عبّرت تصريحات الفنان محمد رمضان حول احتفاظه بجزء كبير من أمواله في منزله. عن قطاع كبير من الشعب المصري الذي يرى أن البنوك ليست المكان الأمثل للاحتفاظ بالمال رغم مجهودات الدولة الكبيرة في نشر ثقافة الشمول المالي.

رمضان ظهر في مقطع فيديو قائلًا: “الشعبيين اللي زي حالاتي والفلاحين والصعايدة اللي زي حالاتي قد ما بيحطوا في البنك. قد ما بيسبوا في بيوتهم. مستورة.. صباح الخير يا مصر”.

لم يعلن رمضان حجم ثروته الحقيقي لكن البعض قدرها بنحو 170 مليون جنيه مصري, وقد يكون الرقم قريبًا من الواقع. إذ أن إجمالي ما يدفعه لمصلحة الضرائب في الموسم الواحد يتراوح بين 2 و2.5 مليون جنيه. ما يعني أن دخله السنوي لا يقل عن 12.5 مليون جنيه. كما يصل في المواسم التي يشارك فيها بأعمال رمضان لمتوسط بين 35 و45 مليون جنيه. دون احتساب أرباحه من موقع اليوتيوب بوجود 10 ملايين متابع

ملايين رمضان في المنزل

ولو أخذنا تصريح رمضان في الفيديو المثير للجدل على محمل الجد، سنجد أن الرجل يحتفظ بعشرات الملايين من الجنيهات في منزله. ما يطرح تساؤلات حول أسباب احتفاظ المصريين بمبالغ ضخمة في منازلهم دون وضعها في البنوك كودائع أو حتى تأجير خزائن لها لحمايتها.

https://www.youtube.com/watch?v=Ou9STWJTw4c

نموذج رضان.. مبالغ كبيرة في المنازل

قبل 4 سنوات، تم القبض على لص متمرس في اقتحام المنازل استطاع اقتحام 60 منزلاً. كما استثمر العائد الذي جمعه في شراء وحدات سكنية وتجارة السيارات والعديد من الأنشطة الأخرى.

المثير للاستغراب أن إجمالي الحصيلة التي جمعها اللص تتعدى 100 مليون جنيه من الـ60 منزلًا. ما يعني سرقته 1.7 مليون جنيه من كل منزل في منطقة نشاطه بمدينة نصر. على غرار منزل محمد رمضان.

لا يتماشى احتفاظ المواطنين بالأموال في منازلهم مع سعي البنك المركزي المصري لنشر ثقافة الشمول المالي. وفتح حسابات مصرفية بالبنوك. تلك التي استطاعت تعزيز شبكة فروعها إلى 4532 فرعًا بنهاية ديسمبر 2020 وباتت متواجدة في كل مكان.

شهادات قناة السويس

ووفقًا للبنك الدولي، فإن عدد من يمتلكون حسابات من البالغين بمصر نحو 33% من إجمالي السكان حتى عام 2018. لكن البنك المركزي المصري وجّه قبل عامين البنوك بتطبيق الإجراءات المبسطة لفتح الحسابات. تلك التي يتمكن من خلالها المواطن البسيط من فتح الحسابات الجارية أو الادخارية عبر البنوك بسهولة ويسر.

كما قرر “المركزي” قبل أشهر السماح لأصحاب الفئات العمرية التي تتراوح بين 16 و21 عامًا بفتح حسابات مصرفية. دون الحاجة لموافقة ولي الأمر، ما يستهدف ضم فئة جديدة من المواطنين للقطاع المصرفي.

لا توجد إحصائية إجمالية حول عدد الحسابات المصرفية في القطاع المصرفي ككل. وبكتفي كل بنك بذكر نسبة التحسن في عدد الحسابات التي يملكها العملاء منذ إطلاق الشمول المالي. وفي مقدمتها البنك الأهلي الذي يؤكد إضافة 3 ملايين حساب جديد ليصبح إجمالي عدد الحسابات به 10 ملايين.

لكن لا يعني زيادة الحسابات البنكية ارتفاع عدد العملاء في المطلق، في ظل إشكالية الحسابات المتعددة للشخص الواحد. ففي 2010 كان 6 ملايين مصري يملكون 14 مليون حساب بواقع 2.3 حساب لكل شخص.

“قضية وعي”

ويقول خبراء مصرفيون إن المصريين لا يملكون الوعي بضرورة تقليل التعامل بالمدفوعات الرقمية. بل أن الأغرب من ذلك أن بعض الشركات العقارية ترفض حتى الآن التعامل بالشيكات أو الدفع الإلكتروني.

كذلك يمثل انتشار القطاع غير الرسمي أحد أسباب احتفاظ المصريين بمبالغ ضخمة في منازلهم. إذ أن العاملين في السوق الموازية التي تعادل 60% من الناتج المحلي لا يمكنهم وضع أموالهم مباشرة في البنوك. بينما يمكنهم الاحتفاظ بها في المنازل.

وإن كانت ثقافة الشمول المالي تواجه مشكلات في التطبيق، تزيد تلك المشكلات بوتيرة أكبر في محافظات الصعيد.

مصريون أمام ماكينة صراف آلية

يقول أحمد عبدالنبي، 31 عامًا، إنه جاهد طوال شهور مع مالك سلسة عقارات في منطقة إمبابة للقبول بشيك مصرفي بمقدم الوحدة. ورغم مصداقية الشيك المصرفي الصادر بضمان البنك الا أن الرجل الذي ينحدر من الصعيد رفض. قائلًا: “عايزني أبعلك الشقة بورقة مختومة. أنا عايز فلوس أشمها وأمسكها في أيدي”.

اضطر عبدالنبي إلى استرداد قيمة الشيك والتوجه للبنك وتسييله، ثم إعادة سحبه على دفعات من أجل تسديد مقدم الوحدة، بسبب صاحب العقار.

وتقول الدكتورة بسنت فهمي، الخبيرة الاقتصادية، إن البنك المركزي يجاهد لنشر ثقافة الشمول المالي. العالم لم يعد يتعامل بالمبالغ الكاش لأنها ضارة بالاقتصاد. حيث يجب أن تكون الأموال موجودة داخل الجهاز المصرفي لكي يستطيع إقراض المشروعات وتنمية الدولة ورفع حجم الاقتصاد.

“تحت البلاطة”

تدلل الخبيرة المصرفية على الكم الكبير من الأموال التي يحتفظ بها المصريون تحت البلاطة. بالمبالغ التي ضخوها في مشروع قناة السويس الجديدة التي بلغت 64 مليار جنيه في أيام قليلة. وهو ما دعا البنك المركزي لنشر ثقافة الشمول المالي من أجل توعية المواطنين بضرورة وضع أموالهم في القطاع المصرفي من أجل استثمارها. فيما يخدم الاقتصاد المحلي وتوفير آليات تمويلية للمشروعات القائمة والمستقبلية.

كذلك منحت الحكومة في سبتمبر الماضي مهلة 6 أشهر للهيئات الحكومية وشركات القطاع الخاص لتوفيق أوضاعها. وإتاحة وسائل الدفع الإلكتروني للمتعاملين معها في جميع منافذ تحصيل مقابل الخدمات دون أي تكلفة إضافية. ذلك بموجب اللائحة التنفيذية لقانون “تنظيم استخدام وسائل الدفع غير النقدي” التي أقرها مجلس الوزراء مؤخرًا.

ثقافة ضعيفة

يقول الدكتور صلاح الدين فهمي، أستاذة الاقتصاد بجامعة الأزهر، إن ضعف الثقافة العامة أحد أسباب إحجام البعض عن التعامل مع البنوك. خاصة في ظل عدم اقتناع الكثيرين بالفائدة من الناحية الشرعية. وامتداد الأمر للتشكيك في الفروع الإسلامية بزعم استثمار جزء من إيراداتها في أذون وسندات الخزانة. وبالتالي تحصل فائدة عليها أيضًا.

كذلك يضيف أن ذلك يظهر المبالغ الخيالية التي يتم ضبطها في شبكات التوظيف في الريف المصري. أو ما يعرف بـ”المستريحين” ثقة المواطنين في التعامل مع بعضهم البعض دون التعامل مع البنوك. وهي مشكلة لا بد من معالجتها في المناهج الدراسية والدراما وغيرها مثلما حدث في قضية السوق السوداء في الثمانينيات التي تطوعت مسلسلات وأفلام كاملة لمواجهتها.

كاش

حتى لا يعمم نموذج رمضان

يضيف فهمي أن الاقتصاد المصري يعاني من وجود أمثلة شعبية دارجة، تضر بالثقة في الاقتصاد مثل “ابني شايله على كتفي.. ليه أدور عليه”. وهي ثقافة دارجة منذ سنوات طويلة تشجع على الاحتفاظ بالأموال في المنازل لاستخدامها في أي وقت. كما أوضح أن الشمول المالي الذي بدأ 2017 سيقضي على تلك الثقافة بتحجيم التعامل مع الكاش. سواء في البيع أو الشراء أو دفع جميع المعاملات ما يجبر الجميع على وضع أموالهم بالبنوك لكيفية استخدامها في دفع معاملاتهم.

تتضمن المرحلة الأولى من خطة التحول إلى مجتمع غير نقدي إلزام الجهات الحكومية والقطاع الخاص. بسداد مقابل هذه الخدمات بإحدى وسائل الدفع الإلكتروني إذا تجاوز قيمته الحد المقرر للدفع النقدي 500 جنيه. بالإضافة إلى المصروفات الدراسية بالجامعات ومعاهد التعليم العالي والمدارس الخاصة. واشتراكات مترو الأنفاق الشهرية والفصلية والسنوية. وأقساط القروض وأقساط وثائق التأمين، وألف جنيه فواتير المحمول والإنترنت. ووقود السيارات، و3 آلاف جنيه مقابل فاتورة استهلاك الغاز الطبيعي. و5 آلاف جنيه مقابل استهلاك الكهرباء ومياه الشرب شهريًا. بالإضافة إلى إيجار الأراضي أو العقارات أو مركبات النقل السريع بواسطة سلطات وأجهزة الدولة والأشخاص الاعتبارية.