في وقت أصبح فيه تغيير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قاب قوسين أو أدنى، الذي يعد حقبته الأطول حكمًا في إسرائيل بـ12 عامًا كاملة، لا يعول محللون عرب على نفتالي بينيت في تغيير السياسات الإسرائيلية، كونه أكثر تطرفا وأكثر وضوحا في عدائه للعرب وسياسته الاستيطانية.
وفي خطوة مفاجئة وقبل انتهاء مهلة تشكيل حكومة جديدة بوقت قليل، أخطر رئيس حزب “هناك مستقبل” يائير لبيد، الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين. بنجاحه في التوقيع على اتفاقيات ائتلافية مع أحزاب “كتلة التغيير” لتشكيل حكومة جديدة.
ومن المقرر حسب الاتفاقية المبرمة بين حزبي “هناك مستقبل” و”يمينا” أن يتولى نفتالي بينيت منصب رئيس الوزراء في الدورة الأولى. بينما يعقبه يائير لبيد.
تضم كتلة التغيير التي نجحت في جمع 61 صوتًا من أعضاء الكنيست الإسرائيلي. أحزاب “هناك مستقبل” برئاسة يائير لبيد. و”يمينا” برئاسة نفتالي بينيت، و”أمل جديد” برئاسة جدعون ساعر. بالإضافة إلى حزب “العمل” برئاسة ميراف ميخائيلي، و”أزرق أبيض” برئاسة بيني جانتس، و”يسرائيل بيتنو” برئاسة أفيجدور ليبرمان، و”ميرتس”، برئاسة نيتسان هوروفيتس. وأخيرًا القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس.
مثّل الأمر مفاجئة صادمة إلى بنيامين نتنياهو الذي كان يعول على فشل المعارضة في تكوين ائتلاف. ومن ثم بقاءه في السلطة لحين عقد انتخابات للمرة الخامسة في عامين. إلا أن حجرًا ألقي في الماء الراكد. فبعد أن كان منصور عباس رئيس القائمة العربية مؤيدًا لـ”نتنياهو” انقلب عليه، وانضم إلى كتلة التغيير ليرجح كفتها في مواجهة نتنياهو.
رغم الاختلاف الكبير بين تكوين تكتل التغيير، فإن الحكومة يجمعها فكرة التخلص من نتنياهو. إذ إنها قامت على فكرة تأجيل الخلافات بين مكوناتها. وفي حالة تمكنهم من إنهاء حكم نتنياهو بسن قوانين تمنعه من العودة للحكم. فإن عوامل تفكك هذه الحكومة قد تنهيها مبكرًا، وتذهب إسرائيل لانتخابات جديدة. حينها قد تعود أحزاب اليمين للتحالف. خاصة أن أحزاب اليمين الحالية (معسكر اليمين والأحزاب الثلاثة الاخرى في معسكر التغيير) لديها 72 عضوًا في الكنيست. ما سيمكنها من تشكيل حكومة جديدة بسهولة.
بعد نتنياهو.. منصور عباس يعد بـ”الأفضل”
من ناحيته، قال رئيس القائمة العربية الموحدة منصور عباس: إن قرار الانضمام إلى كتلة التغيير إيجابيًا. إذ إن الاتفاق يضم الكثير من الاشتراطات المهمة التي تصب في صالح المجتمع العربي. كما لفت إلى أن تلك المرة الأولى التي يشارك فيها حزب عربي في تشكيل الحكومة.
عباس أضاف في تصريحات صحفية: “بالتأكيد القرار صعب وهناك الكثير من الجدل. لكن نحن مقتنعون بأن هناك فرصة جيدة لتشكيل الحكومة”. واصفًا دخول القائمة ضمن ائتلاف حكومي بـ”الاتفاق التاريخي”.
وتابع: “هناك مكاسب وإنجازات هي الأضخم والأوسع لصالح مجتمعنا العربي وحل قضاياه المأزومة. فضلًا عن وجود ميزانيات تتعدى الـ53 مليار شيكل إي ما يعادل 16.2 مليار دولار. وهو المبلغ الذي من شأنه أن يغير الواقع الذي يعيشه العرب في الداخل الإسرائيلي.
كما نوه إلى الاتفاق على تعديل قانون “كمينتس” خلال 120 يومًا. وهو القانون الذي يدعم دولة الاحتلال في هدم المنازل العربية عن طريق تقليص صلاحيّات المحاكم في البتّ بملفّات البناء غير المرخّص”.
تداعيات تولي بينيت رئاسة الحكومة
في هذا الصدد، يقول خلدون برغوث، المحلل السياسي الفلسطيني. إنه لا يعتقد أن تختلف سياسات نفتالي بينيت عن سياسات نتنياهو. إذ إن كلاهما يميني متطرف، لكن بينيت ليس متلاعبًا مثلا نتنياهو. هو واضح في عدائه للعرب، وواضح في سياسته الاستيطانية ويدعو لضم كل الضفة.
وأضاف برغوث، في تصريح خاص: “كما أنه واضح في رفضه المطلق لحل الدولتين. بل يعتبر رام الله مثل تل أبيب من وجهة نظر دينية توراتية. لكن كيف ستنعكس هذه المواقف على سلوك الحكومة، لن يكون ذلك واضحًا إلا بعد تشكيلها. ولو استمر في سياسة نتنياهو الحالية فهذا وحده يشكل وضعا صعبا للفلسطينيين خاصة في الضفة الغربية وفي القدس”.
أما عن أن التخلص من نتنياهو بعد حكم امتد لـ12 عامًا يقول: “لديه وقت ضيق، سيستغله بكافة السبل، التهديد والضغط والتحريض والتخوين. مع محاولة استمالة من يتوقع أن ينضموا له من معسكر التغيير مثل نير أوربخ من يمينا، وزئيف الكين من أمل جديد”.
تحركات نتنياهو لإحباط التكتل
يعرف بنيامين نتنياهو بـ”الساحر” نسبة إلى قدرته على قلب الطاولة في اللحظات الاأخيرة وتحقيق المكاسب السياسية. رغم ما يمر به من موقف ضعيف. وعلى الفور بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي تحركاته لإفشال حكومة “التغيير” قبل عرضها على الكنيست. من خلال حشد النواب اليمينيين ودفعهم على عدم التصويت بنح الثقة للحكومة الإسرائيلية الجديدة التي وصفها بـ”اليسارية الخطيرة”.
ودعا “نتنياهو” إلى اجتماع طارئ من أجل وضع خطة لإفشال حكومة التغيير قبل عرضها على الكنيست. فضلًا عن تواصل مع نواب من الأحزاب المشاركة في كتلة التغيير من أجل تحريضهم على رفض تحركات الكتلة. خاصة فيما يخص بتغيير رئيس الكنيست الحالي ياريف لافين.
وكانت أولى خطوات كتلة التغيير، تقديم طلب موقع يطالبون خلاله تغيير رئيس الكنيست المقرب من نتنياهو ياريف ليفين. على أن يخلفه عضو الكنيست ميكي ليفني من حزب “هناك مستقبل”.
شكل الحكومة الجديد
وحسب الاتفاق الموقع بين الأحزاب المشكلة لـ”كتلة التغيير”، من المقرر أن يتولى “بينيت”، منصب رئيس الوزراء. على أن يكون لابيد وزيرًا للخارجية ورئيس الحكومة البديل. على أن يبقى “بيني جانتس” رئيسًا لوزارة الحرب، وميكي ليفي رئيس الكنيست.
فيما سيتولى “أفيجدور ليبرمان” حقيبة المالية، و”جدعون ساعر” حقيبة العدل، و”أيليت شكد” حقيبة الداخلية، و”يفعات ساشا” التعليم. و”ميراف ميخائيلي” وزارة النقل والمواصلات، و”عومر بارليف” وزارة الأمن الداخلي. و”نيتسان هوروفيتش” وزارة الصحة.
فيما تتولى “تمار زاندبرج” وزارة حماية البيئة، و”عيساوي فريج” التعاون الدولي، و”زئيف إلكين” حقيبة الاستيطان، و”بنينا تامانو-شطا” للهجرة. و”نحمان شاي” حقيبة “الشتات”، و”سيكونيوعاز هندل” وزارة الإعلام، و”كارين الحرار” وزارة الطاقة، و”مائير كوهين” وزارة العمل والرفاه.
العلاقة بين أمريكا والتغيرات الإسرائيلية
لا يمكن الفصل بين ما يحدث في الداخل الإسرائيلي وصعود التيار الديمقراطي في إسرائيلي وتولي الرئيس جو بايدن مقاليد الحكم. خاصة مع ازدياد وتيرة الرفض من قبل أعضاء الكونجرس الديمقراطيين لما يحدث من تهجير قسري للفلسطينيين.
الكاتب والصحفي الفلسطيني المتخصص في الشأن الإسرائيلي، عصمت منصور. يقول إنه لا شك أن ما يحدث في الداخل الإسرائيلي له علاقة غير مباشرة بالولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن الصورة الضبابية التي يظهر بها الداخل الإسرائيلي هي السبب الرئيسي بلا شك. خاصة ما حدث في غزة وخروج نتنياهو من مغامرة الحرب على غزة في صورة الخاسر. تلك الأسباب دعمت قرب وجهات النظر مع الأحزاب المختلفة فيما بينها من الناحية الأيديولوجية لأن يشتركوا في رغبة الإطاحة بنتنياهو.
القائمة العربية فقدت الأمل
يقول “عصمت” في تصريح لـ”مصر 360″: إن تحرك منصور عباس دليل على فقدانه الأمل في تحقيق أي نجاح يذكر بشكل منفرد. موضحًا أن ذهابه إلى الاتفاق مع حكومة يمينة متطرفة ما هو إلا دليل على قلة الأوراق التي يملكها. خاصة أنه سبق أن لوح رئيس الحكومة المنتظر بينيت رفضه المشاركة مع القائمة العربية في حكومة موحدة.
في السياق ذاته، يرى المحلل السياسي خلدون برغوث، أن منصور عباس يرى أن سنوات من أداء الأحزاب العربية منفردة أو موحدة في إطار القائمة المشتركة لم تأت بنتيجة. كونها كانت تضع نفسها في صفوف المعارضة لأية حكومة إسرائيلية. وهذا لم يأت بنتيجة ولم يغير من واقع تعامل الحكومات الإسرائيلية مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عامي 1948 و1968. لذلك قرر أن يخوض تجربة محاولة التغيير من داخل الحكومة. لكن سلوكه كان متهورًا، بمعنى أنه كان مستعدًا لمساومة أي حزب -ليكود أو معارضيه- من أجل الانضمام للحكومة على أمل تحقيق تغيير. والواضح مما حدث معه حاليًا، أنه دخل الحكومة بمطالب، تم تحييدها أو تأجيل النظر فيها لوقت لاحق. ومن المؤكد أنها لن تحصل على موافقة الأحزاب اليمينية والوسط، لذلك سيخرج من هذه التجربة صفر اليدين.
تبقت مهلة تصل إلى 11 يومًا من أجل الانتهاء من تنصيب رئيس حكومة جديد. في الوقت ذاته يسعى نتنياهو إلى تحقيق أي مكاسب في أضيق الحدود. ولو على حساب تقديم تنازلات من أجل العودة إلى رئاسة الحكومة من جديد.