أثارت أزمة توريد محصول بنجر السكر الأخيرة تساؤلات حول ضرورة عودة تطبيق الدورات الزراعية، وأحالتنا بالضرروة إلى دور الإرشاد الزراعي المساعد للفلاح في الزراعات التعاقدية التي يتم شرائها قبل زراعتها.
وشهدت نحو 5 محافظات تكدسًا لمحصول بانجر السكر، بسبب إحجام شركات السكر عن استلامه لعدة أيام. ما سبب انخفاضًا للقيمة الإنتاجية للمحصول. إذ يفقد البنجر جزءا من قيمته عند تعرضه للحرارة قبل أن تتدخل وزارة التموين عبر ذراعها “الدلتا للسكر”.
من ناحية أخرى، أخطأ المزارعون في غالبية المحافظات بتسرعهم في جني المحصول مبكرًا، من أجل اللحاق بزراعة القطن والأرز. بينما رفضت المصانع في المقابل تسلم المحصول لعدم وجود طاقة استيعابية لديها.
أزمة البنجر وغياب الإرشاد الزراعي
وقال حسين أبو صدام نقيب الفلاحين لـ”مصر 360″ إن غياب دور الإرشاد الزراعي وتوعية المزارعين بعدم حصاد البنجر قبل المواعيد كان السبب الأساسي في الأزمة وعرض المحصول لمخاطر التلف.
يضيف أبو صدام أن الوزارة توقفت عن تعيين المرشدين الزراعيين ما سبب تراجعًا في إنتاجية بعض المحاصيل وإفراطًا في المبيدات والأسمدة، كما جعل ذلك بعض الزراعات تنضج قبل موعدها المحدد. بالإضافة إلى أن كل فلاح أصبح يعمل وفقًا لوجهة نظره دون علم أو توجيه.
وزارة الزراعة امتنعت عن تعيينات المرشدين الزراعيين منذ 36 عامًا. وعدد العاملين منهم في خدمة الفلاح لن يتعدى 200 مرشد في 2022.
تتكرر الأزمات الزراعية باستمرار ما يتطلب دورًا أكبر من الإرشاد الزراعي الذي لم يتم فيه أية تعيينات جديدة منذ 36 عامًا. حينما تم وقف تعيين أوائل كليات الزراعة كمرشدين زراعيين في المحافظات. ورغم حدوث أزمات في مواسم الطماطم أو المانجو لكن لم تفكر وزارة الزراعة في تعيين المزيد منهم.
تحذير من نقابة الزراعيين
وحذرت نقابة الزراعيين، على لسان نقيبها سعد خليفة، قبل سنوات من تناقص أعداد المرشدين باستمرار ليصلوا في 2016 إلى نحو 1500 مهندس فقط. يعملون على 6 آلاف قرية و8 ملايين فدان في الأراضي القديمة مقابل 25 ألفًا بنهاية الثمانينيات. كذلك توقعت النقابة أن تتفاقم المشكلة باستمرار مع بلوغ الكثيرين سن المعاش. ليصل العدد إلى نحو 200 مهندس زراعي فقط العام المقبل.
ويقول مزارعون إن وجود المرشد الزراعي يمثل لهم إطارًا مرجعيًا يقدم الاستشارة المناسبة في التوقيت المناسب. مع تغيير أصناف المحاصيل باستمرار بفضل الهجين واستنباط سلالات جديدة ما يغير مواعيد جنيها. بجانب تقلبات الطقس التي تسبب في زيادة الهالك من الإنتاج. كما اعتبروا أزمة البنجر جرس إنذار للمستقبل.
إرشاد تقني
يعمل المرشد الزراعي كوسيط بين الفلاح والوزارة ومراكز البحوث، إذ يوصل نتائج البحوث الزراعية إلى أهل الريف وجعلهم على اتصال دائم بمصادر للمعلومات الزراعية المهمة. كما يعرفهم بالممارسات والأساليب الزراعية الجديدة والتقنيات المتطورة الأكثر فاعلية وإنتاجية. كذلك تزويدهم بشكل مستمر برسائل إرشادية نافعة.
وتقول وزارة الزراعة حاليًا إن التطبيقات الإرشادية الزراعية الرقمية التي تم تطبيقها بالتعاون مع منظمة الزراعة والأغذية الفاو. ستساعد المزارعين على تخفيض التكلفة الإنتاجية وزيادة الربحية من وحدتي الأرض والمياه. ما يعني بشكل كبير عدم الحاجة للعنصر البشري.
وفي 2019، أعلنت وزارة الزراعة وومنظمة الأغذية والزاعة للأمم المتحدة (الفاو) في مصر، بدء العمل لإعداد نموذج إرشادي رقمي. في إطار تعزيز القدرات الوطنية في مجال تبادل المعلومات ونقل التكنولوجيا لتعزيز الإنتاجية الزراعية. وضمن برنامج الإطار الوطني الذي تم توقيعه بين الفاو والحكومة المصرية.
وتؤكد شركات السكر أنها تتسلم المحصول بجداول منظمة لمنع التكدس. وسط اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا. وبالتالي فإن المشكلة لدى المزارعين أنفسهم. كذلك زعمت بعض الشركات أنفسها بأن بعض المزارعين زرعوا كميات أكبر من المتعاقد عليها. وفي كلتا الحالتين يبدو أن نقص المعرفة هي المشكلة.
تضارب في تصريحات الزراعة ونقابة الفلاحين
لكن نقابة الفلاحين تؤكد العكس. وتقول إن محصول البنجر وغيره من الزراعات التعاقدية لا يتم فها زيادة المساحة المنزرعة عن المتعاقد عليها قيراطًا واحدًا. لأن تقاوي البنجر غير موجودة إلا في المصانع. كما أن مزارعيه يعرفون جيدًا أن البنجر لا يمكن بيعه إلا من خلال التعاقد مع شركة في السابق.
يقول جمال عبدالهادي، مزارع من الدقهلية، إن غياب الإرشاد الزراعي سبب مشكلات في الآفات وغياب المكافحة اليدوية المعتادة. كما أدى لخسائر سنوية لمزارعين الفاكهة خاصة الأعناب الذين يضبطون كميات المبيدات وفقًا لأهواء صاحب “ماتور الرش”.
كذلك أضاف لـ”مصر 360″، أن تغيرات درجات الحرارة تجعل الفلاحين لا يعرفون موعدًا منضبطًا للحصاد. كما حدث الأمر مع القمح الذي تغيّر في بعض المحافظات بسبب انخفاض الحرارة. بينما تعرض بعض المزارعين لخسائر بعدما جنوه في الوقت المعتاد، قبل أن تتساقط الأمتار على المحصول بعد حصاده.
ويحتاج محصول البنجر بالذات للتوجيه لارتباطه في الأصل بالمناطق الباردة كأوروبا والأمريكتين. على عكس قصب السكر الذي يمتاز بقدرته على تحمل الحرارة لكنه كثيف الاستهلاك للمياه. ما يجعل البنجر خيارًا أمام الدولة لتقليل الزراعات المستهلكة للماء في خضم أزمة سد النهضة.
إعفاء مزارعي العروة المبكرة من ثمن التقاوي بشرط التوريد
كما تتوقع وزارة التموين زيادة إنتاج السكر نظرًا لزيادة مساحة البنجر المزروعة بأكثر من 119 ألف فدان، لتصل إلى 640 ألف فدان. ذلك لإنتاج 1.7 مليون طن سكر من البنجر بجانب إنتاج السكر من القصب بكميات تصل إلى مليون طن. وجاءت زيادة مساحة الأراضي مع إعفاء مزارعي العروة المبكرة من ثمن التقاوي بشرط التوريد في الوقت المحدد. كما تتضمن الحوافز دعم خدمة الأرض “الحرث”.
وأمام تفاقم الأزمة تدخلت شركة الدلتا للسكر، التابعة لوزارة التموين، وتسلمت كميات من البنجر لم تكن متعاقدة عليها. مع التزامها التام باستلام كل محصول البنجر الذي تعاقدت عليه. كما وجهت وزارة التموين شركات بنجر السكر باستمرار وتيسير استلام المحصول من المزارعين. وسداد مستحقاتهم أولًا بأول، وانتظام إنتاج السكر المحلي وتوفيره للمواطنين.
ويوجد مخزون من السكر يكفى احتياجات المواطنين مدة تقرب من 7 أشهر بعد تطوير مصانع شركة الدلتا للسكر. تلك المصانع في كفرالشيخ التي استلمت ما يقرب من مليون و910 آلاف طن بنجر. لإنتاج ما يقرب من 262 ألف طن سكر أبيض سائب.
90% اكتفاء ذاتي من البنجر
وتوقع نقيب عام الفلاحين أن تكتفي مصر من إنتاج السكر هذا العام بنسبة 90%. كما توقع أن يصل إنتاجها لنحو 2.7 مليون طن سكر من محصولي القصب والبنجر. بينما يقدر صافي الاستهلاك بـ3.2 مليون طن سنويًا.
كذكل قال إن الحكومة تدخلت سريعًا لتسريع استلام السكر المتعاقد عليه من الفلاحين مع إحدى الشركات التي تراجعت. جراء تأخر استلام محصولهم والذي تقدر مساحته بـ200 فدان من إجمالي مساحة تعاقدت عليها الشركة تقدر 24.400 ألف فدان وهي نسبه صغيرة. مضيفًا أن البنجر يحمل العديد من المنافع للاقتصاد الكلي بداية من إنتاج السكر والمولاس بجانب “لب البنجر” المستخدم في صناعة الأعلاف.
كذلك بات دور المرشد الزراعي ضرورة ملحة مع حاجة الدولة لنشر أساليب الزراعة الحديثة المتطورة التي تضمن توفير من 30 إلى 40%، من مياه الري وتقليل التقاوي والأسمدة لـ50% مع زيادة الإنتاجية. ومحصول البنجر هو مجرد ناقوس يؤكد الحاجة لعودة المرشد الزراعي.