في مؤتمر علمي مع باحثين في جامعة أربا منش في إقليم الجنوب الإثيوبي، توقع وزير الموارد المائية والطاقة، سيلاشي بيكيلي، أن تعلية الجزء الأوسط في جسم سد النهضة قد تقف عن 573 متر، دون إمكانية الوصول إلى 595 حسب الجدول المخطط له من قبل. إذ يتوقع أن يتم تخزين 5 مليار متر مكعب فقط خلال بداية الموسم المطري في يوليو المقبل، إلا أنه يتم العمل في سباق مع الزمن للانتهاء من الاعمال الهندسية فى البوابات الثلاثة عشر ورفع الممر الأوسط.
وفي وقت سابق، أعلن مسؤولون إثيوبيون عن تخزين 13.5 مليار متر، خلال الملء الثاني لسد النهضة من أجل التشغيل الأولي لتوربينتين والبدء في توليد الطاقة مع نهاية العام الجاري، إلا أن تصريحات الوزير كشفت عن مشاكل إنشائية عطلت تعلية الجزء الأوسط في جسم السد للتمكن من تخزين المياه.
تأتي تصريحات الوزير الإثيوبي التي أطلقها من جامعة منش الواقعة في إقليم الجنوب الإثيوبي الذي يضم جماعات عرقية أقلية المنتظر أن تحظى بالحق في تأسيس الإقليم الإحدى عشر ضمن الفيدرالية الإثيوبية، دون اعتراف أو إعلان أو إخطار رسمي لمصر والسودان بالخطة المتوقعة للملء الثاني، وهو ما يعد استمرارا لسياسات فرض الأمر الواقع وفق الظروف الإثيوبية دون اعتبار مصالح دولتي المصب.
حسب صور لأقمار صناعية ومتابعة لمعدلات الإنشاءات في جسم السد وما يجرى للاستعداد للملء الثاني لم يكن الإعلان الإثيوبي عن اقتصار التخزين على 5 مليار متر مكعب فقط مفاجئاً، حيث كان وزير الموارد المائية محمد عبد العاطي قد ألمح في تصريحات تليفزيونية إلى تعثر إثيوبي في استكمال الانشاءات في جسم السد مما قد يعطل خطة التخزين المزمعة لهذا الموسم.
وفق تحليل لخبراء هيدروليكا المياه والسدود فمن المتوقع أن يقتصر الملء على الأسابيع الثلاثة الأولى كما حدث في الملء الأول الموسم المطري الماضي، إلا أن عدم مشاركة السودان ومصر بالبيانات أو خطة الملء ومواعيد غلق البوابات سيكون له تداعيات فنية خطيرة بخاصة على السودان مع عدم وجود أرقام محددة لتوقعات كمية الفيضان لهذا العام، وهو ما قد يربك حسابات الدولتين في التعامل مع السدود الواقعة على النيل الأزرق بخاصة سد الروصيروص.
مع الإعلان الغامض لوزير المياه الإثيوبي عن كميات المياه المتوقع تخزينها، أكد بيكيلي أن “الإثيوبيين ملزمون باستكمال بناء سد النهضة الإثيوبي للتغلب على الفقر.. فبناء السد ليس خياراً ولكنه التزام”.
واستغل الوزير هذه المناسبة لشن هجوم على مصر والسودان متهماً إياهم بمحاولة فرض الأفكار الاستعمارية على إثيوبيا ليستخدما مياه النيل وحدهما فقط، لكن إثيوبيا لن تقبل أن يمنعها أحد من استخدام مواردها الطبيعية.
ظروف مشابهة
لم يكن التأخر المحتمل في الملء الثاني هو الأول منذ بداية العمل في الأعمال الخرسانية والإنشائية بجسم السد، حيث سبق وتعطل إنشاء المشروع أكثر من مرة حيث تم إرجاء وتعديل موعد الانتهاء من السد لثلاث مرات منذ وضع حجر الأساس في أبريل 2011 خلال حكم رئيس الوزراء الراحل، ميليس زيناوي.
كانت قضايا الفساد هي أكثر المشاكل التي واجهت إنشاء السد حيث توقف العمل لفترة بعد الوفاة الغامضة لمدير المشروع، المهندس سيمنيو بيكيلي، الذي لاقى حتفه مقتولاً في سيارته بالعاصمة أديس أبابا، فضلاً عن فساد شركة المقاولات السابقة المسؤولة عن المشروع (ميتيك) والتابعة للجيش الإثيوبي وهو ما تم الكشف عنه عقب ثورة الأورومو وعزل رئيس الوزراء هيالامريام ديسالين، فضلاً عن توقف آخر بسبب إجراء تعديلات جديدة في التصميم واكتشاف وادي عميق تسبب في عرقلة عملية البناء.
توضيح مصري
رسمياً، لم تعلق أي من مصر والسودان على ما تدوالته إثيوبيا بشكل غير رسمي عن انخفاض معدلات المياه المقدر تخزينها خلال الملء الثاني خاصة في عدم مشاركة أي بيانات رسمية مع مصر والسودان قبيل الموعد المنتظر لبداية التخزين في يوليو المقبل، إلا أن وزارة الموارد المائية أوضحت على صفحتها بموقع فيسبوك رصد لمنسوب المياه عند الفتحات والبوابات في جسم السد.
يقول بيان وزارة الري، الذي بدا وكأنه طمأنة للرأي العام المصري، وفقاً لبيانات تم رصدها عبر أجهزة الوزارة وصور للقمر الصناعي ومعلومات تم الحصول عليها من إثيوبيا عبر جولات التفاوض السابقة، إن توليد الكهرباء بسد النهضة يشترط وصول منسوب المياه في بحيرة السد إلى 590 متر وهو ما يعني تخزين كميات من المياه تصر إلى 15 مليار متر مكعب، إلا أن ما الفتحات الـ11 المثبته في جسم السد والتي تعتبر مخارج للتوربينات العليا تقع على منسوب 578 متر، أي تقع على منسوب أقل من أقصى منسوب للسد بمقدار يتراوح بين 103 الي 67 متر.
بينما أوضح البيان إمكانية التوليد المبكر للكهرباء من التوربينات المنخفضة حيث يتضمن السد فتحتين للتوربينات المنخفضة على منسوب 542 متر وهو ما يتطلب أن يكون أقل منسوب للمياه المحجوزة أمام السد عند منسوب 560 متر والمناظر لإجمالي حجم تخزين حوالي ٤ مليار لامكانية التوليد المبكر للكهرباء.
يذكر أن فتحات توليد الكهرباء وإمرار المياه تقع على مناسيب مختلفة في جسم السد الرئيسي، حيث يصل أقصى منسوب للمياه بالسد هو 645 متر، وأقصى منسوب للتخزين 640 متر، حيث يقع منسوب قاع النهر عند السد 500 متر وهو ما يعني أن ارتفاع السد الرئيسي 145 متر واقصى ارتفاع لتخزين المياه 140متر.
الموقف المصري
وفقاً لبيان وزارة الموارد المائية وتصريحات سابقة للوزير محمد عبد العاطي بعدم قدرة إثيوبيا على تخزين القدر المعلن في الملء الثاني إلا أن مصر لا تزال تتحفظ بقوة على خطوة الملء الثاني من دون التوصل إلى اتفاق ملزم وشامل يحكم قواعد ملء وتشغيل السد، بخاصة مع عدم توافر النية الحسنة للتعاون من قبل إثيوبيا والتنسيق المشترك من أجل مشاركة البيانات واتخاذ قرارات جماعية فيما يتعلق بإدارة السد ضمن منظومة السدود السودانية والمصرية على النيل الأزرق.
ويذهب مراقبون لملف سد النهضة لأن تعثر إثيوبيا في تعلية الممر الأوسط للسد بالقدر الذي يجعله يستوعب كمية 13.5 مليار متر مكعب المأمول حجزها خلال الملء الثاني للسد، لا يمكن أن تعتبره القاهرة أو الخرطوم انتصارا أو حل مؤقت لتأجيل النزاع أو تهدئة الحملات الدبلوماسية والضغوط الدولية على أديس أبابا حتى إجبار الإدارة الإثيوبية على العودة بنية سليمة إلى المفاوضات وصياغة إتفاق قانوني ملزم.
وفقاً للإصرار ولغة التعنت الإثيوبية والحملات المكثفة للحشد الشعبي على الصعيد الداخلي والخارجي رغم عدم الاستطاعة من تحقيق سقف التوقعات فيما يتعلق بكميات المياه المنتظر حجزها خلال الملء الثاني، لم يبق أمام القاهرة والخرطوم إلا الاستمرار في خطوات التصعيد الدبلوماسية لحين وضع سياق وإطار قانوني للتعاون ومشاركة البيانات فيما يتعلق بإدارة ملء وتشغيل السد دون ترك الأمور للظروف والإعتبارات الداخلية لإثيوبيا خاصة بالنظر للتكلفة المادية التي تكبدتها مصر للتأقلم مع الآثار المحتملة من الملء الثاني فيما يتعلق بمشروعات إدارة وترشيد استخدامات المياه.