أظهرت نتائج بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك الذي يجريه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 2012/2013 أن معدل الفقر في مصر بلغ 26.3% من السكان وارتفع في 2015 إلى 27.8% من السكان وفي الدورة التالية 2017/2018 وبعد قرار التعويم وتنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي ارتفعت النسبة إلى 32.5% من السكان أي أن 32.5 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر.
وحدد الجهاز حد الفقر للفرد شهريًا بمبلغ 736 جنيهًا وخط الفقر المدقع بنحو 491 جنيهًا للفرد شهريًا.
اقرأ أيضًا.. مشروع موازنة 2021/2022 (1).. التمويل بالديون
لذلك إذا قل دخل أسرة مكونة من 4 أفراد عن 1964 جنيهًا شهريًا وفقًا لأسعار 2017/2018 فهي أسرة فقيرة فقر مدقع، وإذا قل دخل الأسرة الشهري عن 2944 جنيهًا في الشهر فهي أسرة فقيرة وبالتالي فإن رفع الحد الأدني للأجور في الحكومة إلى 2400 جنيه شهريًا يعد أقل من حد الفقر لو كانت الأسرة مكونة من أربع أفراد والزوجة ربة منزل. رغم الحديث عن الحد الأدنى للأجور، حيث لا يزال الحد الأدنى للمعاش 900 جنيه، ما يعني أن رب الأسرة صاحب المعاش إذا كانت زوجته لا تعمل فهو يعيش تحت خط الفقر.
بعد تطبيق روشتة صندوق النقد وتخفيض الدعم وإطلاق يد القطاع الخاص طرحت الدولة برنامجين لدعم الفقراء، الأول برنامج تكافل حيث تبلغ قيمته الأساسية 320 جنيهًا يضاف إليها 60 جنيهًا عن كل طفل قبل السن المدرسي، و80 جنيهًا للابتدائي و 100 جنيه للإعدادي و140 جنيهًا للثانوي. لو أن أسرة مكونة من أم وطفلين بالابتدائي وطفل بالإعدادي تحصل على 580 معاش لكي لا يتسرب أطفالها من التعليم وهو أقل من حد الفقر المدقع للفرد وفق أرقام الجهاز المركزي 2017/2018.
أما معاش كرامة فيمنح الفرد 350 جنيهًا شهريًا ويمنح الأسرة المكونة من 3 أفراد 1050 جنيهًا وهو أيضًا أقل من حق الفقر المدقع الذي أعلنته الدولة.
الأزمة الحقيقية المترتبة على وجود حوالي 33 مليون يعيشون دون خط الفقر أن الفوارق الطبقية اصبحت تفوق الخيال ولكن الفقراء منكفئين على أنفسهم لا ينظرون كثيرًا لما يحدث خارج حدودهم وسكان الجونة والمنتجعات والكمبوندات لا يرون 33 مليون مصري فقراء بل ويرونهم زوائد يجب التخلص منها، وتقع الكارثة الكبرى لا محالة عندما ينظر الناس اللي تحت للناس اللي فوق ويدركون الفرق، وقتها يعلم الله وحده عاقبة المفسدين.
نتج عن هذه الفروق الطبقية تفاوت اجتماعي كبير وفي ظل تشريعات تحمي الأغنياء على حساب الفقراء وتكبل الفقراء وحرياتهم بل وتكبلهم بالضرائب والرسوم وترفع عنهم الدعم ليزيد الغليان الاجتماعي.
تأثير الوباء علي الأغنياء
بعد أن تابعنا تأثير الوباء على الفقراء نحاول سريعًاالتعرض لتأثير الوباء على أوضاع الأغنياء في مصر.
أكدت نتائج الدراسات أن معدلات الفقر بسبب كورونا سترتفع ما بين 5% و12% إضافة إلى فقدان 2.3 مليون لوظائفهم، لذلك نسعى للتعرف على كيف أثرت كورونا على أوضاع المليارديرات والمليونيرات ورجال الأعمال من أصحاب الشركات الكبرى.
في فبراير 2020 قال نجيب ساويرس باستخفاف، في تغريدة عبر “تويتر”:
“على فكرة موضوع الكورونا ده هيقلب غم.. لا سفر ولا سياحة.. واقتصاد هينزل بره نتيجة توقف الإنتاج والعطلة وحركة البيع والتصنيع هتتعب.. والنسل هيزيد لأن القعدة في البيت هتطول”.
وفي أبريل 2020 حذر ساويرس من استمرار حظر التجوال بعد الأسبوعين المقررين، مشيرًا إلى أن القطاع الخاص مضطر لخفض الرواتب والاستغناء عن جزء من العمالة، على حد قوله.
وقال، في مداخلة تلفزيونية: “قطاعات مثل السياحة استغنت عن ملايين العاملين أو مهددة بذلك، كما تقوم بعض الشركات بصرف ربع المرتب”، معتبرًا أن استمرار الوضع مع التزام القطاع الخاص بالرواتب سيجعله مهدد بالإفلاس.
يعتبر البعض أن الملياردير المصري نجيب ساويرس صاحب العديد من التصريحات المثيرة للجدل. لكن الحقيقة أن الموقف لم يقتصر على نجيب فقط وإحقاقًا للحق كان تيارًا عامًا بين رجال الأعمال.
طالب المهندس حسين صبور الرئيس الأسبق لجمعية رجال الأعمال المصريين والرئيس الأسبق لمجلس الأعمال المصري الأمريكي في تصريحات صحفية، بضرورة عودة العمال والموظفين لعملهم رغم تفشي فيروس كورونا، مؤكدًا أن الإفلاس يهدد مصر في حال استمرار توقف العمل في المصانع والشركات، قائلًا: “لو استمر التوقف الإفلاس ينتظر البلد، كل حد له طاقة استحمال، نحن دولة ضعيفة طاقتنا انتهت ولا بدّ من العودة للعمل”.
وأكد صبور أنه لا يهمه زيادة عدد الإصابات والوفيات في حال نزول العمال والموظفين لعملهم، قائلاً: “تزيد عدد الإصابات والوفيات، لكن سيبقى هناك شعب قائم وناقص شوية، أفضل من شعب مفلس تمامًا ولن نجد ما نأكله”، مؤكدًا أنه لا يخشى هجوم البعض عليه بسبب تصريحاته.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد حيث تبعته تصريحات رؤوف غبور، الذي أكد أن استمرار أزمة كورونا لمدة شهر آخر، سيؤدي إلى معاناة مصر بشدة، وإلى تعرّض شركات ضخمة للإفلاس، مؤكدًا أن قدرة الاقتصاد المصري لن تتحمل كثيرًا من أضرار توقف الأعمال.
وأوضح غبور، أن إجراءات جلوس العمال في بيوتهم سينتج عنها دمار اقتصادي والسوق ستتوقف والمبيعات ستنهار، قائلاً: “الاستيراد سينهار والحياة ستتوقف، وما يحدث أن الناس من الناحية النفسية دخلوا على حالة شلل وهناك حالة هلع عالمي، رجال الأعمال يعانون في الوقت الحالي بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد، وإذا استمرت الأزمة طويلاً ستعاني شركات، ولو قعدت الناس في البيت هتأمن عدم إصابة الآلاف، ولكن هذا الإجراء سينتج عنه دمار اقتصادي، الشركات تدفع الفوائد على القروض وتتحمل ذلك دون وجود أرباح، ومن يهاجم رجال الأعمال لا يفهم ويجب أن يجلس معهم، ورجال الأعمال لم يكسبوا وتحملوا ضريبة التعويم في الفترة السابقة، ومن يطلب مني التبرع سأقول له آسف مقدرش”.
سخر ساويرس من تفشي وباء فيروس كورونا، وطالبه بأن يدعنا نحتفل بشم النسيم وتناول الفسيخ والبصل، وقال ساويرس: “أظن الكورونا تخللي عندها دم وتسيبنا نفرح بشم النسيم، وإلا والله لناكل ضعف كمية البصل والفسيخ والملوحة ولو جدعة بقى تقرب”.
وأدعى أن دولة السويد رفضت إجراء حظر تجول أو تعطيل عمل بسبب فيروس كورونا، مثل باقى دول العالم. وأوضح، أن السويد قررت استكمال مواطنيها حياتهم العادية دون تغير.
رد حساب السويد الرسمي الناطق بالعربية على أكاذيب ساويرس، بتغريدة تقول إن مقولة ساويرس بأن “يستمر الناس كلهم في الحياة اليومية العادية بدون أي تغيير” اقتداء بالسويد، غير صحيحة.
وأوضح الحساب أن الحكومة السويدية نصحت كبار السن والفئات المعرضة للإصابة، بعزل أنفسهم طوعًا، وكذلك تم منع الزيارة لديار المسنين، كما أوصت الخارجية السويدية بعدم السفر إلى خارج البلاد حتى شهر يونيو المقبل، إلا في الحالات الطارئة. وأوضح حساب السويد أن غالبية السكان في ستوكهولم وبقية المدن يعملون من المنزل، إذ يمنع أي تجمع يزيد عن 50 شخصًا، وذلك بناء على توصيات الحكومة، التي يتم اتخاذها استنادا إلى رأي خبراء.
تعكس تصريحات ساويرس كيف تبرر الرأسمالية المصرية لعودة العمل بغض النظر عن تكلفته ونشر العدوى وارتفاع الإصابات والوفيات، فالأرباح عندهم أهم من كل المصريين.
لكن ترى هل تحمل المليارديرات وكبار المليونيرات خسائر كما حدث للفقراء. فقد كشف تقرير من منظمة أوكسفام صدر في أغسطس الماضي، يحمل عنوان “لأجل عقد من الأمل وليس التقشف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، أن مليارديرات المنطقة ازدادت ثرواتهم بحوالي 10 مليارات دولار منذ تفشي جائحة كورونا في مارس الماضي. وأنهم جمّعوا منذ مارس أكثر من ضعف الأموال الإٍقليمية الطارئة التي قدمها صندوق النقد الدولي للاستجابة للوباء، وحوالي 5 أضعاف دعم الأمم المتحدة الإنساني لجائحة كوفيد-19 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
قال نبيل عبده، كبير مستشاري أوكسفام للسياسات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إن وباء كورونا كشف “التفاوتات العميقة والفشل الهائل في أنظمتنا الاقتصادية، ما ترك الملايين في المنطقة بدون وظائف أو رعاية صحية أو أي نوع من الضمان الاجتماعي، في حين سمح للمليارديرات بإضافة أكثر من 63 مليون دولار إلى ثرواتهم كل يوم منذ بداية الجائحة”.
نهاية عام 2019 أعلنت فوربس أن ثروات أغنى 6 مليارديرات في مصر زادت من مارس إلى نهاية العام بحوالي 4.1 مليار دولار (65.6 مليار جنيه مصري) وبنسبة 25.9%. فهل خسرو بسبب الكورونا أم زادت ثرواتهم ؟! في تحليل مهم لنتائج تقرير أوكسفام اتضح أن 5 مليارديرات مصريين ثروتهم 15.4 مليار دولار (246.4 مليار جنيه مصري) لذلك إحنا فقرا قوي!!.
نشرت مجلة فوربس في أبريل الماضي عن زيادة ثروات المليارديرات العرب، (6.1 مليار دولار) في 2021، الجدير بالذكر أن الملياردير المصري ناصف ساويرس يتصدّر القائمة العربية بثروة بلغت 3.2 مليار دولار، وكذلك الأخوة محمد ويوسف وياسين منصور حيث بلغت ثرواتهم 2.5 مليار دولار، 1.5 مليار دولار، 1.1 مليار دولار على التوالي.
كما نشرت جريدة المال منذ أيام أن أصول “طلعت مصطفى” 120 مليار جنيه.. و9.6 مليار سيولة بالمجموعة. ذلك بخلاف الدخول الخرافية التي نسمع عنها لأجور الفنانين ولاعبي كرة القدم في مصر الفقيرة قوي قوي. هذه هي مصر التي تحكم وتشرع للحفاظ على مصالحها.
كيف تنفق الرأسمالية المصرية؟!
يشكل تكتل المقاولات والعقار والسياحة قيادة الرأسمالية المصرية في 2021 وأغلب هذه الاستثمارات بدأت نشاطها خلال حكم مبارك وحققت مليارات الدولارات كثروات متراكمة واستثمارات داخل وخارج مصر. لذلك أعرض لبعض نماذج من الإنفاق البذخي للطبقة.
عام 2016 احتفل صلاح دياب، بزواج ابنته على نجل رجل الأعمال “هاني طلعت مصطفى” داخل أحد أفخم الفنادق بمدينة فلورنسا بإيطاليا، وحضر حفل الزفاف عدد كبير من رجال الأعمال. ليدعم الطابع العائلي للرأسمالية المصرية. وتكلف حفل الزفاف ملايين الدولارات، حيث قام دياب باستئجار طائرة من شركة مصر للطيران لنقل 130 شخصية من بين رجال أعمال وأقارب العروسين.
عام 2018 نشرت أنباء الزفاف الأسطوري في أسوان بين عائلتي “الحاذق” و”شتا” العائلتين البارزتين في مجال السياحة والبترول، بعد تنظيمهما حفل زفاف محمود الحاذق، ابن شقيق رجل الأعمال عماد الحاذق، على عروسته جنان، نجلة رجل الأعمال هشام شتا لمدة 3 أيام بمحافظة أسوان نظم حفل اليوم الأول فى معبد فيلة، الذي حضره الضيوف بالملابس الرسمية، وحضره العروسان ببدلة رسمية، وفستان زفاف أبيض طويل ذو طرحة بيضاء طويلة، حملتها صديقات العروس، أما اليوم الثاني فكان حفله في مسرح مجهز خصيصًا بمنطقة غرب أسوان، كما كان هنالك ليلة ثالثة من الاحتفالات في أحد فنادق أسوان. قدرت تكلفة الفرح بأكثر من 20 مليون جنيه.
عام 2018 أيضًا تم زواج ابن طلعت مصطفى في منتجع الفورسيزون شرم الشيخ واستمر 3 أيام وتكلف أكثر من 100 مليون جنيه.
نقلت المواقع الإعلامية أخبارًا عن وليمة في مركز أشمون بالمنوفية أقامها المرشح أحمد الخشن أثناء الانتخابات ونشر أن بعض مكونات الوليمة تضمنت 400 خروف بمتوسط سعر 3000 جنيه و4 عجول بمتوسط سعر 50 ألف جنيه و200 كيلو جمبري بمتوسط سعر 300 جنيه لتصل تكلفة خامات الوليمة الأساسية إلى 1.4 مليون جنيه بدون باقي المواد المستخدمة والخضروات والفاكهة والمشروبات، وتكلفة الطهي والتجهيز وتكلفة الفراشة التي تم إحضارها لتهيئة المكان للاجتماع وعدد الطباخين والأشخاص الذين قاموا بالخدمة على حضور ضيوف وليمة أشمون.
هذا نموذج لعزومة واحدة لمرشح واحد، ترى كم انفق مرشحو مستقبل وطن على الحملات الانتخابية والعزائم والولائم خلال فترة الدعاية وهل تم متابعة ذلك من لجان مراقبة الانتخابات وهل هذه الأرقام لم تتجاوز الحدود التي حددتها اللجنة؟!
نقلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام حفل الزفاف الأسطوري بين نور محمد المرشدي بنت محمد المرشدي عضو مجلس الشيوخ وصاحب مشروع معمار المرشدي، العريس أمير عبدالوهاب الذي تمتلك أسرته بنك كريدي أجريكول، أشرفت على التجهيزات شركة “باز إيفنت” وهي من الشركات المصنفة عالميًا في هذا المجال. ووصلت تكلفة الفرح 12 مليون دولار تم تصميم قاعة الفرح في قصر المرشدي لتستوعب 9 آلاف معزوم واستمر بناؤها حوالي 3 أشهر.
فستان العروس صنع في دبي وصرح مؤسس شركة سينكو أن فستان ابنة المرشدي يحتوي على مليون ونصف قطعة سواروفسكي. طبعًا الشبكة كانت طقم ألماس قدر البعض قيمته بنحو 6 ملايين دولار، وشارك في الحفل عدد من نجوم الغناء حصل بعضهم على أجر بلغ 65 ألف دولار (1.1 مليون جنيه) وطبعًا شارك أكثر من مطرب بس الصراحة حمو بيكا خد 35 ألف جنيه فقط.
هذه بعض نماذج من إنفاق الطبقة الرأسمالية في مصر وهو إنفاق بذخي سفيه يعبر عن كيف تتصرف هذه الطبقة وهي التي تشرع في مجلسي الشيوخ والنواب ولمن تكون انحيازاتها.
هذه الطبقة لا ترى إلا سكان الكمبوندات والمنتجعات فقط أما باقي المصريين فتريدهم سائقين وخدم وطباخين، وأمام طوفان الأخبار عن بذخ الرأسمالية المصرية تطالعنا نفس الصحف ووسائل الإعلام بأخبار العالم الآخر “تحقيقات انتحار عامل بالبساتين: قفز من الدور التاسع لعدم قدرته الإنفاق على زوجته”، “شنق نفسه لعجزه عن توفير متطلبات العيد لأولاده” هذه هي الرأسمالية المتوحشة التي تحكم مصر والعالم والتي تعكس حقيقة التناقض الاجتماعي في مصر “ناس هايصة، وناس لايصة”.