سناء سيف اسم يعرفه جيدًا أهالي محتجزي قضايا الرأي، أو حتى السجناء الجنائيين، بقدر مساندتها لهم والسؤال عنهم. حتى مع وجودها خلف الأسوار، وفقدان حريتها. تلك الأوضاع التي لم تزيدها إلا كل قوة وحماس .
يثير وجهها البرئ مشاعر الشجن، والحنين لأيام “الورد اللي فتح في جناين مصر”، وهي التي اختار لها أهلها اسم عروس صيدا سناء محيدلي. لتصبح اسم على مسمى، وتحمل الهموم مبكرًا، فتخوض أولى تجاربها مع السجن قبل سن العشرين.
وسناء هي الطالبة التي تخرجت في السجن، والمدافعة عن حقوق الإنسان. انخرطت في النشاط السياسي السلمي منذ اللحظات الأولى لثورة يناير عندما كان عمرها 17 عامًا. وأطلقت صحيفة “الجورنال” المستقلة المجانية مع عدد قليل من أصدقائها. ذلك بهدف معالجة قضايا الربيع العربي.
سناء.. بنت الوز عوام
ولا يعد حماسها السياسي أمر بغريب عليها فهي بنت أسرة ارتبط اسمها بالنضال: والدها الحقوقي الراحل أحمد سيف الإسلام، ووالأم الناشطة والأكاديمية الدكتورة ليلى سويف. وشقيقة المدافع عن حقوق الإنسان علاء عبدالفتاح، فكما يقول المثل ابن الوز عوام.
“لساها ثورة يناير” عبارة أطلقتها سناء الصغيرة منذ سنوات، ولاتزال تصدقها كما لاتزال تدفع ثمنها. وفي الطريق إلى ذلك فقدت الشابة الصغيرة حريتها مبكرًا. عندما ألقي القبض عليها برفقة 22 متظاهرًا. فواجهت تهمًا بخرق قانون التظاهر، وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة وحيازة “أسلحة ومفرقعات ومواد حارقة” ومقاومة السلطات.
على إثر تنظيم مسيرة قرب قصر الاتحادية ضد قانون التظاهر والمطالبة بالإفراج عن المتظاهرين المقبوض عليهم أمام مجلس الشورى. لرفضهم لذات القانون، من بينهم علاء سيف شقيقها الأكبر. وأمام النيابة اعترفت بكل شجاعة بأنها هي الداعية للتظاهر وأنها تتحمل المسؤولية وحدها.
وعليه قضت محكمة جنح مصر الجديدة المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة. بينما عرفت إعلاميًا بقضية متظاهري الاتحادية، بالحبس ثلاث سنوات إلى جانب علاقات تكميلية أخرى.
وفي 28 ديسمبر عام 2014 خفضت محكمة الاستئناف الحكم إلى السجن عامين والمراقبة إلى عامين آخرين.
وداع سيف ومعركة البطون الخاوية
وخلال العام نفسه رحل عن عالمنا المدافع المعروف عن حقوق الإنسان أحمد سيف الإسلام. التي لم تتمكن آخر العنقود من وداعه أثناء مرضه الأخير. لكن سمح لها بتلقي العزاء فيه، برفقة أخيها المحتجز آنذاك منذ العام 2013.
ولكن الحزن على والدها لم يمنعها من المشاركة في معركة البطون الخاوية، والتي شارك فيها عدد من مسجوني الرأي من ضمنهم شقيقها علاء. والناشط أحمد دومة المحكوم بـ 15 عامًا ومحمد سلطان، وبمشاركة أفراد أسرتها أيضًا من المنزل.
في 23 سبتمبر عام 2015، تم الإفراج عن سناء ويارا سلام ومجموعة من الشباب. ضمن عفو رئاسي يشمل المتهمين ذوي الأوضاع الصحية الحرجة. لكن سريعًا عادت الشابة وراء الأسوار.
ففي 4 مايو عام 2016، حكمت محكمة جنح السيدة زينب في القاهرة عليها بستة أشهر في السجن بتهمة إهانة القضاء. غيابيًا حيث لم تكن حاضرة بالجلسة.
ولكنها بادرت بتسليم نفسها في نفس اليوم لدى مركز شرطة السيدة زينب بعد صدور الحكم ضدها. ولم تحتجزها النيابة بل أبلغتها بالمراجعة في غضون عشرة أيام.
على إثر ذلك تم اتهامها بعدم التعاون مع السلطات أثناء التحقيق المتعلق بمظاهرات تسلم جزيرتي تيران وصنافير، في 25 أبريل 2016. إذ اتهمت سناء بطباعة وتوزيع منشورات قُبَيلَ خروج مظاهرة “مصر ليست للبيع” .
آنذاك أقرت سناء بأنها تنازلت عن حقها في الطعن في الحكم لأنها فقدت الثقة في النظام القضائي. كذلك ذكرت على صفحتها في الفيسبوك: “ببساطة، ليست لدي الطاقة للتعامل مع إجراءاتهم”. مضيفةً: “هذا ليس استعراضًا للشجاعة. فطالما هم مصرون على الإيقاع بي، ولأني سأدفع الثمن في كلتا الحالتين. فأفضِّل القبول بذلك فيما أنا صادقة مع نفسي”.
ضرب وسحل وحبس
وعلى بعد سنوات قليلة وتحديدا في 23 يونيو 2020، خاضت سناء معركتها العائلية لرؤية أخوها المحبوس احتياطيًا منذ زمن. ورفضت السلطات أي تواصل معه على مدار 3 أشهر.
وتروي أسرة سناء سيف حقيقة ما حدث أنه في 20 يونيو. قضت الدكتورة ليلى سويف ليلة أمام سجن طرة بمفردها بعد أن استنفذت كل الطرق للمطالبة بخطاب يطمئنها على علاء. وفي 21 يونيو صباحًا انضمت منى وفي المساء حضرت سناء. وفي فجر 22 يونيو تم الاعتداء على سناء وأسرتها أمام سجن طرة بالضرب والسحل وسرقة متعلقاتهم من قبل مجموعة من السيدات. ثم اتجهت الأسرة في 23 يونيو والمحامين لمكتب النائب العام لتقديم بلاغ وإثبات الإصابات التي وثقتها بالصور.
وفي اليوم التالي أثناء تواجدها أمام مكتب النائب العام لتوثيق ما حدث لها من إصابات على جسدها تم خطفها في ميكروباص أبيض. لتظهر بعد ساعات في مقر الأمن الوطني، والتحقيق معها بتهمة “نشر أخبار كاذبة” ومن ثم حبسها احتياطيًا.
وظهرت منى بعد القبض على شقيقتها في فيديو وهي تصرخ وتبكي “نروح فين لأي حد يحمينا؟ انتو عايزين كام حد مننا في السجن؟. طب خدوا العائلة كلها اعزلونا مع علاء في زنزانة واحدة”.
سناء.. إشاعة كورونا والاعتداء على ضابط
بينما ذكرت النيابة في بيان أن سناء أوقفت بموجب مذكرة صادرة بتاريخ 21 يونيو. بسبب دعوة نشرها “شائعات حول تردي الأوضاع الصحية بالبلاد وتفشي فيروس كورونا في السجون”.
جاء في أمر الإحالة أنها سبت بطريق النشر موظفًا عامًا بأن أسندت على صفحتها على موقع فيس بوك ألفاظًا نابية. كان من شأنها خدش اعتباره وشرفه واستخدمت حسابًا خاصًا على الإنترنت بهدف ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونًا. بأن استخدمت حساب على موقع “فيسبوك” بهدف ارتكاب الجريمتين محل الاتهامين السابقين.
وتقدمت الأسرة بعدة طلبات، لإثبات عدم تواجد سناء سيف أمام طره، وهي تفريغ كاميرات المراقبة سجن طرة في الأيام الخاصة بالواقعة. وإصدار أمر تتبع لشركة الاتصالات الخاصة برقم هاتف سناء لتبيان تحركاتها في الفترة من 9 إلى 23 يونيو. لكن تم رفض الطلبين من القضاة رغم توضيح الأسرة أهميتهما.
أما المطلب الثالث وهو تفريغ كاميرات مدخل مكتب النائب العام يوم 23 يونيو وهو يوم واقعة اختطاف سناء. وإثبات كذب رواية الداخلية في محضر الضبط، وتقاعس قوات حراسة مكتب النائب العام عن حماية مواطنه من الخطف. تم الموافقة عليه، وأوضحت الأسرة أن وكيل النيابة أمن الدولة ذكر أنه لا يصح تنفيذه لأنه يعرض سلامة وأمن القوات الأمنية الحارسة لمكتب النائب العام للخطر.
سناء.. القوية العنيدة
ظهرت سناء في محاكمتها قوية عنيدة، رغم مرضها و الاشتباه بإصابتها بكورونا. فخاطبت هيئة المحكمة قائلة: “أنا متهمة بنشر أخبار كاذبة عن كورونا في السجون وغياب الإجراءات الاحترازية بها. دي أكتر تهمة مهمة أتكلم عنها”.
وتابعت: “أنا دلوقتي ممكن أديكم شهادة تفصيلية حية عن الأوضاع في السجون. على الأقل في الأماكن اللي رحتها: “سجن القناطر، وتخشيبة المحكمة هنا اللي هي نفسها حبسخانة نيابة أمن الدولة. وسبق واتكلمت مع وكيل النيابة في ده”.
ومع ذلك عاقبت المحكمة سيف بالحبس عامًا في اتهامها بنشر أخبار كاذبة وإساءة استخدامها لمواقع التواصل الاجتماعي. و 6 أشهر في قضية إهانة أحد ضباط سجن طرة. رغم المطالبات المكثفة بالافراج عنها، وتبرئتها مما نسب إليها.
وتعيش سيف حاليًا خلف الأسوار وفي غرفة الإيراد تحديدًا، رغم ما يمثله ذلك من خطر عليها في ظل انتشار جائحة كورونا. لكنها لا تعرف لليأس طريقًا.