انتقد المحامي الحقوقي طارق عبدالعال إغفال أعضاء مجلس النواب المصري الحالي والسابق استخدام الأدوات الرقابية الممنوحة لهم بمقتضى الدستور ولائحة المجلس، لافتا إلى أن العلاقة مع التركيبة الحالية أثرت بشكل كبير على علاقة البرلمان بالحكومة في الكثير من المواقف، مما نال من حق المواطن في محاسبة المسؤوليين التنفيذيين.
مثلا، أنجز مجلس النواب الماضي على المستوى التشريعي ما لم يفعله برلمان آخر في تاريخ الحياة النيابية المصرية، لكنه غاب عن دوره الرقابي ولم يستخدم أدواته الرقابية، فلم يشهد إلا استجوابًا يتيمًا كان لوزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، فيما فعل المجلس الحالي أدواته الرقابية ضد وزير الإعلام المستقيل أسامة هيكل بدعوى كثرة مخالفاته الإدارية.
واستعرض عبد العال في ورقة بحثية جديدة بعنوان “الرقابة البرلمانية بين الواقع والقانون” أن البرلمان المنقضي اختتم أعماله دون تفعيل لأهم الأدوات الرقابية، متسائلا: هل هذا ما يعبر عن حقيقة علاقة مجلس النواب بالسلطة التنفيذية؟
لقراءة الورقة كاملة :
واستعان المحامي بمقولة الفقيه الإنجليزي جون ستيورات ميل في مؤلفه الشهير ”تأملات في الحكومة النيابية ” الصادر سنة 1861، على أن الإشراف والمراقبة هي الميزة الأساسية للهيئة النيابية، حيث قال إن المهمة الحقيقية لأي مجلس نيابي هي أن يراقب الحكومة ويعمل على ضبطها وتوجيهها، وأن يسلط الضوء على أعمالها وتصرفاتها ليطلع الجمهور عليها، وأن يضطرها إلى تقديم تفسير كامل عن أعمال وتصرفات أعضائها المشكوك فيها، ومبررات قيامهم بها، وينبغي على المجلس النيابي عند قيام أضاء الحكومة باستغلال الثقة الممنوحة لهم، أو عند قيامهم عمداً بأداء الأعمال الموكلة إليهم بطريقة تتعارض ومصالح الأمة، فله أن يقوم بلومهم أو توبيخهم أو عزلهم من مناصبهم وتعيين آخرين بدلاً منهم.
الأدوات الرقابية
وتمتلك البرلمانات في معظم النظم السياسية على مستوى العالم مجموعة من الأدوات الرقابية التي تمنحها لها الدساتير، والتي تمكّنها من إتمام عملية المراقبة. وتتضمن أكثر هذه الأدوات شيوعاً :- الأسئلة الموجهة إلى الوزراء (مكتوبة أو شفهية)، الاستجواب، والتصويت على حجب الثقة، فيما تتضمن الآليات الأخرى منهجيات مرتبطة بمراقبة الموازنة والمحاكمة وإمكانية البرلمان إنشاء لجان مخصصة، ولجان التحقيقات، أو مكتب أمين المظالم.
وقال عبدالعال في ورقته: “لم نر فيما يخص ما يمر بالشعب المصري من حوادث خلال الفترة الآنية بمرارتها وثقلها على الشعب المصري، والتي أخصها ما تتعرض له هيئة السكك الحديدية المصرية من تكرار لحوادث راح ضحيتها مواطنون ليس لهم أي جريرة سوى استخدام تلك الوسيلة من وسائل النقل، لم نر أي أثر لكل هذه الأدوات الرقابية، وكأنها لم توضع لمثل هذه الأزمات، وأن هذه النصوص قد صيغت أصلاً من أجل الحفاظ على حقوق المواطنين تجاه السلطة التنفيذية، وكأن مجلس النواب بعيداً عن هذه المشكلات، أو أنها تخص شعب مغاير عن الشعب الذي ينوب عنه، أو أن هذه الكوارث لا تشكل قدراً كبيراً أو مستحقاً من الأهمية لدى أعضاء مجلس النواب تقتضي أن يقوم البعض منهم بتفعيل أي من كل هذه الأدوات الرقابية المخولة له بمقتضى نصوص الدستور”.
وتساءل: هل من الممكن أن يكون سبب ركون المجلس عن تفعيل أدواته الرقابية يعود سببه إلى بنية تكوين مجلس النواب ذاته، فلعل سيطرة حزب مستقبل وطن على أغلبية مقاعد البرلمان تجعله يسيطر بشكل فاعل على مجريات المجلس برمته، حيث إن حزب مستقبل وطن حصل على الأغلبية بواقع 317 مقعد منهم 145 مقعد بالقائمة و172 مقعد فردى بنسبة 52.8% من مقاعد المجلس المنتخبة.
ويمثل المستقلون بنحو 92 مقعدا بنسبة 16% ثم حزب الشعب الجمهوري بنحو 49 مقعد بنسبة 9% والوفد بنحو 25 مقعد منهم 21 مقعد قائمة و4 فردى بنسبة 4% وحماة وطن حصل على 23 مقعدا منهم 19 قائمة و4 فردى بنسبة 4% ومصر الحديثة على 13 مقعد منهم 12 قائمة وواحد فردى بنسبة 2% والحرية على 7 مقاعد منهم 5 قائمة و2 فردى والنور على 7 فردى بنسبة 1% والمؤتمر على 8 مقاعد والإصلاح والتنمية على 9 مقاعد بالقائمة والمصري الديمقراطي على 7 بالقائمة والعدل على مقعدين بالقائمة والتجمع على 6 منهم 5 قائمة ومقعد فردى وإرادة جيل على مقعدين بالقائمة.
واستدعى عبد العال الموقف البرلماني من حادثة قطار الصعيد القديمة والتي لم ينتج حينها مجلس الشعب سوى لجنة لتقصي الحقائق، التي لم ينتج عمل تلك اللجنة حينها شيئا قد يهم في تغيير السياسات الحكومية حينها وقد انتهت القصة بمحاكمة صغار موظفي السكة الحديد جنائياً.
وانتهت تلك المحاكمة بالقضاء بالبراءة لهم جميعا، كما أن محكمة جنايات الجيزة والتي كانت تنظر تلك القضية قد ناشدت الجهات الحكومية والنيابة العامة بسرعة التحقيق مع كبار الموظفين الذين تسببوا حينها في وقوع هذه الحادثة.
“لم نجد دوراً متناسباً دوما مع ما يحل بنا من أزمات أو أن يكون ما يقدمه أعضاء مجلس النواب لا يتناسب مع حجم ما يحل بهذا الوطن، وهو الأمر الذي يدفعنا دفعاً إلى البحث حول حقيقة العلاقة ما بين مجلس النواب وبين السلطة التنفيذية متمثلة في الحكومة، وذلك من الناحية الواقعية الحياتية وليس من ناحية النصوص الورقية، التي تقتضي بأي حال من الأحوال أن تكون هناك رقابة من مجلس النواب لكل ما تقوم به الحكومة من أفعال، وبشكل أخص في أوقات الأزمات التي تحل بالشعب المصري، أم أن الأمر لا يعدو سوى تفعيل لنصوص الدستور بتشكيل سلطات أسمية” هكذا اختتم عبدالعال ورقته.