“فرقة الموت” اسم عرفه العراقيون جيدًا خلال الأشهر الأخيرة، في أعقاب سلسلة اغتيالات طالت صحفيين وناشطين وسياسيين. قبل أن يعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أن عناصر هذه المجموعة في قبضة الأمن.

تعهد بالمحاكمة العلانية

وقتها قال الكاظمي إن التحقيات الجارية مع عناصر الفرقة “ستكشف العديد من عمليات الاغتيال التي روعت سكان البصرة”، وأن محاكمة هذه المجموعة ستكون “علنية”.

جاءت العملية الأمنية، بعدما تعهد الكاظمي بمعاقبة قاتلي النشطاء في العراق، وأنه سيجعل منهم “عنوانًا للعدالة”. لكن القضية خبت ومعها سارت الأنباء بين العراقيين بأن ضغوطًا إيرانية تحاول تسوية القضية.

ورغم توقيف عناصر الخلية، إلا أنّ عمليات الاغتيال استمرت بوتيرة متسارعة. ومنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية بالعراق في أكتوبر 2019، تعرض أكثر من 70 ناشطًا لعملية اغتيال أو محاولة اغتيال. في حين اختطف عشرات آخرون لفترات قصيرة.

“حراك تشرين” يستبطئ سير التحقيقات: “حاكموا فرقة الموت وإلا”

إزاء ذلك، قاد “حراك تشرين” تظاهرات للمطالبة بوضع نهاية لسلسلة الاغتيالات، وكذا ممارسات الميليشيات المدعومة من إيران. فضلاً عن ضبط السلاح المنفلت في قبضة “المجموعات الولائية”.

مطلع الشهر الحالي، احتشد المتظاهرون في ساحة البحرية بالبصرة (جنوب بغداد)، للمطالبة بمحاكمة عناصر “فرقة الموت”. وذلك في أعقاب كشف وثائق أمريكية عن صلات هذه المجموعة بالحرس الثوري الإيراني، في عمليات عنف واغتيال لسياسيين.

وبينما استمر الصمت الحكومي إزاء الفرقة، نظم متظاهرون احتجاجًا الخميس الماضين، هددوا خلاله بخطوات تصعيدية في حال لم تتم محاكمة المجموعة، وجاء بينهم تحت عنوان: “حاكموا فرقة الموت وإلا”، للتأكيد على استمرار ضغوطهم في هذه القضية.

ضغوط إيرانية لإنقاذ عناصر الفرقة

لكن صحفًا محلية عراقية، كشفت عن ضغوطات تجري من قبل طهران، لتغيير نتائج ومسار التحقيقات مع هذه المجموعة. ونقل موقع “رووداو” العراقي، عن إسماعيل مصبح الوائلي، شقيق محافظ البصرة السابق الذي اغتالته “فرقة الموت” بأن “كتائب حزب الله والحرس الثوري يسعيان إلى تغيير مجريات التحقيق”. وأردف: “ننتظر من وزارة الداخلية بيان حقيقة هوية (فرقة الموت) التي قامت بعملية الاغتيال”.

ويشير الموقع العراقي إلى أن “فرقة الموت هذه يتزعمها أحمد عبدالكريم الركابي، والمعروف بـ (أحمد طويسة). وهو شقيق علي طويسة الذي اغتال رئيس هيئة علماء المسلمين في البصرة، وإمام جامع البصرة الكبير يوسف الحسان، عام 2006.

وأوضح أن “جهاز استخبارات البصرة ألقى القبض على حمزة الحلفي، وحيدر فاضل العيداني. بينما هرب أحمد طويسة، وعباس هاشم، ونائل رائد وسيد علاء المنتمون لكتائب حزب الله العراقية ضمن فرقة الموت”.

ولفت إلى أن الهاربين “لجؤوا إلى مقر هيئة الحشد الشعبي في البصرة. وحصلوا على حماية ودعم من عمار أبو ياسر، مسؤول الهيئة في المحافظة”.

وفي أعقاب القبض على عناصر الفرقة، غرد الكاظمي على “تويتر” يقول: “عصابة الموت التي أرعبت أهلنا في البصرة ونشرت الموت في شوارعها الحبيبة وأزهقت أرواحا زكية، سقطت في قبضة أبطال قواتنا الأمنية تمهيدا لمحاكمة عادلة علنية”.

تاريخ سابق من الاغتيالات

وأضاف: “قتلة جنان ماذي وأحمد عبد الصمد اليوم، وغدًا القصاص من قاتلي ريهام والهاشمي وكل المغدورين.. العدالة لن تنام”، لكنها نائمة لا تزال، يرى نشطاء.

الفرقة متورطة في قتل محافظ البصرة السابق محمد الوائلي، بحسب الباحث العراقي المتخصص في الشؤون الأمنية والسياسية، عبد القادر الجنابي. وقد شغل الوائلي منصبه بالفترة بين عامي 2005 و2009. كما ينتمي إلى حزب الفضيلة الإسلامي.

تمتد سلسلة الاغتيالات التي تقف وراءها هذه العصابة لتشمل الناشطة المدنية جنان ماذي الشحماني، والصحفي أحمد عبدالصمد، والمصور الصحفي صفاء غالي

ويقول الجنابي لـ”مصر 360″: “تمتد سلسلة الاغتيالات التي تقف وراءها هذه العصابة لتشمل الناشطة المدنية جنان ماذي الشحماني، والصحفي أحمد عبدالصمد، والمصور الصحفي صفاء غالي. وذلك بعد تعقب ومراقبة الأخيرين أثناء مغادرة ساحة الاعتصام في وسط مدينة البصرة، العام الماضي”.

ويشير الباحث العراقي إلى غموض مصير التحقيقات الجارية مع عناصر فرقة الموت. وذلك في ظل تسريبات بأنها تخضع لضغوطات إيرانية، من خلال اعتبار القضايا بحق هذه المجموعة جنائية ولا تخضع لقوانين الإرهاب”.

“الحشد الشعبي” في الصورة

مطلع الشهر الجاري، طالبت منظمة العفو الدولية بالكشف عن “مصير 643 شخصًا خطفوا قبل خمس سنوات على يد مجموعات شبه عسكرية، باتت منضوية في الدولة”، في إشارة إلى عناصر “الحشد الشعبي”.

وقال التقرير الأممي إن هؤلاء فُقدوا خلال عملية للحشد الشعبي (التحالف الذي تهيمن عليه فصائل مسلحة موالية لإيران)، لاستعادة الفلوجة في يونيو 2016، من تنظيم “داعش” والذي كان يهيمن على المنطقة حينها.

عناصر من "الحشد الشعبي"
عناصر من “الحشد الشعبي”

وأشار التقرير إلى أن آلاف النازحين كانوا يفرون، حين قام مسلحون يرتدون زي الحشد الشعبي، بـ”أخذ نحو 1300 رجل وشاب في سن يسمح لهم بالقتال من عائلاتهم. وجرى وضع 643 منهم على الأقل في حافلات وشاحنة كبيرة، وهم حتى الآن مفقودون”، وقد تعرضوا “للتعذيب وإساءة المعاملة”.

متغيرات داخلية وخارجية

ويرى الباحث العراقي محمد الجبوري أن الاحتجاجات الحالية بخصوص الفرقة المسؤولة عن الاغتيال تتزامن ومتغيرات عديدة، داخلية وخارجية. ورأى أنّها تتصل بسياسة ورؤية الولايات المتحدة للانسحاب من العراق، أو بالأحرى الاتفاق حول “إعادة انتشار قوات التحالف”.

وبحسب قيادة العمليات العراقية المشتركة، فإن واشنطن وبغداد “عقدا أول لقاء لبحث خطة إعادة انتشار قوات التحالف خارج العراق”. وقال بيان للقيادة إن “الجانب الأمريكي جدد تأكيد احترامه للسيادة العراقية، وأن التحالف الدولي موجود في العراق بطلب من الحكومة لتقديم المشورة والدعم والتمكين في إلحاق الهزيمة الكاملة بعصابات (داعش) الإرهابية”.

واتفق الطرفان بحسب البيان “على إطار عمل للجلسات المقبلة لمناقشة العلاقة الأمنية على المدى الطويل بين الدولتين. ومن ثم وضع خطة عمل لتطبيق مخرجات الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة. وأن تنجز الخطة خلال جلسة المحادثات المقبلة التي ستعقد في بغداد أو واشنطن، في شهر يوليو أو أغسطس العام الحالي” والتي ستتضمن آليات وتوقيتات محددة لاستكمال إعادة نشر القوات القتالية للتحالف الدولي خارج العراق.

الولايات المتحدة قلقة على مصالحها

وعليه، يرى الجبوري في حديثه لـ”مصر 360″ أن الولايات المتحدة، بحسب التقارير الرسمية، وكذا التوصيات الصادرة من مراكز بحثية قريبة من دوائر صنع القرار، تشدد على جملة مخاوف مشتركة ولافتة، تهدد المصالح الأمريكية والتي تتعرض لاستهدافات مكثفة في العراق. ومن بين تلك المخاوف استخدام التنظيمات المدعومة من إيران للطائرات المسيرة ضد واشنطن وقواتها.

عنصر في الميليشيا العراقية يحاول تحطيم زجاج واجهة السفارة الأمريكية في بغداد
عنصر في الميليشيا العراقية يحاول تحطيم زجاج واجهة السفارة الأمريكية في بغداد

وبالعودة إلى الوثائق الأمريكية الخاصة بـ”فرقة الموت”، فقد أشارت إلى أنها تكونت بواسطة “قيادات المخابرات الإيرانية، والتي تقدم التوجيه والتمويل لميليشيات عراقية موالية لطهران، حيث تقوم بتنفيذ عمليات الاغتيال وبصفة خاصة ضد أعضاء حزب البعث السابقين والعراقيين الذين يعملون مع قوات التحالف والعراقيين الذين لا يدعمون النفوذ الإيراني في العراق. كما كان أعضاء الفرقة من العراقيين يقترحون قوائم الاغتيالات”.

وتبعاً للوثائق، فإن عمليات التدريب، نفذها “ضباط إيرانيون، وجرى نقل العراقيين من فرق الاغتيال إلى منطقة الأحواز لمدة 10 أيام، كان يتم خلالها تدريبهم على جمع المعلومات، واستخدام أسلحة مثل صواريخ الكاتيوشا وقذائف الهاون. وشملت التدريبات استخدام متفجرات متطورة بإمكانها اختراق دروع قوات التحالف. وهي المتفجرات التي قتلت وشوهت مئات من جنود القوات الأميركية”.