ما بين ضبط سوق الكتب وزيادة تضييق الخناق على حرية التعبير. تباين الآراء حول توصية لجنة الثقافة والإعلام والآثار بالبرلمان. برئاسة الدكتورة درية شرف الدين، بشأن ضرورة مراجعة جميع الكتب بالمكتبات العامة بالدولة. للتأكد من خلوها من أي أفكار هدامة أو متطرفة واللعب على مشاعر الشباب.

واختلفت الأراء ما بين مؤيد ورافض للفكرة، فهناك من يرى أنها تكريس للحكم الشمولي وعودة إلى مرحلة التفتيش في النوايا. وأمر يشبه المكارثية في التعامل مع الثقافة. بينما رأى البعض أنها خطوة إيجابية تستهدف عدم فتح المجال لمزيد من الفوضى ونشر أفكار مخالفة لطبيعة المجتمع. كما أنها فرصة لتنقية المكتبات العامة من الكتب التي تحمل أفكار متطرفة.

اللجنة ترفع شعار حماية النشء

في هذا الصدد قال عصمت زايد عضو لجنة الثقافة والإعلام والآثار بمجلس النواب. إن الغرض من توصية اللجنة هو الحرص على عدم تعرض الشباب إلى أفكار هدامة أو تحض على الكراهية تحت مسمى الثقافة. كذلك إلى أنه خل فترة الثورة تم إنتاج الألاف من الكتب التي لم تخضع للمراقبة والمراجعة والتدقيق.

وأضاف زايد: “جاء قرار توصية اللجنة بهدف جرد المكتبات العامة وفرزها ومراجعة الكتب التي تضمها. وهو قرار غرضه الحفاظ على الشباب المصري”. موضحًا أنه سيجري التنسيق مع الحكومة خلال الفترة المقبلة من أجل الوقوف على آلية مناسبة لتحقيق الغاية من وراء التوصية.

وتابع: “يجب أن تضم المكتبات العامة كتبًا تخدم الفكر المعتدل وتعمل على تربية النشء في بيئة معتدلة وقويمة. كذلك لا تخدم أطرافًا دخيلة على المجتمع المصري”.

البرلمان

تخوفات من مزيد من التضييق على الحريات

من جانبه أبدى الناشر محمد البعلي، تخوفه من الدوافع وراء توصية لجنة الثقافة والإعلام بمراجعة المكتبات. إذ لفت إلى أن المراجعة في حد ذاتها أمر إيجابي في المطلق خاصة إن كان يستهدف الوقوف على الكتب التي كانت تدعو إلى ختان الإناث أو كراهية الآخر أو التمييز ضد المرأة. لذا يجب مراجعة كافة الكتب وفرزها حتى لا تكون سببًا في تأصيل كراهية الآخر. لكن في حالة إن كانت الدوافع هي وقف ومنع تداول الكتب التي تروج للكراهية أو غيره من الأمور المشابهة.

أما عن منطوق قرار التوصية ووصف بعض الكتب بـ”الأفكار الهدامة والمتطرفة” يقول البعلي: “جرت العادة. على أن يتم توصيف الاتجاه اليساري وما يخرج من قياداته من كتب بـ”الأفكار الهدامة”. بينما تنسب الأفكار المتطرفة إلى الإسلام السياسي وشيوخ السلفية وغيرها. وهو أمر محمود في مجمله لكن لا يجب أن يترك تبعا لأهواء اللجنة التي سيكون دورها فرز الكتب وتصنيفها”.

وأضاف البعلي في تصريح لـ”مصر 360″، البرلمان الحالي بثوبه الجديد لم يقدم ما يثبت حسن النية. إذ أنه لم يتعرض من قريب أو بعيد إلى القوانين التي تضمن حرية التعبير وحقوق الإنسان. لذا بالتأكيد هناك تخوف من دور تلك اللجان وكيفية عملها”.

وتابع: “لا أثق في أي لجنة منبثقة عن المجلس الحالي، وأخشى أن يكون الدافع هو مزيد من التضييق على الحريات العامة. خاصة أن التجارب السابق لا تنبئ بخير”.

مكتبات

طه حسين نموذجًا

لم يكن المنع وليد الفترة الراهنة، إذ أنه على مر التاريخ كان هناك الكثير من محاولات المنع لكثير من الكتب لكبار الأدباء والمفكرين. ولعل كتاب “في الشعر الجاهلي” لطه حسين، والذي عمدت السلطات إلى مصادرته بعد صدوره على خلفية وجود عبارات تطعن في صحيح الدين وتشكك في ثوابت دينية لا يمكن السكوت عنها. إلا أنه تم العدول عن القرار بعد أن تمت مراجعة الكتاب ومضمونه والتأكد من خلوه من عبارات مسيئة للدين بشكل مباشر أو غير مباشر.

وتضم قائمة الكتب الممنوعة والتي تم حجبها عن القراء العديد من الأسماء منها كتاب “تحرير المرأة” لقاسم أمين. وكذا كتاب “الله والإنسان” للمفكر مصطفى محمود، الذي اتهم على أثره بالإلحاد. وغيرهما من الأعمال الأدبية التي تماست مع تابوهات ظلت عصية على الفكر العربي والرقباء عليه. إلا أن تلك الكتابات ظلت متواجدة تتنقل جيل خلف جيل ولم تفلح محاولات المنع من تحقيق الهدف المنشود وهو حجبها عن القراء.

في الشعر الجاهلي

الحجب والمنع في زمن الإنترنت

بحسب مؤشر القراءة العربي، أن هناك أولوية للقراءة الإلكترونية بمتوسط عربي بلغ 19,45 ساعة سنويًا. مقابل 16,03 ساعة للقراءة الورقية وهذا راجع بالأساس إلى الاكتساح الكبير للتكنولوجيا وظهور بدائل أفضل من الوثائق المطبوعة.

وفي هذا الصدد يقول الناشر وائل المله، إن معدلات القراءة الورقية أخذة في الهبوط خاصة أن الاعتماد على المنتج الإلكتروني أصبح أكثر رواجًا. كذلك لفت إلى أن عدد مرتادي المكتبات العامة قليل على أي حال.

وأشار المله في تصريح خاص إلى تخوفه من آلية تقييم الكتب، قائلا: “من الممكن أيضًا أن يكون من المعنيين بتقييم الكتب. من لا يوافق على أفكار نوال السعداوي أو علي مبروك، فهنا التخوف من الارتباك في التنفيذ. إذ أن الكتب التنويرية هي بالتأكيد في نظر البعض تحمل أفكارًا هدامة.

وأضاف: “الأفكار الهدامة ممكن محاربتها بطرق كتير، أهمها مراجعة الخطاب الديني وهو ما يضمن إن الأجيال القادمة تتقبل للآخر”.

في السياق ذاته، قال الكاتب حاتم حافظ، إن الموضوع له بعدين، الأول إنه ضروري مراجعة المكتبات العامة ومكتبات المدارس. لأنه غالبًا أي كتاب يتحدث في الدين كان يتم ضمه للمكتبات باعتبار إن التدين شيء إيجابي من غير مراجعة للمحتوى. والتي بالمناسبة اتضح أن نسبة كبيرة منها تحرض على العنف والكراهية.

وأشار إلى أن مراجعة الكتب ليست كافية خاصة أن المحتوى في العالم الافتراضي أكبر, إذ أنه في حال تم حجب كتاب سيتم توفيره بصيغة إلكترونية وهو الخطر الأكبر من وجهة نظري.

وأضاف: “الجانب الثاني متعلق بالخوف من استخدام المراجعة ضد الفكر الحر والأدب الحقيقي. بمعنى أن تمرير مبدأ المراجعة ممكن يطال كل شيء فيما بعد. لذا أفضل أن تحدث المراجعة من خلال لجان ثقافية غير حكومية تعنى بتنقية الكتب من المحتوى المتطرف دون أن تشكل وصاية أخلاقية من أي نوع”.

واختتم: “لكني أؤكد أن الخطر الأكبر في محتوى الإنترنت”.