يشهد الأردن منذ يومين أحداثًا متسارعة على وقع ضجة أحدثها النائب المفصول من البرلمان أسامة العجارمة. بدأت بتجمع عشائري، ثم ملاحقات أمنية ومواجهات بالرصاص، ختامًا بقرار الملك عبد الله الثاني، بفض الدورة غير العادية للبرلمان.

لكن الأحداث الحالية ذات أبعاد أخرى لا تنحصر في أزمة فصل النائب، بقدر ما هي حراك عشائري، طفا على السطح قبل أشهر بتظاهرات مناهضة للفساد وداعية إلى الإصلاح، مرورًا بهزة عنيفة تعرضت لها أجهزة الحكم قبل شهرين عندما واجهت انتقادات حادة على لسان ولي العهد السابق الأمير حمزة الذي يتمتع بشعبية في أوساط العشائر.

قضية أسامة العجارمة

تشكلت أزمة النائب العجارمة بشكل عفوي، قبل أن تتحول من مجرد شجار داخل البرلمان إلى اصطفاف عشائري مقلق للنظام الحاكم في الأردن، ومعه تزايد الحديث عن “القمع والحرية والفساد والحاجة للإصلاح”، وفي المنتصف طفا على السطح اسم الأمير حمزة مرة أخرى.

النائب المفصول أسامة العجارمة
النائب المفصول أسامة العجارمة

أما قضية العجارمة فبدأت الشهر الماضي، عندما تحدث في البرلمان عن الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، واعتبره أمرًا متعمدًا، لمنع مسيرات تضامنية للعشائر مع فلسطين. وقتها احتدم النقاش، واعتبر رئيس المجلس عبد المنعم العودات أن ما قاله النائب يخالف النظام الداخلي للمجلس، ليرد عليه العجارمة: “طز بمجلس النواب وطز بالنظام الداخلي”.

هنا بدأت بقعة الزيت تكبر، وجرى تحويل النائب للجنة التأديب التي قررت تجميد عضويته لمدة عام، لكن القرار جاء بنتائج لم يتوقعها النظام، حيث حظي البرلمان الموقوف وقتها بتعاطف شعبي وعشائري كبير.

دعم عشائري

توافدت القيادات العشائرية على منزل العجارمة لتأييد موقفه، وخرجت دعوات لتظاهرات وتجمعات مؤيدة للبرلماني، وتحولت قضيته إلى أحد شواغل الرأي العام، الذي رأى في رمزية ما حدث لنائب عن الشعب مستوى آخر من التنكيل، وفق قولهم.

لدى تلك النقطة انزعج النظام الحاكم من تلك التجمعات، وحاول منعها بالقوة، ووصف دعوات التجمع بـ”التخريبة” ولن يسمح بها، لكن ما حدث لاحقًا من تطورات سريعة كان مفاجئًا وصادمًا.

الحكومة قلقة من التجمعات

صباح الأحد، أصدر مجلس الوزراء، بيان أكد فيه عدم السماح باستمرار “التجمعات والمظاهر غير القانونية وكافة السلوكيات المرافقة لها من تأزيم وتحريض”، وأشارت إلى التعامل معها بكل حزم.

كما أعلنت وزارة الداخلية، “عدم السماح بإقامة أي تجمعات أو فعاليات بشكل مخالف للقانون، في ظل الدعوات لإقامة فعاليات الأحد على نسق تجمعات تمت خلال الفترة القريبة الماضية”.

احتجاجات في الأردن
احتجاجات في الأردن

في اليوم نفسه، قرر مجلس النواب فصل النائب العجارمة، بالتزامن مع تجمع أنصاره وأفراد عشائرية في منطقة الناعور غرب العاصمة عمان، واندلعت مواجهات عنيفة استخدم فيها الرصاص الحي، ما أدى إلى إصابة 4 من عناصر الأمن، ومتظاهرون.

يذكر أن النائب المفصول ينتمي لعشيرة العجارمة، إحدى أكبر العشائر في الأردن، خدم في القوات المسلحة الأردنية، وخرج منها برتبة رائد، من دون معرفة الأسباب.

حديث الإصلاح وجمع المكونات

وعندما تشابكت أهداف العشائر مع الحراك الذي بدا واضحًا قبل أشهر في الأردن، والداعي إلى محاربة الفساد والإصلاح، قال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الأسبوع الماضي، مع عدد من الشخصيات السياسية، إن عملية الإصلاح “لا تحتاج إلى شعارات، بل تتطلب دراسة وتقسيم أدوار للوصول إلى نتائج ملموسة”.

ومع تحول القضية من كونها أزمة نائب مفصول إلى قضية أوسع نطاقًا على مستوى الأهداف والطموحات الجماهيرية، بدأت قوات الأمن اعتقال قادة الحراك الجماهيري، وفق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.

يبدو أن هذا الصخب والتشابك بين العشائر والنظام، دعا إلى تنظيم لقاء اليوم الاثنين لقوى سياسية واجتماعية ونقابات وقطاعات شبابية تمثل بدو الشمال والوسط والجنوب، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الرسمية “بترا”.

ونقلت الوكالة عن رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، قوله: “لا أحد فوق سلطة الدولة، ولا تنمية سياسية واقتصادية واجتماعية دون الأمن والاستقرار”. وأوضح الفايز أن “العشيرة أهم مكون من مكونات المجتمع الأردني، وساهمت عبر وقوفها خلف القيادة الهاشمية في بناء مؤسسات الوطن وحافظت على قوتها، كما عززت الهوية الأردنية الوطنية الجامعة وتماسك الوطن ومتانة مؤسساته”.

رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز
رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز

البعض رأى في ذلك محاولة للتهدئة، باعتبار أن اتساع غضب العشائر يمكن أن يهدد الاستقرار بشكل عام، خاصة مع قول الفايز إن “هناك جهات تسعى إلى زرع الفتنة وبثها بين أبناء المجتمع الواحد، مؤكدًا أهمية التصدي لكل تلك المحاولات عبر تعزيز الجبهة الداخلية والمحافظة على النسيج الاجتماعي والهوية الوطنية الجامعة”.

عودة سيرة الأمير حمزة

لدى تلك النقطة، طفا على سطح الأحداث قضية الأمير حمزة بن الحسين مرة أخرى، وتجدد الحديث عن خضوعه للإقامة الجبرية، التي دخلها منذ الضجة التي أحدثها في أبريل الماضي.

وفي أبريل، اعتقلت السلطات الأردنية شخصيات بارزة ومقربين من دائرة الأمير حمزة الأخ غير الشقيق للملك عبدالله، وتحدثت عن إجهاض محاولات لـ”زعزعة استقرار البلد” من خلال “التواصل مع جهات أجنبية”.

الملك عبدالله والأمير حمزة يزوران يزوران الأضرحة الملكية بمناسبة
الملك عبدالله والأمير حمزة يزوران يزوران الأضرحة الملكية بمناسبة

حينها، أعلنت السلطات أن رئيس أركان الجيش اللواء يوسف الحنيطي توجه إلى منزل الأمير حمزة، وطلب منه “التوقف عن تحركات ونشاطات توظف لاستهداف أمن الأردن واستقراره”، لكن الأخير رفض في حينها وسرّب مقطعا مصورا تحدث فيه عن مضايقات يتعرض لها وأنه مصمم على موقفه.

وبعد ساعات عصيبة عاشها الحراك العشائري، أعلن الديوان الملكي تطويق الأزمة، وأن الأمير حمزة أعلن ولاءه للملك، وظهر في مقطع مصور رفقة العاهل الأردني وهما يزوران الأضرحة الملكية بمناسبة مئوية الدولة الأردنية.

حراك إلكتروني

بعدها اختفى الأمير حمزة من المشهد ومن وسائل التواصل الاجتماعي، حتى جددت أزمة النائب الأخيرة صورته وتصدر هاشتاج (#حمزه_مش_امير_حمزه_وطن51)، تحدث من خلال المغردون عن الإقامة الجبرية للأمير حمزة، وضجَّت التعليقات بالحديث عن “انعدام الآفق السياسي”. وضرورة “وجود مخرج طوارئ.. بجوار فكرة حاسمة.. وراء قرار جريء”.

https://twitter.com/SamerAlomari13/status/1401874556734803975?s=20

وانتقد مغردون الهجوم الذي نال العشائر، في خضم الانتقادات التي وجّهت للنائب العجارمة.

رسائل دعم النظام

في المقابل، تصدر هاشتاج (#قيادتنا_هاشميه_واسرتنا_واحده)، جاءت تحته آلاف التغريدات الداعية والداعمة للقيادة الحالية، بعضها مهاجمًا لدعوات الحراك، وبعضها الآخر يعتبر “تحقيق الأمن” مقدمًا على كل شيء.

البعض لم يستطع تجاهل الحديث عن الإصلاح و”محاربة الفساد”، لكنهم قالوا إنهم “ضد المساس بأمن وهيبة الدولة”، كما تحدث آخرون على أن العشائر “هم درع الوطن”، في إشارة إلى الحراك الجماهيري الفاعل منذ أشهر في الأوساط العشائرية، والذي ينادي بمحاربة الفساد وتحقيق الإصلاح، بينما يواجه بمحاولات تقزيم وتخوين من آخرين موالين للنظام الحاكم.

https://twitter.com/HusseinSalmanQ/status/1401798092958179332?s=20

 

المغردون المؤيدون للنظام، لم يستطيعوا الخروج من عباءة المطالبات الجماهيرية والحديث المتزايد عن الإصلاح، لكنهم قرنوا ذلك بملازمات “الحفاظ على هيبة الدولة”، أو ما قالوا إنها ثواب أربعة “الوطن.. النظام.. وحدة وتلاحم الشعب، الأمن والسلم المجتمعي”، وفق تعبيرهم.

https://twitter.com/oKAi8ThGZNMoZZv/status/1401791545733529601?s=20

البعض غرد يقول إن “كلنا جميعا نريد الإصلاح وكسر ظهر الفساد، ولكن أن يتم المساس بالوحدة الوطنية وهرم الدوله الأردنية وأمننا ويتم إطلاق العيارات النارية بتجاه أبنائنا من أجل استغلال الموقف لأغراض شخصية كلنا نقف بيد واحدة ضد أي شخص كان”.

لكن المفارقة أن أغنية كورية زاحمت التريند على موقع “تويتر” في الأردن، في وسط الحديث عن السياسة والحكم والفساد والإصلاح، وهو ما يعني أنّ أحدًا يريد أن يقول إن اهتمام المواطن الأردني مختلف، ويبدو الآن قطاع كبير يتجاهل ما يحدث مقابل الاهتمام بـ”أغنية”، وفق متابعين.

وانتشرت على مواقع التواصل منذ بدء الأحداث وسومًا، جميعها تدعو لتجديد الثقة في الملك والقيادة الهاشمية، بيد أن مغردون اعتبر ما تشهده الأردن “فتنة” تستوجب الدعاء لحفظ البلد من “المكائد”.

إجمالاً، فإنّ الحملات الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي يمكن قرأتها على أن النظام تعرض لهزة جديدة، بعد الفصل السابق في الرواية “قضية الأمير حمزة”.