وسط الغابات الكثيفة، قرر زعيم جماعة “بوكو حرام”، أبو بكر الشكوي، تفجير نفسه بعبوة ناسفة بعد حصاره من منافسيه في غابة سامبيسا شمال شرق نيجيريا. التي آوته لوقت طويل أثناء الاشتباكات الأخيرة على السلطة والنفوذ بين الجماعات المسلحة في المنطقة، فيما بقى مصير جماعته مجهولا وسط تنافس قوي بين التنظيمات النشطة في غرب أفريقيا.

والشكوي ليس مجرد زعيم جماعة متطرفة قرر حمل السلاح في وجه الجميع، ولكنه محب لسفك الدماء. وسبق وأعلن فلسفته الخاصة في هذا الأمر بأنه “يستمتع بالقتل بنفس الطريقة التي يتلذذ فيها بذبح الدجاج والكباش من أجل الطعام”.

وسبق وتم الإعلان عن مقتل الشكوي قبل شهر مضى، إلا أن السلطات النيجيرية وجماعة “بوكو حرام” لم تؤكد المعلومات التي انتشرت في هذا الشأن إلى أن تم الكشف عن التسجيل الصوتي الذي تداولته وكالات الأنباء العالمية على مدار اليومين الماضيين.

الأسباب الحقيقية للانتحار

“فضل الشكوي أن يهان في الآخرة على أن يهان في الأرض وفجر نفسه”، عبارة وردت في التسجيل الصوتي المنسوب لزعيم تنظيم “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا”، أبو مصعب البرناوي، والذي سرد خلال التسجيل تفاصيل موت أبو بكر الشكوي والقتال الذي احتدم بين الجماعتين في الأشهر الأخيرة.

ووصف البرناوي في التسجيل المنسوب له المشهد بعد أن أعلن موت زعيم “بوكو حرام”، قائلاً: “حاصره المقاتلون التابعون لتنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا وعرضوا عليه التوبة والانضمام لهم لكنه رفض وقرر الموت”.

ولم تعلن الجهات الرسمية حتى الآن موقف واضح من مقتل الشكوي، بل إن مسؤولي الجيش النيجيري أكدوا أنهم لازالوا يدققون في الأمر باحثين عن مستند ملموس على موت زعيم جماعة “بوكو حرام”، خاصة أنه سبق وعاد للظهور مرة أخرى بعد أكثر من إعلان عن قتله.

الصراع على السيطرة بين جماعة “بوكو حرام” و “الدولة الإسلامية

النزاع على النفوذ في منطقة بحيرة التشاد قائم منذ أكثر من 12 عام مضى، وهناك تناحر بين جماعتي “تنظيم الدولة الإسلامية”، و “بوكو حرام”، والقتال خلال السنوات الأخيرة كان لصالح الأولى على حساب مناطق سيطرة الأخيرة.

وأثناء احتدام القتال، فر أبو بكر الشكوي إلى غابة سامبيسا، التي تعتبر واحدة من المناطق الاستراتيجية، والتي ظلت لبعض الوقت مقر لزعيم “بوكو حرام”، قبل تداول أنباء عن انتحاره خلال الشهر الماضي.

وأصبح “تنظيم الدولة الاسلامية- ولاية غرب أفريقيا” يسيطر على الجانب الأكبر من المنطقة مما يعنى أن نفوذه أصبح الأكثر سطوة بما يمتلك من مال وسلاح ورجال. إلا أن هناك معاقل لم يتم حسم أمرها بعد والتي تعتبر مقر “بوكو حرام” ومنها غووزا وبولكا وجبال ماندارا.

وأعلن تنظيم “الدولة الإسلامية” عن سطوته وتغلبه على “بوكو حرام” بنهاية زعيمها وقدموا رسالة طمأنة للمدنيين الذين عانوا من مجازر الجماعة التي قل نفوذها بموت زعيمها في المنطقة.

واعتبرت جماعة “الدولة الاسلامية”، أن هدفهم الأكبر يتمثل في الجنود النيجريين في المرحلة المقبلة، وأنهم لن يحاربوا على الجبهتين، لذا فالمدنيون في أمان تام.

وسلك تنظيم “الدولة الاسلامية” نهجا مختلفا في الآونة الأخيرة، حيث قدم عدد من الرسائل استهدف خلالها كسب ثقة المدنيين محاولاً تقليل نزاعاته وجبهات قتاله لينهي ما بدأه في مواجهة “بوكو حرام” من جهة ويلي ذلك التفرغ للجنود النيجيريين على حد وصفهم.

 

اقرأ أيضا:

“داعش والقاعدة وبوكو حرام”.. خريطة الإسلام المسلح في أفريقيا

من هو أبو الشكوي؟

أبو بكر الشيكوي معروف باسم “شيكاو” تولى قيادة “بوكو حرام” في عام 2009، خلفاً لزعيمها الذي قتل أثناء محاولة اعتقاله من قوات الشرطة النيجيرية، محمد يوسف.

ظل الشيكوي لفترة طويلة يدرس الفقه في مايدوغوري بولاية بورنو. وهناك تعرف على زعيم “بوكو حرام” المقتول محمد يوسف، وتطورت علاقتهما إلى أن أصبح من المقربين له.

وكان الشكوي على شاكلة الزعيم السابق لـ “بوكو حرام” يحمل الغرب المسؤولية الكاملة فيما يعانيه مجتمعه من جهل وفقر، ولقناعته بالمسؤولية الواجبة على الجماعة قرر تغيير نطاق ومسار عملها، فبعدما كانت حركة سرية لا يسمع الكثيرون بها قرر الإعلان عن وجودها باعتبارها تمرد اجتاح شمال شرق نيجيريا، ليكتب بذلك ميلاد جديد للجماعة التي تأسست في عام 2002.

الشكوي في خطاب سابق

ومارس أبو بكر الشكوي نظامه الدعائي ببث عدد من الفيديوهات المؤيدة لأسامة بن لادن والمحافظة على القتل لدرجة أنه أعلن أكثر من مرة أنه “يستمتع بالقتل كما لو كان يذبح زجاجة أو كبش لتناوله”.

يتسم شيكاو بالعدوانية المطلقة للمدنيين لدرجة أنه وفقاً لبعض التقارير تسبب في نزوح أكثر من 2 مليون شخص عن منازلهم هرباً من المصير المحتوم الذي تعرض له نحو 30 ألف شخص بعد تولي الشكوي في عام 2009.

وظل الشكوي الممجد الأكبر لعمليات العنف في المنطقة وصاحب فلسفة الاستمتاع بإراقة الدماء على غرار تناول الطعام المبهج طوال زعامته لجماعة “بوكو حرام”، وتم رصد نحو 7 مليون دولار من الولايات المتحدة الأمريكية لمن يدلي بمعلومات عن الشكوي بعد إعلانه “إرهابي عالمي”.

ومع الوقت أصبح هناك زعيمان لجماعة بوكو حرام وهما أبو بكر الشكوي وأبو مصعب البرناوي نجل محمد يوسف، زعيمها المقتول. واحتد الخلاف إلى أن انشق الأخير مشكلاً من رحم الجماعة تنظيم جديد وهو “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا” قبل أن ينتهي الصراع لصالح التنظيم الناشئ.

ويصنف المتخصصون في الشأن الأفريقي أبو مصعب البرناوي، بأنه أكثر القادة اعتدالا في المنطقة لعدم تفضيله قتل المدنيين من جهة، وللتطرف الكبير الذي اتسم به عمل الجماعات المسلحة على الجانب الآخر،

مستقبل المنطقة بعد مقتل زعيم بوكو حرام

يظل مستقبل الشمال النيجيري بعد مقتل أبو بكر الشكوي زعيم “بوكو حرام” مجهولا نتيجة عدم حسم مصير المقاتلين الذين ينتمون للتنظيم، وتعدد الآراء الخاصة بتوجهاتهم المرتقبة وما إن كان سيكمل المسيرة بعد سقوط الزعيم أم أنه يذوب في التشكيلات الأخرى.

وتوقع عدد من المحللين أن يعمل “تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا” استمالة المقاتلين التابعين  لتنظيم “بوكو حرام”، خلال الفترة القليلة المقبلة والعمل على دمجهم داخل التشكيل المسيطر والمهيمن ومن أصبحت له الغلبة.

وسبق أن بايعت بوكو حرام التي تشن تمردا منذ 7 سنوات في شمال نيجيريا تنظيم داعش، ما يعني أن ولاء مقاتلي بوكو حرام للتنظيم الآخر ليس صعبا.

وهناك أيضاً عدد من المخاوف تحاصر المنطقة ومصيرها في ظل التصور الأخطر لهذا المشهد وهو انضمام مقاتلي “بوكو حرام” لجماعات أخرى في المنطقة تنافس “تنظيم الدولة” مما يضع المدنيين وسط صراع مشتعلاً لا يهدأ بين الجماعات الإسلامية الرامية نحو السيطرة والهيمنة.