مع الذكرى الثانية لفض اعتصام القيادة العامة في السودان والذي عُرف إعلاميًا بـ”مجرزة الخرطوم”. تلك المذبحة التي راح ضحيتها أكثر من 150 قتيلًا. تجددت في الأوساط السودانية الاتهامات ضد قوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو – المتهم الرئيسي غير المعلن عنه- في المجزرة. إلا أن خلافات غير معلنة بين الجيش النظامي بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع. ألقت بظلالها على المشهد السوداني الأيام الماضية. عقب نشر تقارير إعلامية تفيد برفع درجة الاستعدادات القتالية لمعسكرات قوات الدعم السريع داخل العاصمة السودانية الخرطوم.
ورغم نفي قائدي المكون العسكري، البرهان وحميدتي وجود أي توتر أو خلافات بين الجيش السوداني النظامي وقوات الدعم السريع. إلا أن حميدتي ظهر في تسجيل له على موقع “فيسبوك” يحذر من محاولات وحملات منظمة ضده من جهات لم يسمها منذ توليه منصب النائب الأول لرئيس المجلس السيادي الانتقالي. كما توعد ملاحقة من زصفهم بمروجي الفتن قانونيًا.
https://www.youtube.com/watch?v=TuryEKPYecQ
كما حذر حميدتي من تدهور الأمور الاقتصادية والاجتماعية والسودانية واستمرار التوتر الأمني في السودان: “السودان في وضع مفصلي غير مريح. هناك تفكك اجتماعي وسياسيًا البلد مضطرب تمامًا. كما أنه في وضع أمني غير مريح، واقتصاديًا تأثر الفقير والغني”.
ثورة السودان.. حميدتي: “نحن من أدلخلنا البشير السجن”
وقلل حميدتي من انتصارات ما حدث في السودان بعد ثورة سبتمبر. شارحا: “لا نخدع أنفسنا. ما حدث في السودان هو فقط دخول عمر البشير وقيادات النظام السابق السجن. لا بد أن نكون واضحيين فنحن من أدخلناهم -في إشارة إلى قواته”.
كذلك تحدث للمرة الأولى عن دوره في خلع نظلم البشير وتصدي قوات الدعم السريع لمحاولات فض التظاهرات والاعتصامات المطالبة برحيله. قائلًا: “لولانا لكان البشير حاكمًا واضعًا رجل على رجل. نحن من اعتقلناه ووضعناه في الإقامة الجبرية”، رافضًا محاولات التقليل من شأنه والطعن في وطنيته ورتبته العسكرية.

تشكلت قوات الدعم السريع من ميليشيات الجنجويد التي استخدمتها الحكومة السودانية من أجل محاربة التمرد في دارفور. حيث تم إعلان تشكيلها في أغسطس 2013 وإعادة هيكلتها مرة أخرى. لتكون تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني. وكان لها دور بارز في محاربة الجماعات المتمردة في إقليم دارفور وجنوب كردفان وولاية النيل الأزرق. في أعقاب الهجمات المشتركة من قبل متمردي الجبهة الثورية السودانية في شمال وجنوب كردفان في 2013.
ولم يقتصر دور قوات الدعم السريع على خدمة أهداف نظام البشير داخل حدود السودان فقط ومواجهة أي تمرد. بل بالغ البشير في توجيه الاعتمادات المالية والتدريبات والعطاءات لحميدتي من أجل تعزيز قواته. تلك القوات التي استخدمها في تحقيق أهداف له خارج الدولة وأهمها خدمه مصالح الخليج من خلال المشاركة في حرب اليمن. كذلك التصدي للهجرة غير الشرعية والحد منها، حتى باتت هذه القوات أقوى فصيل مسلح داخل السودان.
بداية التوتر بين جيش السودان وقوات الدعم السريع
وفي مارس 2020 أعلن رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان. مشروعًا لإعادة هيكلة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع باعتبارها جزءا من الجيش السوداني وفقًا لمتطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية. وهو ما سيكون أحد مهام الفترة الانتقالية.
كما أن الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية تنص على دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة. كذلك دمج كل المسلحين خارج الجيش في جيش مهني بعقيدة جديدة.
وفسر مراقبون أن انخفاض الدعم الإقليمي والدولي لحميدتي، وزيادة الضغوط من أجل دمج قواته في الجيش النظامي. خاصة مع التقارب وتشابك المصالح بين البرهان والإمارات ومصر، وافتقاد حميدتي لدعم الإمارات والسعودية. هو بداية حقيقية للتوتر الذي قد يقود السودان لمستقبل ومنحى خطر، خاصة مع محاولات حميدتي الحصول على الدعم من معسكرات أخرى خلال زيارته قبل أسبوعين لتركيا، وتقربه من قطر.

ويحذر مراقبون للمشهد السوداني من تضييق الخناق على حميدتي. حيث إن مواقف القوى الإقليمية تتجه بقوة إلى انحسار دور حميدتي ودعم الجيش السوداني النظامي. خاصة مع حديثه وتحذيراته الأخيرة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي. حيث تشير التوقعات إلى لجوء الرجل إلى الاستقواء بقواته لتكون عصا عسكرية في مواجهة الجيش والحكومة. في حال أي محاولات للغدر به. بينما تتجه ترجيحات أخرى لإمكانية التقارب مع فلول النظام الإسلامي السابق في السودان.
النفوذ السياسي والعسكري لقوات حميدتي
لا توجد معلومات رسمية عن تعداد والقوة العسكرية لقوات الدعم السريع رغم التدريبات المكثفة التي حظيت بها خلال مشاركتها في حرب اليمن. إلا أن تقارير سودانية قدرت عدد الأفراد من ضباط وضباط صف، المتمركزين في المناطق الحيوية بالعاصمة الخرطوم بحوالي 7 آلاف. بينما تقدر سيارات الدعم السريع المنتشرة في الخرطوم. بـ3 آلاف سيارة من ذات الدفع الرباعي، مسلحة تسليح قتالي من البنادق والكلاشنكوف وقاذف صاروخي “آر بي جي 7” والهاون 60 – 70 والمدافع الرشاشة.
النفوذ السياسي لحميدتي بعد عزل البشير ظل مسار حديث عن طموحات سياسية له للتقدم في الانتخابات الرئاسية فور الانتهاء من المرحلة الانتقالية. حيث يعتبر حميدتي الذراع الأساسي في الترتيبات الأمنية والمفاوضات مع الحركات المسلحة. الأمر الذي جعله في مقدمة صفوف جنرالات المجلس العسكري في التعامل على المستوى الداخلي والخارجي في اللقاءات الرسمية مع مختلف البعثات الدبلوماسية.
طموح حميدتي السياسي
ومع تزايد الطموح السياسي لحميدتي والأدوار التي بات يلعبها منذ الإطاحة بالبشير مستغلًا قوته العسكرية المتمثلة في الدعم السريع. فإن ملامح التوتر تمحورت في الخلافات الشخصية بين حميدتي والبرهان. حيث باتت مؤشرات الصراع العسكري – عسكري تسيطر على المشهد السياسي للفترة الانتقالية ما قد يكون له انعاكاسات خطيرة على إمكانيات التحول الديمقراطي وتسليم السلطة للمدنيين.
مع بداية مؤشرات التوتر وتلويح حميدتي في حديثه الأخير بالكشف عن معلومات قد تغضب بعض الأطراف. وتحذيره من الاتهامات الملقاة على عاتقه بمشاركته في مجزرة فض اعتصام القيادة. يتخوف العديد من خطورة هذا التوتر على المشهد السوداني المعقد. الذي لم يعد يحتمل أي صراعات بين أطراف المكوّن العسكري في المجلس السيادي. في ظل تحديات بالغة الخطورة ووضع اقتصادي وأمني متدهور.