة ثمينة للمساومة وكسب نقاط في مواجهة الحكومة المدعومة سعوديًا، للدرجة التي هدد فيها بعض قادة الجماعة ذات مرة بتفريغ حمولة السفينة في البحر الأحمر إن لم يُوقف التحالف العربي (تقوده السعودية) القصف على صنعاء.

بهذا المعنى باتت السفينة تمثل قنبلة بيد الحوثيين يهددون بقذفها في أيّ وقت، ومعها فشلت كل المحاولات الدولية لإقناع الجماعة بالسماح لفرق خبراء دوليين بتفقد السفينة وإجراء صيانة لها، لحين الاتفاق على الخلاف بشأنها.

الأمم المتحدة فشلت مرارا في الوصول للسفينة صافر
الأمم المتحدة فشلت مرارا في الوصول للسفينة صافر

على مدار الأعوام الستة الماضية، أبرم الحوثيون اتفاقات عديدة مع ممثلي الأمم المتحدة تقضي بوصول خبراء أمميين إلى السفينة، لكن الجماعة تعرقل المساعي في اللحظات الأخيرة، بحجة أن الحكومة المدعومة سعوديًا لا تفي بوعودها.

في واحدة من تلك المحاولات، جهَّزت الأمم المتحدة فريقًا في جيبوتي بالمعدات اللازمة لإجراء عملية الصيانة بعد اتفاق مع الحوثيين، لكن الجماعة ماطلت لأشهر حتى اضطر الخبراء للعودة إلى منازلهم. وقتها قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، إن المنظومة الدولية قد ملت مماطلة الحوثي، واضطرت إلى إرسال فريق التقييم والمهندسين إلى منازلهم بعد أشهر من الوصول والإقامة في جيبوتي بصحبة معداتهم.

ويقول الحوثيون إن الحكومة هي المسؤولة عن تأخر عمليات الصيانة لأنها تمنع وصول المازوت إلى السفينة، لكن الأخيرة تقول إنها تراقب الشواطئ لمنع تدفق الأسلحة الإيرانية للحوثيين، وليس لعرقلة وصول المواد الغذائية والمشتقات النفطية لليمن.

لماذا لا يتم التخلص من نفط “صافر”؟

أما مصير النفط الذي تحمله السفينة والبالغ 1.14 مليون برميل، فهو ورقة أخرى تتقاذفها الحكومة والحوثيون، فبينما تُصر الأولى على بيع هذه الكمية وتحويل عائداتها إلى مشروعات خدمية وإنسانية يجرى بيناؤها في عموم البلاد، فإن جماعة “أنصار الله” طرحت عدة مبادرات للتخلص من النفط مقابل وقف الكارثة.

المبادرة الأولى أوردها محمد علي الحوثي، بشأن السماح ببيع النفط الخام المخزن في السفينة، وتحويل عائداته إلى البنك المركزي الخاضع لهم في صنعاء، من أجل أن تسمح الجماعة للأمم المتحدة بإيقاف الكارثة المحتملة.

محمد علي الحوثي
محمد علي الحوثي

ولما وجدت الجماعة رفضًا قاطعًا من الحكومة، طرحت مبادرة أخرى تقضي بتقاسم عائدات النفط بينهما، لكن الحكومة رفضت أيضًا هذا العرض وأصرت على تحويل كامل العائدات إلى مشروعات خدمية. كما قال الحوثيون إنهم يوافقون على بيع النفط وتخصيص عائداته لدفع رواتب الموظفين المنطقعة في المناطق الخاضعة لسيطرة الطرفين، لكن الحكومة رفضت وتعللت بأن الأموال ستذهب لصالح تمويل العمليات القتالية التي يديرها الحوثيون وليس لصالح الموظفين.

هل تهدد “صافر” مصر؟

بخلاف التأثيرات البحرية والأضرار التي تلحق بقطاع الثروة السمكية، فإن التقارير تشير إلى أنّ السفينة تهدد بكارثة بيئية تمتد مساحته من ميناء الحديدة إلى قناة السويس. كما أنها تهدد حركة الملاحة في باب المندب. كما تؤدي الكارثة إلى وقف محطات تحلية المياه في المناطق التي تعتمد على تحليه مياه البحر الأحمر.

وتشير تقارير إلى أن الكارثة المحتملة تؤثر على شحنات النفط التي تمر بقناة السويس، وتهدد بتعطل ثلث المنتجات النفطية التي تمر بمضيق هرمز، وذلك في الوقت الذي يشير إلى أن تصريف البقعة في المياه الدافئة أمر صعب ويستغرق وقتًا طويلاً.

أيضًا تصل الأزمة الاقتصادية العالمية التي قد تُسببها السفينة إلى مصر، جراء ارتفاع أسعار النفط وتفاقم التضخم، فضلاً عن تعطل الملاحة بقناة السويس.

جلسة مجلس الأمن.. ورد الحوثي

ومساء أمس الخميس، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة خصصها لأزمة السفينة. وطالب المجلس الحوثيين بالسماح لمفتشين دوليين بأن يتفقدوا “بدون تأخير” الناقلة، لكن الجماعة ترفض لأسباب تتعلق بمصاريف صيانة الناقلة.

https://twitter.com/FCDOArabic/status/1400581014410436615?s=20

وفي البيان حض أعضاء مجلس الأمن الـ15 الحوثيين على “تسهيل وصول آمن وغير مشروط لخبراء الأمم المتحدة، لكي يجروا تقييماً محايداً وشاملاً، بالإضافة إلى مهمة صيانة أولية، بدون تأخير”.

وخلال الجلسة أبلغ مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوشا) أعضاء مجلس الأمن بأنّ بعثة المفتشين “لا تزال على استعداد للذهاب” إلى اليمن لتنفيذ مهمتها.

بعدها نشر القيادي بالجماعة محمد علي الحوثي سلسلة تغريدات أعاد فيها الحديث مرة أخرى عن مطلب بيع النفط المخزن بالسفينة، محملاً الحكومة مسؤولية ما وصفه بـ”التعنت” إزاء مطالب التخلص من النفط.

ونشر الحوثي وثيقة لاتفاق موقع في السابق بين جماعته والأم المتحدة بشأن شروط تفحص السفينة وإجراء عملايت صيانة لها، معتبرا أن الأمم المتحدة هي التي ترفض تنفيذ الاتفاقيات السابقة.