عززت الطريقة التي انتهت بها رحلة زعيم بوكو حرام أبو الشكوي “شيكاو”، وضلوع تنظيم الدولة “داعش” في مقتله، من مخاوف انتشار الأعمال والجماعة الإرهابية المتطرفة في الغرب الأفريقي، خاصة مع توافر بيئة الصراعات والمشاكل المحلية والأمنية والاقتصادية التي تفتح لها المجال للتمركز وممارسة أعمالها غير المشروعة. 

فبعد سنوات من الشد والجذب منذ إعلانه الوفاق ومبايعة داعش ثم الانفصال والمواجهة، أعلن تنظيم داعش غرب أفريقيا مقتل زعيم بوكو حرام ، أبو بكر محمد شيكاو، عبر فيديو مسرب لوسائل إعلام محلية في نيجريا بعد تداول أنباء غير مؤكدة عن مقتله منذ مايو الماضي خلال مداهمات مع الجيش النيجيري. 

رغم أن الجيش والحكومة النيجيرية أعلنت أكثر من مرة عن مقتل زعيم جماعة بوكو حرام المتطرفة، إلا أنه كان يظهر في عدة تسجيلات مسجلاً بعض الانتصارات خلال عمليات إرهابية استهدفت طلاب المدارس في المقام الأول، وهو ما أثار الشكوك عن حقيقة مقتله منذ إعلان الجيش في مايو الماضي، حتى تأكد الخبر عبر تنظيم داعش الذي ادعى أن مقتل شيكاو تم خلال اشتباكات مع التنظيم حيث فجر نفسه بعبوة ناسفة عند ملاحقته من مقاتلي التنظيم. 

كانت جماعة بوكو حرام الأكثر شهرة في أفريقيا بعد تصدرها حديث العالم لوحشيه الأعمال الإرهابية التي ارتكبها عناصرها، رغم محاولات الجيش النيجري للتصدي لها والدعم الدولي والإقليمي والبرامج المختلفة للاتحاد الأفريقي لمواجهة هذه الجماعة المتطرفة وجهود دول الجوار النيجيري، إلا أنها استطاعت تنفيذ مخطاطتها الإرهابية ليصل آخر تعداد لضحايا بوكو حرام لأكثر من 40 ألف نيجيري عبر عمليات إرهابية وصراعات مسلحة مع الجيش النيجيري إضافة إلى ما يقرب من مليوني نازح فروا من القرى التي تسيطر عليها الجماعة المتطرفة. 

شيكاو كان بمثابة الرجل الأخطر حيث ظهر في إحدى التسجيلات متباهياً بالقتل ومدى استمتاعه من تنفيذ أي من العمليات الإرهابية، كان قد قاد جماعة بوكو حرام في 2009 وفي الفترة التي تطورت فيها أعمال الجماعة المتطرفة من شمال شرق نيجريا وبدأ الإعلان عنها بعد أن كانت تواجدها سري، مارست طيلة رئاسته أعمال خطف وقتل وحرق ونهب واسعة. 

من المبايعة إلى المواجهة.. معركة النفوذ في غرب أفريقيا 

 رغم المبايعة الكاملة من زعيم بوكو حرام لزعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي في 2015، لكن سرعان ما بدأت عدة خلافات عقائدية بين التنظيمين لتبدأ الخلافات والصدامات المسحلة، حتى أقال تنظيم داعش شيكاو وعين أبو مصعب البرناوي  -نجل مؤسس بوكو حرام محمد يوسف – بديلاً عنه وهو ما أعاد شيكاو إلى تعزيز قوة جماعة بوكو حرام في مواجهة تنظيم الدولة في غرب أفريقا، الذي بدأت تقوى شوكته ويزداد عدد مقاتلية في مقابل تقلص نفوذ زعيم بوكو حرام وهزائمه المتتالية على يد الجيش النيجيري. 

وحشية شيكاو كانت سبباً ودافعاً لكثير من المنشقين عن جماعة بوكو حرام لدعم تنظيم الدولة في غرب أفريقيا الذي حمل اسم ايسواب الذي تلقى دعم من داعش في سوريا والعراق وزادت قوته بخاصة مع الخسائر المتتالية للتنظيم في سويا والعراق وانحسار أعماله في ليبيا أيضاً. 

أبو بكر الشكوي

منذ 2016 استطاع تشكيل داعش غرب أفريقيا من التطور واستمالة العديد من الأعضاء المنشقين عن بوكو حرام والشباب المحلي وتشبيك المصالح بين الجماعات الصغيرة في دول الجوار مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وهو ما كان مصدر قوة للتنظيم في مواجهة جماعة بوكو حرام. 

اقرأ أيضا:

ولاء المقاتلين وفرض السيطرة.. معارك منتظرة بين بوكو حرام وداعش بعد مقتل الشكوي

 

مخاوف من سيطرة داعش على أفريقيا 

قبل أن تتأكد أنباء مقتل زعيم بوكو حرام عبر عناصر تتبع داعش، كان المراقبون داخل وخارج نيجريا يحبسون الأنفاس فرحاً من قرب التخلص من الجماعة التي كبدت الشعب النيجيري العديد من الخسائر ونشرت الرعب في القرى والبلدات التي سيطرت عليها طوال العقد الماضي، إلا أن ضلوع تنظيم الدولة في مقتل شيكاو زاد من مخاوف انتشار الأعمال والجماعة الإرهابية المتطرفة في الغرب الأفريقي.

ويعزز المخاوف من قوة شوكة تنظيم الدولة في غرب أفريقيا، الانهيار شبة الكامل لمشروع دولة الخلافة في العراق وسوريا منذ مقتل زعميها أبو بكر البغدادي ومعظم قادة التنظيم وتشتت المجموعات المسلحة في ليبيا ومحاولتهم إعادة الانتشار في غرب أفريقيا في مواجهة الجماعات الجهادية في نيجيريا وتشاد. 

وتزداد مخاوف المراقبين لنشاط الجماعات الإرهابية في أفريقيا من سياسة واستراتيجية تنظيم داعش في التوغل وكسب ثقة المجتمعات المحلية بالاعتماد على مخاطبة احتياجاتهم دون سياسات التخويف والرعب التي استخدمتها جماعة بوكو حرام، حيث رصدت تقارير لوسائل إعلام نيجيرية تأمين موارد مالية لأهالي القرى التي يسيطر عليها رجال تنظيم الدولة فضلاً عن رسائل ترحيب بالسكان للانضمام إلى دولة الخلافة. 

حسب تقارير دولية لمكافحة الإرهاب فإن المشاكل المحلية من الجفاف والفساد والفقر والبطالة والاحتكاكات العرقية لم تكن وحدها الدفاع وراء انضمام المجتماعات المحلية في عرب أفريقيا لداعش، حيث إن الممارسات القمعية للحكومات وأجهزة الأمن من زيادة دوائر الاشتباه والاعتقالات والقتل خارج نطاق القضاء وسياسات التهميش العرقية وما يشملها من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تأتي في مقدمه دواعم البيئة الخصبة لانتشار الجماعات الجهادية.

ويرى المراقبون أن المعركة الرئيسية لتنظيم الدولة في غرب أفريقيا الآن هي التخلص من الجماعات المناوئة له وعلى رأسها بوكو حرام والتي بدأت تتقلص بعد مقتل زعيمها للتفرغ في مواجهة الجيش النيجري والقوى الدولية والغربية الداعمة له، مع نشر نفوذه في دول مجاورة حيث تم رصد عده معارك للتنظيم لإخضاع عناصر من جماعات جهادية للانضمام له في قرى على الحدود بين نيجريا والكاميرون والنيجر، فضلاً عن التقارب مع جماعات جهادية أخرى في الشرق بدأت بجماعة جهادية في الكونغو الديمقراطية. 

مواجهات دولية 

في تقرير لنشرة “مؤشر الإرهاب العالمي” نهاية العام الماضي، نشر عدة مؤشرات على نقل مركز الثقل تنظيم الدولة الإسلامية داعش من الشرق الأوسط إلى أفريقيا بخاصة في منطقة الغرب والساحل والصحراء، حيث زادت أعمال القتل والإرهاب تجاه المواطنين بنسبة 67% عن الأعوام السابقة. 

وبدأت تعزيزات دولية لمساعدة حكومات دول الغرب والساحل والصحراء في مواجهة تنظيم الدولة حيث نظمت القوات المتعددة الجنسيات التابعة للأمم المتحدة عملية عسكرية سميت بنيو كومب تم على إثرها نشر 15 ألف جندي بقيادة فرنسية لضمان الاستقرار في جنوب الصحراء، حيث تم تقدير زيادة معدلات الخطورة على سبع دول وهي بوركينا فاسو وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي والنيجر والكاميرون ونيجيريا.

وتتخوف دول أوروبية من تنامي نشاط الجماعات الجهادية في منطقة الساحل الأفريقي لتأثيرها المباشر على مصالحها وأمنها القومي، حيث تعد منطقة الساحل  طريق العبور لأعداد كبيرة من المهاجرين الذين يشقون طريقهم شمالا إلى القارة الأوروبية، فضلاً عن كونها طريق عبور رئيسي للمخدرات غير المشروعة والأسلحة والجهاديين.

وتبقى مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة على قائمة أجندة الاتحاد الأفريقي 2063 الطموحة دون وجود أليات قوية للتعاون بين دول الجوار الأفريقي سواء في منطقة الغرب والساحل والصحراء أو الجنوب والوسط، في ظل استمرار قوة الجماعات الجهادي، حيث لا يزال دور الاتحاد الأفريقي ينحسر في إدانة الأعمال الوحشية من القتل والنهب للجماعات الإرهابية دون خطط حقيقية في محاصرة الموارد المالية ومصادر القوة وجلب السلاح لهذه الجماعات، في الوقت الذي رصد فيه معهد للدراسات الأمنية في جنوب أفريقيا معلومات عن أن أكثر من 30 ألف أفريقي لقوا حتفهم في عمليات إرهابية في 33 دولة أفريقية في خمس سنوات فقط منذ 2015 وانعدام مؤشرات الأمن الإنساني في مناطق الساحل والصحراء.